الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الحاكمية: من المودوديين إلى الحوثيين

يعود الإسلام السياسي كافة إلى شرعية الحاكمية الإلهية، ولا نعلم في العصر الحديث من طرحها سياسياً أقدم من أبي الأعلى المودودي (ت 1979)، وقيل كان معارضاً بها المهاتما غاندي (اغتيل 1948) في الديمقراطية والعلمانية (العقيل، من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة)، أما سيد قطب (أعدم 1966) فهو صدى لما طرحه أبو الأعلى، وهذا ما قاله الأخير: «إن ما ورد في كتاب معالم في الطريق هو نفسه ما أراه، بل كأنني الذي كتبته، فقد عبّر عن أفكاري بدقة» (المصدر نفسه).

أخذها جانب الإسلام السياسي السُّني ممثلاً بالمودودي على أن الحاكمية لله، ومن يحكم يمثل الله سياسياً واقتصادياً وإدارياً وفي كل شيء. أما جانب الإسلام السياسي الشيعي ممثلاً بالخميني (ت 1989) فالحاكمية الإلهية تنفذ عن طريق الإمام الغائب، بيد نائبه الولي الفقيه، وبالتالي إنها نيابة عن الله. كان آخر الجماعات في الإسلام السياسي السني السلفيات الجهادية، والتي منها تفرعت «القاعدة»، ومنها «النُّصرة» وبعدها «داعش». أما آخر العنقود في الجماعات الإسلامية الشيعية فهو «أنصار الله» الذين اشتهروا باسم «الحوثيين»، والتسمية مرادفة مع اختلاف اللفظ لـ«حزب الله». ومِن قَبل ظهر «حزب الله» اليمني (المسعودي، محمد الزبيري ومشروع حزب الله)، وكانت فكرته: «الولي الفقيه المحتسب»، أسسه القاضي والشاعر اليمني محمد محمود الزبيري (اغتيل 1965).

نأتي على جذر «حكم» الذي منه نُحت مصطلح «الحاكمية». يأتي بمعنى يقضي «وحَكم له وحَكم عليه»، وبمعنى الحكمة من العِلم، والحكيم مرادف العالم، واحتكموا إلى الحاكم، والمحاكمة في المخاصمة، والمُحَكم بمعنى الشيخ المجرب (الجوهري، الصحاح). هذا، وما زال أهل العراق يسمون القاضي حاكماً، حاكم بداء أو حاكم تمييز، صياغة من المحكمة.

هناك مَن اعتبر شعار الحرورية أو الشُّراة الذين عُرفوا بـ«الخوارج»: «لا حُكم إلا لله» على أنه السياسة أو الإمامة، وهذا غير صحيح، فانشقاقهم له علاقة بالتحكيم، وقد سمي لقاء عمرو بن العاص (ت 42هـ) وأبي موسى الأشعري (ت بعد42هـ) بالمحكمة والتحكيم، ولاعتراضهم على ما حصل عُرفوا بالمُحكمة، وعندما شعر علي بن أبي طالب (اغتيل 40هـ) بتطور شعارهم إلى السياسة، أي الحكم السياسي، قال كلمته المشهورة: «كلمة حق يُراد بها باطل» (اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي).

بعدها نأتي إلى تفسير ما ورد في الكتاب الكريم: «إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ» (الأنعام: 57)، وما اعتمد في الحاكمية قديماً وحديثاً. نقرأ في أهم التفاسير عند أهل السنة وهو «جامع البيان في تأويل آي القرآن» المشهور بتفسير الطَّبري: إن الحجازيين وبعض أهل البصرة والكوفة فسروها بمعنى القصص، بينما فسرها البصريون والكوفيون بمعنى القضاء. ومحمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) نفسه مع هذا التفسير. أما من أهم التفاسير لدى الشِّيعة «التِّبيان في تفسير القرآن» لشيخ الطائفة محمد بن جعفر الطوسي (ت 460هـ): أكد أن الحجازيين اعتبروا المعنى مِن القصص، وقرأها الباقون بالضاد المعجمة «يقضي الحق»، فتأتي بمعنى القضاء، ويقوي ذلك قوله تعالى في آية أخرى: «والله يقضي الحق».

ضرب أصحاب الحاكمية المعاصرون كل ما جاء في التفاسير، وأسباب النزول، عرض الحائط، وفسروها على أنها السلطة السياسية. قال المودودي: «وهذه المسألة (الحاكمية) يُجيب عليها القرآن بجواب قاطع واضح كل الوضوح، وهو أن الحاكمية بكل معنى مِن معانيها (القضاء والسلطة السياسية) لله تعالى وحده، فإنه هو الحاكم الحقيقي في واقع الأمر، ولا يستحق أن يكون الحاكم الأصلي إلا هو وحده، ومَن أراد أن يفهم هذه الكلمة حق الفهم، عليه أن يدرك أولاً كلمة الحاكمية ومدلولها» (المودودي، تدوين الدُّستور الإسلامي).

لا ندري ماذا ندرك: فمدلولها حسب الآية والمفسرين: بين القضاء والقصص، ولو أراد الله نيابة عنه لجاء الأمر واضحاً، لأنها قضية فاصلة، وهل سيحكم الله جزءاً مِن خلقه أم البشرية جمعاء؟ وماذا يفعل أصحاب الحاكمية باختلاف الناس والأُمم، وهذا واقع مَعِيش لا يمكن تغييره؟ وبماذا يفسرون آيات مشروعية الاختلاف الواضحات؟ ماذا يفعل أصحاب نيابة الإمام بالحديث عند أبرز المحدثين الشيعة محمد الكُليني (ت 329هـ): «كلُّ راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد مِن دون الله عزَّ وجل» (الفروع مِن الكافي)؟

أقول: لقد تسلم دعاة الحاكميةِ الحاكميةَ فعلاً بعد تنظير، في أكثر من بلد، وبفرعيهم الشيعي والسني، فهل: طبقوا حاكمية الله؟ لنُصيِّب الأصغر (ت175هـ) ما يُعبر به: «وإذا جهلتَ مِن امرئٍ أعراقه/ وقديمَهُ فانظر إلى ما يفعلُ» (ابن المعتز، طبقات الشُّعراء). أرى «الحاكمية» مِن المودوديين إلى الحوثيين تحايلا باسم الله.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 20-10-2015     عدد القراء :  3780       عدد التعليقات : 0