الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
جمعة باريس الدامية

نحن العراقيين طبقنا، ومنذ زمن بعيد يمتد لعقود عديدة، بشكل صحيح تخريجات «بريشت» المسرحية في مفهوم «التغريب». فالقتل امر غريب ومستهجن ومكروه للغالبية العظمى من ابنا شعبنا.. وبقدرة النظام الشمولي السابق وحروبه المجنونة، وما يفعله اليوم القتلة والارهابيون من نحر لأبناء شعبنا في الأسواق والمدارس والمقاهي وكل الأماكن المزدحمة بالناس، حتى تحول القتل وهو فعل « لا مألوف» الى فعل « مألوف « يعيش معه الناس وكأنه امر طبيعي. وصار تداول اخبار السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والاغتيالات وتفخيخ المنازل وهدمها على رؤوس ساكنيها يشبه تداول اخبار اسعار المواد الغذائية في «علوة» جميلة! واصبح الموت « مألوفا».

اما في العالم المتحضر، فمنذ زمن بعيد لم يعد القتل مألوفا، ومن هنا جاءت ردة الفعل الفرنسية، حكوميا وشعبيا، قوية جدا، رافضين بالإجماع ما حصل يوم الجمعة الدامي حتى وقفت فرنسا كلها، بكل مؤسساتها ومرافقها وناسها يوم الاثنين السابق، دقيقة حداد على كامل التراب الفرنسي.

هذه الدقيقة من الحداد، التي فيها إجماع وطني على رفض كل أشكال الارهاب ما أحوجنا، نحن العراقيين، اليها! ما أحوجنا إلى دلالاتها الوطنية!

كم جمعة وسبت وأحد وكل البقية من أيام الاسبوع كانت دامية في بغداد والموصل والانبار وسنجار وديالى، وسبايكر خير شاهد وشهيد، ولم تستطع القوى السياسية الحاكمة أن تقف صفا واحدا منيعا بوجه الارهاب . لم تستطع أن توحد خطابها السياسي. ولم تستطع أن تنقذ البلاد من الفساد المالي الذي تسرب للمؤسسة العسكرية فاحترق الأخضر واليابس وضاعت الموصل بلمحة بصر أمام شذاذ آفاق عبروا جهارا من حدودنا الغربية. ورغم كل الذي حصل لم تستطع القوى الحاكمة أن تضع على طاولة الحوار مشروعا «عراقيا» صرفا!

علينا أن نتعظ من ردة الفعل الفرنسية الشعبية والحكومية حيث راحت قواتها الجوية تدك الان معاقل داعش سواء في الاراضي السورية أو العراقية لأن اصابعها اكتوت بنار الارهاب.

علينا أن نقتنص هذه اللحظة التأريخية ونستثمرها لصالح البلاد والعباد من أجل دحر كل القوى الإرهابية.

آن الاوان لنضع ايدينا بأيدي بعضنا اولا، وبايدي الدول التي أصابها ويصيبها الارهاب ثانيا، لا أن نشمت بهم. فنحن جميعا، ضحايا لهذا المرض الفتاك المتخلف الذي جاء من خلف أسوار القرون الوسطى الملطخة بالدم والغزوات!

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 17-11-2015     عدد القراء :  2961       عدد التعليقات : 0