الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
النكاف وما يليه.. !

   بعد الكوليرا يجيؤنا النكاف هذه المرّة، مداهماً مدارسنا على نحو كاسح في البعض منها .. وبعد النكاف يمكن أن يضربنا الجدري أو الطاعون أو الملاريا أو حتى السارس وانفلونزا الخنازير أو الطيور وسواها من الأمراض الوبائية.

   وما المانع؟

   لسنا قلعة حصينة .. نحن الآن في أضعف حالاتنا وأسوأ أوضاعنا، بفضل حكومتينا السابقتين .. ظهورنا كواجهاتنا مكشوفة، وأيدينا خالية من أي سلاح دفاعي أو وقائي، فضلاً عن الهجومي!

   أكثر من هذا ان أبوابنا مشرعة على الآخر لاستقبال هذه الأوبئة والترحيب بها، كلاً أو على إنفراد، استقبال الأبطال الفاتحين العائدين بأكاليل الغار .. مدننا، أكثر من قرانا، أصبحت وغدت وأمست مزابل كبرى ومستوطنات في غاية الحيوية والنشاط للذباب والبعوض والصراصر والفئران والجرذان والقطط والكلاب السائبة وقطعان الأغنام والماعز والبقر شبه السائبة .. شوارعها وساحاتها ودرابينها وما تحت جسورها، وحتى أرصفة دوائرها الحكومية، مكبّات مفتوحة للنفايات والمخلّفات القذرة. وإن أردتَ أن تدرك السبب، فتّش عن الفاسدين والمفسدين الذين تفرّخوا كما العشرات في عهد الحكومتين السابقتين، فلم يبقوا شيئاً في خزينة الدولة حتى لكنس الأزبال ورفعها بالكامل كما كان يحصل أيام زمان.

   فما المانع دون أن يجتاح النكاف مدارس بغداد وسواها ويُغلق ابواب البعض منها؟

   من أعجب ما قرأت وسمعت عن قضية النكاف أن وزارة الصحة ومجلس بغداد لم يجدا لتفشي هذا المرض سبباً غير "قلة الوعي الصحي بين التلاميذ" أو " انعدام الوعي الصحي لدى الأهالي، وعدم إعطاء الأطفال الجرعات الكاملة المضادة للمرض"، وان لجنة التربية في مجلس النواب لم تر غير تقصير "بعض المدراء" في وزارة الصحة فطالبت باقالتهم.

   نعم، قلة وعي التلاميذ بهذا المرض سبب لتفشيه بينهم، وكذا انعدام وعي الأهالي، ومثله تقصير مدراء وموظفين في وزارة الصحة ومديرياتها، لكن حتى لو كان الوعي تاماً وكاملاً والتقصير الإداري منعدماً، كيف كان للتلاميذ أن يتلافوا الإصابة وهم يخوضون حتى الرُكب في الأزبال والانقاض والأوحال والمياه الآسنة مسافات في الطرق إلى مدارسهم، وأرتال الذباب والبعوض تلاحقهم من البيوت إلى الصفوف!؟

   المشكلة الحقيقية أن قلة الوعي أو انعدامه إنما حاصلان لدى موظفي البلديات ومدرائها أكثر من غيرهم – هذا يشمل في المقام الأول أمانة بغداد – فليس ثمة إدراك بأن النظافة تقي من الأمراض وبائية كانت أم غير معدية. ولا يوازيهم في نقص الوعي وانعدامه غير مسؤولي الدولة الكبار، في الحكومة ومجلس النواب، الذين لا يدركون أن البيئة القذرة إنما تكلّف موازنة الدولة والموازنات الشخصية للناس عشرات الأضعاف ما يمكن أن تكلّفه النظافة.

   كبار مسؤولي الدولة مؤمنون حدّ الوله.. في الشكل والظاهر، لكنهم غير مؤمنين بأن النظافة من الإيمان! ..

   متى يؤمنون؟

  كتب بتأريخ :  الإثنين 04-01-2016     عدد القراء :  2334       عدد التعليقات : 0