الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل يمكن التصدي للفساد بأدوات المنظومة السياسية القائمة...؟

تحتل ظاهرة الفساد المالي والإداري الصدارة بين عوامل عديدة أوصلت العراق إلى ما هو عليه اليوم من مهانة الموقع المتردي بين الأمم والشعوب الأكثر تخلفاً والأشد إمعاناً في ممارسة الفساد وتبديد الثروات البشرية والطبيعية، وإفقار الشعب وتجريده من طاقة الأمل والتطلع إلى مرافئ الإستقرار والحياة الكريمة .

وتناول هذه الظاهرة بتجلياتها المختلفة، لم يعد ينطوي على أي تأثير يُذكر،  ومجرد تناولها بوصفها ظاهرة متصاهرة مع جهاز الدولة المتهرئ ورجالاتها المتنفذين، يجعل منها قضية عصّية على التصفية، بل و" الشروع العملي الجسور الصادق " بإستهدافها باعتبارها أولوية وطنية تتعذر، بمعزلٍ عن مواجهتها، معالجة أي خللٍ أو تصدعٍ أو إنحرافٍ في مسارات الدولة والحكم والعملية السياسية المفككة.

وقد صار الفساد ومنافذه وأساطينه وحواضنه وجهة نظر نافذة مستشرية في كل دائرة ومجلسٍ للأعيان وكبار ساسة البلاد،  تكتسب كل يومٍ مريدين وأنصاراً جدداً، ولم تعد بحاجة الى توصيفٍ أو شروح قواعدية في علاقتها بالقيم والاخلاق بعد أن تحولت الى " بديهية "، ولا البديهيات التي يحفظها عن ظهر قلب تلاميذ الابتدائية. لكن ما بقي يتردد بين زُمرٍ حباها الله بقَدرٍ من البصيرة والإدراك المُضني، يدور حول سرّ قوة هذه الظاهرة ومن يقف وراءها، وأي عزيمة مطلوبةٍ لكسر شوكتها، إذا كانت الحكومة برأسها وأطرافها ومن جاء بها عاجزة عن منازلتها بإقتدارٍ كافٍ ، بعد أن أعلنت أن في مقدمة أهدافها تصفية الارهاب والفساد باعتبارهما توأمين يتغذى أحدهما من  الآخر ويستقوي به ولا فكاك بينهما، ومن باب الإدعاء اللاواعي التوهم بامكانية الأنفراد بأحدهما وعزل الآخر ..

ومع أن تجربة السنوات العجاف السابقة على الولاية الحكومية الحالية، قدمت شواهد لا تُخفى سوى على أعمى البصيرة لا البصر، تؤشر لجذر ظاهرة الفساد وربابنتها وأولي القدرة على إحتضانها ومدّها باسباب القوة والتحدي، حتى بات الشارع بمن فيه من باعة الخُضر وعتالي الاسواق ورواد المقاهي الشعبية يؤشرون باصابعهم الى لصوص المال العام والمرتشين ممن يتصدرون الحكم أو يولونهم البيعة ويتقلدون المناصب في كل وزارة ومحافظة ومدينة. وزاد على ذلك قادة الكتل وهم يتنابزون بالألقاب ، يفضح الواحد منهم الآخر، وهم لا يخرجون أياديهم من جيوبهم حين يتصاعد فحيحهم بكشف المستور ونشر الوثائق الفضائحية. وقد تكفي لوحدها الاستعانة بالملفات الدامغة التي صرح السيد المالكي من موقعه على رأس الحكومة السابقة بأنها في حوزته، وهي قمينة بقلب الطاولة على رؤوس الجميع، وتحويل مجلس النواب الى حلبة للعراك بالأيدي والكراسي الوفيرة ..!

من حق رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادى أن يتأنّى وهو يحاول معالجة ظاهرة الفساد متذرعاً بضرورة اعتماد سياقاتٍ قانونية  تستند الى بيناتٍ موثوقة . ومن حقه أن يتذرع بأن مثل هذا التصدي لا يتطلب البيّنة فحسب، بل أيضاً قوىً مجتمعية متضافرة الارادة، منزّهة عن صراع المصالح والمكاسب، مترفعة عن حساب الخسارة والربح الشخصي. لكنه سيرتكب خطأً فادحاً إذا ما توهم انه سيعثر على هؤلاء في الدائرة الضيقة التي تتبادل الأدوار والمواقع داخل كتلته أو في المحيط الضيق في العملية السياسية، دون إطلاقٍ من تعذر وجود بعضٍ من هؤلاء ممن لم تجرده البيئة الفاسدة من سوية الضمير.

أما حديث البيّنة والتوثيق، فيكفي الاستشهاد بالكلام المأثور الذي وجهه ابو ذر الغفاري الى معاوية عندما بنى قصر الخضراء في دمشق، وهو في قصره :

" إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهو الإسراف"، وكأنه بسؤاله هذا يتمثلنا اليوم ويطرح سؤال كل مأسورٍ بالظلم والتعدي: من أين لك هذا " ؟!

مجرد سؤال قد يبدو ساذجاً:  كيف يصبح حارس شخصي أو مرافق لمسؤولٍ متنفذ أو صهر أو أخ أو سكرتير، بحكم الولاء الشخصي والحزبي لهذا المسؤول أو ذاك، خلال بضع سنوات، مليونيراً وصاحب أطيان وأبراج وإستثمارات، وهو وصاحبه لم يكونا يملكان شروى نقير ...؟

كيف لأي من هؤلاء أن يصبح نائباً مفوهاً وصاحب مكاتب توزع الاراضي والخيرات ..

اين ابو ذر، يا أبا اليسر، ليستنهض فيك الاسئلة الصعبة التي لا تحتاج الإجابة عنها الى مصباح ديوجين ...!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 20-01-2016     عدد القراء :  2769       عدد التعليقات : 0