الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
فائق بطي.. وسلام عادل!!
بقلم : فالح حسون الدراجي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

رحل عنا يوم أمس الأول في العاصمة البريطانية لندن، عميد الصحافة العراقية، ورأس الحربة في نضالاتها الوطنية لأكثر من ستة عقود، الدكتور فائق بطي. رحل أبو رافد عن عمر ناهز الواحد والثمانين عاماً بعد مرض غادر، خطفه من بين رفاقه وأهله ومحبيه.

وبقدر ما كان رحيل الدكتور بطي خسارة كبيرة للصحفيين الشيوعيين، ولعموم الأسرة الصحفية العراقية -كما جاء في بيان النعي الذي أصدرته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي-، وخسارة فادحة للصحافة في العراق، التي فقدت برحيله أحد أبرز أعمدتها الذين نذروا حياتهم من أجل مهنة البحث عن الحقيقة -كما جاء في نعي نقابة الصحفيين العراقيين، فهو أيضاً خسارة فادحة لي شخصياً، وخسارة لكل من عرف هذا الرجل المترع بالمهنية، والوطنية، والثبات على الموقف، والصدق، وحب الناس الفقراء..

لقد أخترت ذكر نعي الحزب الشيوعي العراقي دون غيره في هذا المقال، لأني لم أجد في الكون، شيئاً عزيزاً، وغالياً لدى الفقيد بطي، مثل (معَّزة) الحزب الشيوعي العراقي لديه. فقد ولد وعاش ورحل الرجل وهو مكتنز بالأفكار الإنسانية، والقيم الوطنية، والمبادئ الشيوعية، فضلاً عن كونه واحداً من قادة الحزب في أصعب نضالاته ضد الدكتاتورية، والتسلط البعثي.

واخترت أيضاً، بعض ما ورد في النعي الذي أصدرته نقابة الصحفيين العراقيين بمناسبة رحيل الفقيد بطي، دون غيرها من المؤسسات الصحفية، لأني أعرف تماماً أن للفقيد أرثاً خالداً في تاريخ هذه النقابة. فهو واحد من مؤسسيها، وأحد بناة مجدها المهني والوطني، حتى أن الراحل كان يسألني عن الوضع في نقابة الصحفيين كلما أسعفني الحظ بلقائه بين فترة وأخرى، ويسألني أيضاً عن أوضاع الصحفيين المعيشية والمهنية بعد سقوط النظام.

ولد فائق بطي وفي يده قلم كما يقولون، فقد نشأ في بيت ثقافي، وصحافي رفيع، وترعرع في بيئة أدبية وسياسية عالية الشأن والقيمة. فقد كان أبوه روفائيل بطي واحداً من أعمدة الصحافة العراقية في بدايات وأواسط القرن الماضي، حيث أسس أكثر من جريدة ومجلة، كان آخرها جريدة البلاد التي بقيت مستمرة لأكثر من ربع قرن. لذلك لم يكن غريباً أن يصبح أبنه الدكتور فائق بطي أصغر رئيس تحرير في الصحافة العراقية ذلك الوقت. ومع خط الصحافة الطويل والصعب، سار الفقيد فائق بطي أيضاً على خط النضال الوطني السياسي، الذي هو أشد صعوبة وخطورة من طريق الحرف دون أن يترك أحدهما، رغم السجون والمعتقلات والملاحقات، والمضايقات، والغربة التي لا ترحم، لاسيما وأن أبا رافد انتمى لنضالات الحزب الشيوعي العراقي  مبكراً جداً، فقارع الطغاة بقلمه دون هوادة، وكان من الطبيعي أن يتعرض لكل هذا الأذى، وهذه الويلات.

سأتوقف عند هذا الحد من حياة الفقيد بطي التي يعرفها الكثير من العراقيين في الداخل والخارج، وأتحدث عن مواقف هذا الرجل معي. خاصة وأن له ديناً في عنقي لن انساه. فيوم غادرت العراق الى عمان في وسط التسعينات، اتصلت به في لندن، على الرغم من أن علاقتي به لم تكن قوية، لكنني فكرت به دون غيره، ربما لأن جميع الأبواب كانت مغلقة بوجهي.

وحين رفع سماعة التلفون، وقال : تفضل ؟

قلت له: انا فالح حسون الدراجي..

فقال: منو .. فالحنه؟

وكم كانت فرحتي كبيرة حين سمعت ذلك.. فقلت له أتمنى أن أكون فالحكم سيدي.. ثم حكيت له ظروفي من طقطق حتى السلام عليكم..

فتفهم وضعي، وراح ينشر لي موضوعات في (رسالة العراق) التي كانت تصدر في الخارج.. وكان ذلك النشر باباً واسعاً لعودتي الى ما كنت أحب، وأريد، وأتمنى.

ولعل الشيء الأهم الذي كان لأبي رافد دور مهم فيه.. أن الاتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو منظمة ديمقراطية تقدمية تضم كوكبة من الشخصيات الديمقراطية العراقية المحترمة، أقام قبل خمسة عشر عاماً حفلاً تأبينياً في ديترويت بذكرى استشهاد البطل سلام عادل، وقد كان أبو رافد حاضراً الحفل، وأذكر إني ساهمت بقراءة قصيدة عن الشهيد سلام، أسمها (سلام الحب). وما أن انتهيت من القراءة وأخذت مكاني بين الحضور حيث كنت جالساً الى جانب الفنان الراحل فؤاد سالم، حتى وجدت الدكتور بطي يقف على رأسي وهو يقول: (أگلك فالح مادام الأخ فؤاد موجود، ليش ما تسَّوي هذي القصيدة أغنية، ويغنيها فؤاد ..؟

فوافقت على الفور، كما أعجبت الفكرة فؤاد أيضاً.. وفي ليلتها أنهيت كتابة النص، ليتحول مشروع الأغنية الواحدة عن سلام عادل الى شريط غنائي، يضم عشر أغنيات، عن عشرة شهداء وطنيين كبار، كتبت نصوصها جميعاً، وأداها فؤاد كلها بصوته الجميل ليظهر الشريط بعدها بإسم (شهداء الطريق)  لقد تحقق كل ذلك بفكرة الفقيد أبي رافد، ودعم وتمويل الاتحاد الديمقراطي.

سأظل أتذكر الدكتور فائق بطي كلما سمعت أغنية الشهيد سلام عادل، أو سمعت غيرها من أغنيات الشهداء الذين كتبت لأرواحهم هذا الشريط المؤثر.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 26-01-2016     عدد القراء :  2820       عدد التعليقات : 1

 
   
 

Guest

هكذا نموت واحدا بعد آخر في الغربة بعيدا عن الوطن وألأهل وألأصدقاء

أأوحش من ان يموت ألعظيم بعيدا عن ألأهل وألتربة
يهيل ألغريب عليه ألتراب وينعية حيفا صدى ألوحشة

سلاما وإجلال ووداعا لك يا أبا رافد
وتحياتي لفالح ألدراجي ذي القلب اليافع الحنون ألذي ما نسى العراق يوما
و يتذكر كل عراقي نبيل وطيب ويكتب عنه
دمت بافالح وأنت ألباقي وعمرك طويل

دكتور قحطان محبوب مندوي