الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
المؤتمر الثاني بعد الألف !

   لم أجد في نفسي حافزاً، ولا شعرتُ حتى بأدنى رغبة، لتلبية الدعوة التي وصلتني لحضور "المؤتمر الوطني لحماية التعايش السلمي وحظر الكراهية ومكافحة التطرّف والإرهاب" الذي عُقِد في بغداد أمس بدعوة من لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب.

   أول نصف ساعة من المؤتمر الذي نقلت وقائع افتتاحه فضائية العراقية، كان كفيلاً بأن أوجه الشكر لنفسي لأنني وجدت أن القرار الذي اتخذته لم يكن خاطئاً ولو بنسبة واحد بالمئة، فلو كنتُ قد حضرت للمتُ نفسي كثيراً على ارتكابي الخطأ. افتتاح المؤتمر جاء تماماً بالصورة التي شكّلتها له في ذهني. متصدّرو المؤتمر هم أنفسهم أجزاء من المشكلة الأكبر التي يواجهها مجتمعنا ودولتنا ..

   مشكلة التطرّف والكراهية والإرهاب والطائفية السياسية. مشهد الافتتاح تصدّره ممثلو القوى السياسية التي أغرقت البلاد منذ 2003 حتى الآن في لجّة التطرّف والطائفية وأتون الكراهية والإرهاب، وقذفوا بها الى وهدة الفساد والتخلف والجهل والفقر والبطالة.

   الكلام الذي قاله رئيس مجلس النواب ونائباه الأول والثاني وممثل رئيس الجمهورية وممثل رئيس الوزراء، لم يخرج قيد أنملة عن "الكلائش" التي ألفناها في ألف مؤتمر ومؤتمر عُقدت خلال الثلاث عشرة سنة الماضية، وكانت الحصة الأكبر فيها لمؤتمرات حملت عناوين: المصالحة والتعايش والتسامح والوحدة الوطنية والسلم الأهلي والعدالة .. وسوى ذلك.

   مثل تلك المؤتمرات، حفل مؤتمر أمس بالتمنيات والآمال والرجاءات والعبارات المنمّقة والمزوّقة التي لم يُحسن بعض قائليها حتى نطقها على نحو سليم من فرط عدم إيمانهم أو قناعتهم بها .. لم يتقدّم أحد منهم ليطرح أفكاراً جديدة من شأنها حماية التعايش السلمي وحظر الكراهية ومكافحة التطرّف والإرهاب. وما دام المؤتمر يعقد برعاية رسمية (إحدى لجان البرلمان) وتتصدّره كلمات ممثلي القوى النافذة في السلطة، فمن السذاجة بمكان توقّع أن تنبثق عنه فكرة جديدة مفيدة، والسبب لا يعود إلى عدم وجود الأفكار الجديدة المفيدة، وإنما يرجع الى أن هؤلاء الذين أُعطوا منبر المؤتمر ليسوا هم من يتعيّن التعويل عليهم في استنباط الأفكار الجديدة المفيدة. إنهم في الواقع يناهضون مثل هذه الأفكار، أو في الأقل غير مكترثين بها، ذلك أنها لا تصبّ في مصلحتهم ومصلحة أحزابهم المتسببة في كل هذا الصراع الضاري المُزعزع لأركان التعايش السلمي والمحرّض على الكراهية والتطرف والداعم موضوعياً للإرهاب.

   لكي يكون مجالاً رحباً للأفكار الجديدة المفيدة، كان يتعيّن أن يُعقد هذا المؤتمر بعيداً عن كل شبهة رسمية، وأن يقتصر حضوره على الشخصيات الاجتماعية والثقافية والأكاديمية المستقلة وممثلي المنظمات المدنية والقوى السياسية الوطنية المهمّشة، فهؤلاء وحدهم من كنّا سنسمع منهم الفكرة الوحيدة المفيدة، وهي أن حماية التعايش السلمي وحظر الكراهية ومكافحة التطرف والإرهاب وتكريس روح التسامح والعدالة والوحدة الوطنية، لن تكون ببقاء العملية السياسية الجارية على حالها، ولا بوجود الطبقة السياسية النافذة في السلطة الحالية .. هذه الطبقة هي المشكلة، ولا ينبغي التعويل عليها في الحلّ.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 08-02-2016     عدد القراء :  2334       عدد التعليقات : 0