الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
اعتراف أخيرٌ أمام الشهداء

لم تبقَ في البئر قطرة ماء، نغسل بها وجوهنا استحياء منكم أنتم رفاقنا الشهداء، فقد أكل الخراب كل شيء وليس في إخفاء الحقائق عنكم ما يستحق التبرير، فقد توضحت صورة بلادنا بكل معانيها حتى للذين لم يسمعوا باسمها سابقا، وبفضل الحسابات الاستراتيجية اتضح أننا في أخر السلم بالنسبة إليهم، لهذا فهم فرحون من أن هناك بلادا أكثر تخلفا من بلادهم.

استميحكم العذر رفاقي فأنا في تصنيف الشهداء لا أملك غير معيار الوطنية في التصنيف، لهذا فكل من قدم حياته من أجل هذا الوطن هو شهيد بالنسبة لي، أقول ذلك لأنني شيوعي وأقدر معنى الشهادة، مثلما أقدر معنى الشهادة من أجل المبادئ التي أمنو بها الشهداء.

لهذا اعترف أمامكم من أنني الشيوعي الذي عاهدت رفاقي أن أُدافع عن حلمهم في عراق جميل، تراني ألوذ بغبار الغربة نادبا حظ هذا الوطن الذي أبتلى بعقول القرون الوسطى، وياليت كانت تلك العقول بكل عفنها وبؤسها ورعونتها مدعاة نفورنا وتكلسنا وحسب، بل هي صارت تقود مفاصل حياتنا بجميع مكوناتها.

يمنعون الغناء والموسيقى لأنها تجعل الحياة شفافة ويمنعون الرسم والتمثيل لأنهما يجعلان الحياة أكثر رقة، ويمنعون الشعر لأنه ينمي الذائقة المجتمعية، فالشعر أداة التجديد الدائمة الخضرة، يبتغون من الشعر ما يجعل العقول في هلامية الضياع، ومن الموسيقى نواح وبكاء لا غير لماضٍ عقيم، ومن الرسم صورا لوجوه ما كانت يوما، وهم بهذا يزيفون كل معاني الحياة.

لقد أتيتم بكل نقاء أيام طفولتكم، ورسمتم الوطن على شغاف قلوبكم، رغم أنكم تعرفون جيدا أن الحياة تمنح مرة واحدة، ولكنكم أرخصتموها حبا بعيون وطنكم وشعبكم، حبا بمستقبل يبتسم فيه الأطفال وهم ذاهبون إلى مدارسهم، بمستقبل لا ترى فيه عيون الأمهات دموع الفراق ولا قلوبهن لوعة الموت المجاني، مستقبل تـُبنى للحب فيه أعشاش طيور على أعمدة الكهرباء وبين أغصان الأشجار وعلى سعف النخيل، رغم أنكم كنتم كثمرة جوز الهند صلبة من الخارج ولكنكم كنتم مثلها لينة ونقية البياض من الداخل.

أعترف أمامكم وبخجل يقتلني يا رفاقي الشهداء، أنا الشيوعي، من أنني لم أفلح في تحقيق أبسط أمنياتكم، ولم أوفق في ازدهار شتلات طموحاتكم، رغم ما بذلت من جهد (وهل حقا بذلت كل الجهد؟) أنا أتكلم عن نفسي وليس عن الأخريين، أنا أرى هكذا وليس كما يراه الأخرون، ربما سيتغير كل شيء، وربما تتحقق أحلامكم ولكن ليس في المستقبل المنظور، مادامت عقول التخلف ترسم هياكلا من الموت على كل جوانب الحياة في بلادنا، وما دامت كل برامجهم تتعلق في كيف؟ ومتى؟ وكم؟ سوف يسرقون.

أعترف أمامكم رفاقي الشهداء من أنني قد أخفقت، ولكنني أتشبث بآمالكم التي زرعتموها في نفوسنا. لعلها تتحقق في يوم ما.

  كتب بتأريخ :  السبت 13-02-2016     عدد القراء :  2634       عدد التعليقات : 0