الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ضياع مواطن في سيرة وطن!

كيف يمكن للمثقف أو الفنان أن يكون عضويا ؟ أي أن يكون فاعلا ومؤثرا في مجتمعه ومنتجا للوعي بمعناه الايجابي؟ بالضد من الحركات والتيارات، على مختلف انواعها، التي تحاول جهد الإمكان أن تسطح وعي المواطن وتجعل منه «مسخرة» يتندرون بها في مجالسهم، ويكيلون له التهم في اية مشكلة تصيب الوطن حتى لو كانت كوارث طبيعية!

اوردت هذه المقدمة مدخلا لمسرحية « ضياع» التي قدمتها الاسبوع الماضي فرقة مسرح بغداد، على مسرح الرافدين وبالتعاون مع دائرة السينما والمسرح، وهي من تأليف الشاعر عبد الرزاق الربيعي وإخراج علي حسين صالح..

« ضياع « مسرحية مونودراما شطرت الى شخصيتين من اجل اضفاء فعل درامي يشد المشاهد اليه وهو ما تحقق فعلا من خلال الأداء المتقن والجميل الذي قدمه الفنان طه المشهداني والفنانة المقتدرة ساهرة عويد .. وهما شخصيتان تنشطران على نفسيهما لتقدما لنا مجموعة شخصيات مختلفة تدور حول نفس الموضوع وهو ضياع المواطن في تاريخ هذا الوطن المثقل بالحروب والفاشية والدم!

تبدأ المسرحية من منتصف القصة! حيث يلقي شرطي بمواطن في زنزانة منفردة لأنه لم يكن يحمل أوراقه الثبوتية. ومن خلال الحوار الداخلي ( المونلوج ) لطه المشهداني والذي يجعله أحيانا حوارا مباشرا مع الجمهور محطما الجدار الرابع ولكي نعرف أنها لعبة مسرحية ليس الا، يتضح لنا بأن اسمه « مسخرة «، إذ أن والدته « ساهرة عويد» قررت أن تنذر لطفلها اسما يثير الضحك والسخرية اذا ما بقي على قيد الحياة. ولم تكتف بتسميته « مسخرة « بل لقنته دروسا في التواضع والتسامح وقبول الإهانة أياً كان مصدرها، من أخ له في الوطن والدين أم من رجل مسؤول ، وان يكون سببا في اضحاك وإمتاع الاخر، فقبض عليه وهو .يعمل راقصا بهلوانيا.

وقد سبق لـ « مسخرة « ان انخرط في الجيش لأداء الخدمة الإلزامية. وما أن تنشب الحرب حتى يجد نفسه منسحبا إلى الخطوط الخلفية مع قطعات عسكرية، فيحكم عليه آمر المعسكر الذي امر بالانسحاب بالاعدام لتخاذله! ويتهيأ ثلاثة من أقرب أصدقائه الجنود لتنفيذ حكم الإعدام به وهم كاكا ازاد وعمر وعلاوي، وفي هذا المشهد أكثر من دلالة على ما مر ويمر به الوطن من فتنة طائفية وتفرقة بين أبناء الوطن الواحد .

وحين ينتقل مسخرة إلى العالم الأخر( افتراضيا وليس حقيقة إذ أنها كانت أضغاث أحلام أو أشبه بالاغماءة)، يفاجأ بنفس طريقة الحساب والعذاب اللتين مورستا ضده في المعسكر!

واذ يفلت بقدرة قادر من الإعدام، يعود لمصيره المرتبط بمصير الوطن ويعيش حروبا أخرى أكثر عبثية وانفلاتا. ولكي يرتبط العرض المسرحي بالحاضر تاركا الماضي بكل غثه وغثيثه، نرى « مسخرة» في الأخير يحاول الهجرة هاربا من حاضر الوطن الممزق لينجو من غرق شمل المئات من الشباب ، ويعود إدراجه بعد ذلك لوطنه حين لم يستقبل من قبل الاخرين خارج الحدود كما كان يحلم.

المسرحية فيها الكثير من الدلالات وتتحمل الكثير من التأويلات رغم لغتها المباشرة، إلا أنها تلامس السهل الممتنع لتقدم لنا قراءة للواقع العراقي وتترك للمتلقي طرح الأسئلة والبحث عن إجاباتها!

هكذا تحول المواطن الى مسخرة في وطن سخر حاكموه ما أمكن من اساليب، من أجل سلبه وعيه ؟ فتشرد المواطن وتشرذم الوطن على أيادي السراق والافاقين والجهلة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-02-2016     عدد القراء :  3201       عدد التعليقات : 0