الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
العبادي أمام مفترق طرق.. مواقف الكتل من حكومة تكنوقراط باشتراطٍ \"التفافي\"..!

تباينت مواقف الأحزاب والكتل البرلمانية من دعوة العبادي لتشكيل حكومة تكنوقراط، لكنها بوجه عام أعربت عن التأييد للتوجه، والمباركة للجهد بقدر ما تسمح به "التقيّة المشروطة"في مثل هذه الحالة.

ولا بأس من إبداء تحفظاتٍ وطرح مساراتٍ آمنة سياسياً لمثل هذه الخطوة الانعطافية في الحياة السياسية،وهي انعطافة يُفترض فيها أن تتجاوز "أسّ" الخراب الذي حلّ بالبلاد، المتمثل في المحاصصة الطائفية وما رافقها من توافقاتٍ مُخلّة وتشوهات طاولت كل مرافق الدولة المُغَيّبة أصلاً، وأشاعت الفساد والكراهية والقتل على الهوية في مسامات المجتمع، لتصبح في المحصلة النهائية ثقافة سائدة، بعد أن تَكرّست بوصفها"وجهة نظر" يُحسَبُ لها الحساب.

أكثر هذه المواقف وضوحاً هو ما صدر عن المجلس الأعلى الإسلامي(له ٣ وزراء في الحكومة)الذي طالب بأن يشمل التغيير رئيس مجلس الوزراء أيضاً. وكانت وجهة نظر حزب الفضيلة (وزير واحد) ملفتاً بما طرحه من اشتراطات تنسجم بوجه عام مع مطالب مشروعة تتردد بين الأوساط الداعية لإصلاحٍ جذري، خصوصاً ما يتعلق منها بالتجنيد الإجباري وحصر السلاح بيد الدولة وتقنين عمل الفصائل المنضوية في الحشد الشعبي ومنع حمل السلاح في المدن، ومراعاة ضوابط الوطنية والمهنية والنزاهة والكفاءة في اختيار قيادات البلاد، وتعديل قانون الانتخابات،بعيداً عن المحاصصة،لكي يفرز تمثيلاً حقيقياً، وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات، بعيداً عن هيمنة الأحزاب، بمعونة من الأمم المتحدة،بالإضافة الى مطالب مشروعة غيرها.

ومن جانبه بادر السيد مقتدى الصدر الى طرح برنامجٍ إصلاحي حدد لتنفيذه سقفاً زمنياً ألزم العبادي به، وإلا سينزل الى الشارع مع أنصاره لفرض اصلاحاته.

السيد إياد علاوي طرح خارطة طريق لإصلاح العملية السياسية جذرياً للنأي بها مما يعتورها من جنوحٍ طائفي أفسد مساراتها، وأجهض إمكانية بناء عراقٍ ديمقراطي جديد حقاً.

وجاءت تصريحات حزب الدعوة بأجنحته المتعددة في إطار دولة القانون وأطراف أخرى لتتساوق بهذا القدر أو ذاك مع ما تضمنته مواقف الفضيلة والتيار الصدري والمجلس الأعلى.

إن قراءة متأنيةً للمواقف المذكورة، لا تنتهي الى استشفاف موقفٍ صريحٍ وواضحٍ يتبنى انهاء المحاصصة الطائفية وآلياتها، بوصفه جوهر ما يقتضيه الإصلاح، وما جرى تشخيصه كـ "داءٍ" لازمَ العملية السياسية منذ الإطاحة بالنظام السابق في نيسان العام ٢٠٠٣، وتسبب بهذا الانحدار والانحطاط السياسي والاستباحات المستمرة لحقوق العراقيين ودمائهم الزكية ومواردهم المنهوبة.والملفت أن جميع الفصائل المنضوية في العملية السياسية، وخصوصاً من المكون الشيعي، سبق لها ان عبرت عن إدانتها للطائفية ارتباطاً مع اشتداد عزلتها الجماهيرية وهي تواصل التنديد بها كـ"عيبٍ ونقيصةٍ"مما دفعها الى التخلي عن تسمياتها السابقة التي تُشم منها رائحة طائفية واختيار أسماء وشعارات لا تمت برابط مع ما سبق، في الانتخابات بدورتيها السابقتين،فاصبحت قائمة المجلس الاعلى "المواطن" بدلاً من "شهيد المحراب"، والدعوة اختار له "دولة القانون"، والصدر اختار " الأحرار". وعلى هذا المنوال جاءت تسميات قوائم ممثلي المكون السنّي.

لكن هذا التغيير، لم يغيّر ما في النفوس ولا صار عادة سياسية يومية، ولم يحقق نقلة سياسية في المناهج والمواقف والاصطفافات والانحيازات والتصويت في مجلسي النواب والوزراء.

كتب لي صديق، تعقيباً على ما ورد في افتتاحية الأمس: تقول ما فات الوقت بعد... والقوى المعادية للاصلاح جميعها تتحرك لإسقاط العبادي..!

لم يكن عندي ما أجيبه به إلا تساؤلاً مريراً: أترى يجب أن نرفع شعار:هبّوا ضحايا الاضطهاد...؟

لست مستعداً للمغامرة من جديد، والظهور بموقفٍ يرى في العبادي مخلّصاً يجب تمكينه ودعمه تحت أي ظرف باعتباره أداة إصلاح. وأنا اعرف أنه محاطٌ بكمٍّ من المحددات والتناقضات. وفوق ذلك يظل مشدوداً الى أصولٍ سياسية ليس بميسوره الانفكاك منها،وهو لا يدرك ان تردده وبقاء خياراته أسيرة دائرة مغلقة سيضعه خارج اللعبة السياسية. وليس هذا هو الأهم، بل هو ما سيؤدي اليه من فراغٍ سياسيٍ ومخاطر محيقة يصعب التكهن بنتائجها.

طوال السنوات العقيمة التي ارتبطت بحكومة السيد المالكي، ظللت أمنّي النفس بأن يخرج على الملأ، السيد عمار الحكيم أو السيد الصدر أو السيد الجعفري أو السيد العامري أو السيد النجيفي أو السيد المطلك أو السيد الجبوري - وانا حائرٌ أين أضع الدكتور علاوي كما هو حائرٌ مثلي - وسائر قادة الكتل السنيّة والشيعية ليُسمّي كل واحدٍ منهم فاسداً من آل بيته وحزبه وكتلته، لكي يمكننا أن نردد علناً:عراقنا بخير، وقادته جادّون في اصلاح ما افسدته الطائفية، وهو ما يجعلنا على ثقة وإيمان بأنهم جادّون في توجههم لإجراء الإصلاح والتغيير العابر للطائفية..!

وتظل كردستان مشمولة بهذه الدعوة، فليس ما تعانيه أقل مدعاةً للتساؤل والقلق وتحقيق الإصلاح ووحدة الصف، وما يُنتَظَر من انفراج للأزمة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-02-2016     عدد القراء :  2820       عدد التعليقات : 0