الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
عكاظ الإصلاحات

أشهر قليلة مرت على بدء رئاسة الوزراء بإطلاق حزم الاصلاحات الحكومية ، ولا طاولة تستطيع جمع تلك الحزم التي أطلقها رئيس الوزراء ورؤساء الكتل السياسية وما صرح به أعضاء مجلس النواب وآلاف من المقالات التي تأطرت بها الصحف اليومية وعشرات المقابلات عبر الفضائيات ، الكل يتحدث عن الاصلاح ، ولكن حتى اللحظة ؛ لاشعور جدى لدى الشعب بأن هناك تغييراً ملحوظاً في تحسين واقعهم الحياتي اليومي أو السياسي العام للبلد .

نشعر وكان هناك سوقاً كبيراً ، كسوق عكاظ قديماً يتبارى به الشعراء ، الكل يقترح ويطرق باب الحكومة بتلك الاصلاحات ، وكأن عمر العملية السياسية لدينا شهراً واحداً أو سنة واحدة أو أن الفساد قد نشأ وترعرع قبل يومين أـو أن المحاصصة الطائفية والفؤية لم يمض عليها سوى شهرين ، لتأتي إلإصلاحات التي من المؤمل أن تطلق قريباً لتجزّ عنا ما تحملناه خلال 13 عاماً من الفوضى السياسية والفساد ـ لا نعتقد أننا من الممكن أن نصحح ما خربته أيدينا خلال أكثر من عقد من الزمن بالاصلاحات ، فتغيير الوزير لايعني القضاء على الفساد ولا دمج الوزارات فذلك لا يدفع الى تحسين كفاءة الاداء الحكومي ، فتلك الكفاءة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بمجاميع العمل والمصانع والإدارات الوسطى والدنيا ، ومرتبطة بلجان المشتريات ، الحيتان الصغيرة ، والمنظومات الامنية فيها التي تجدها عند كل مؤسسة حكومية وتلك أكبر مشاكلنا التي يجب أن نحاول بجد كبير التخلص منها .

فخلال الأعوام السابقة كانت لنا نماذج كبيرة من الفساد والفاسدين تكفلت مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات العراقية بنشرها حتى أضحى الجميع يؤمن بأننا نعيش في بيئة فاسدة في كل شيء ، تلوث بيئي وتلوث نفسي وبصري وتلوث بالفساد الاداري والمالي حتى نشأت زمر ممن يقتد بالفاسدين في فسادهم ، ساعد في ذلك ضعف الموارد المالية وارتفاع معدلات التضخم في العراق ، بل أن عدم محاكمة الفاسدين ومعرفة مصيرهم من قبل أبناء شعبنا رسم صورة خاطئة بأن الفاسدين يفلتون دائماً من العقاب ، فمن يسرق ملياراً يفلت من العقاب فلماذا لايسرق هو مليون !

النماذج من الفاسدين من وزراء ومدراء عامين قدر عددهم 18 وزيراً و 100 مدير عام قد أحيلوا للقضاء حسب ما كشفه مستشار رئيس الوزراء السيد علي الحلي ونشرته صحيفة البينة الجديدة في عددها الصادر اليوم في " أن هيئة النزاهة تعاملت مع 15 ألف ملف فساد" . وهؤلاء هم النماذج وبسكوتنا عنهم قدمناهم نماذج لضعاف النفوس وحفزنا في نفوس موظفي الدولة هاجس السرقة . يزيد على ذلك أن المحاصصة السياسية خلال أكثر من عقد من الزمن لم تجلب للعراق سوى تركيبة غريبة معقدة من الازمات الاقتصادية والنفسية والأمنية ، من خلال دفعها بنماذج قيادية تربعت على قمة الاهرم الإداري لمؤسسات الدولة من وزارات ، تميزت بقلة الخبرة في الادارة وضعف الرؤية وفقدان التخصص وهذا ما دفع بالادارات الوسطى والدنيا الى استغلال نقاط الضعف تلك ليشمل الفساد مساحات أوسع وبأستمرار تتطور رقعة الفساد السوداء وتتعاظم عصاباته ولتصل الى مرتبة العصابات المنظمة ، المافيات ، حين صرح وزير النفط السيد عادل عبد المهدي وفي حديث له خلال ندوة اقامها معهد التقدم للسياسات الانمائية بشأن واقع السياسة المالية جاء فيه إن "هناك شبكات داخلية يمكن أن نشبهها بشكل تقريبي بالانظمة المافيوية تتدخل في جميع القطاعات في العراق من بينها قطاع النفط”.

ليست النفط وحدها من تعاني تلك العصابات بل أن كل مؤسسة حكومية مهما كان تخصصها تعاني وبقسوة من وطأة تلك العصابات وبمراجعة شاملة لعمل تلك المؤسسات والوزارات نرى أنها أنقضّت خلال  سنوات على مئآت المليارات من الدولارات من عائدات النفط العراقي ، وبنتيجة مانراه اليوم من تراجع في الخدمات وأزمة إقتصادية خانقة تستهدف الجميع وتستثني الفاسدين طبعاً.

الإصلاح الحقيقي الذي نتوقع نجاحه هو بالتغيير الشامل والفوري للإدارات الوسطى والدنيا والبحث في نفقات المؤسسات ومدى نجاحها في تقديم الخدمة العامة ومقايسته مع إنفاقها مع تدوير أعداد هائلة من الموظفين ودفعهم الى الدوائر التي تعاني من حاجتها للعمالة الإضافية لغرض إعادة هيكلتها بما يزيد من مواردها البشرية.  نحتاج لمن يضع رؤية حقيقية بعيداً عن السياسة فالكابينات الوزارية المتعاقبة قد فشلت في نقلنا الى واقع أحسن في وقت كانت اسعار النفط فيه أضعاف ماهي عليه اليوم ، فكيف الحال اليوم  مع تدني تلك الاسعار.

يجب على الجميع أن الاصلاح المطلوب يستهدف المواطن العراقي بكل شرائحه وكل مؤسسة حكومية تقع عليها مسؤولية تعظيم الموارد الحكومية وأن يندفع مدرائها للتفكير الجدي في هذا الامر ونخص بالذكر المؤسسات والمصانع التي من الممكن أن تجبي ضرائب حكومية عليها أن تحسن من خدمتها لتتكافىء مع الزيادات في تلك الضرائب ، فزيادة في الضرائب بدون تحسن الخدمات يتسبب في فقداننا لأهم عنصر داعم للصلاحات وهو المواطن ، وبصورة عامة وعلى أقل تقدير فأن المؤسسات الحكومية عليها توفير رواتب موظفيها أو جزءاً منها لتساهم في تقليل الضغط على الموازنة ، هذا هو الاصلاح الحقيقي المطلوب ، فالمواجهة مع المحاصصة السياسية أمر صعب لا أعتقد أنه السبيل الامثل في وضعنا المأزوم الذي سيزداد  تعقيداً ، كذلك نحن بحاجة الى فضاء لا تحكمه أوبئة الإرهاب والفساد .. بحاجة الى مساحة واسعة من التفاهمات السياسية وبحاجة الى تعميق مفهوم المصالحة الوطنية التي تعتبر خيارنا الاخير لتحسين واقعنا هذا والخروج من النفق الذي أدخلتنا به المحاصصة .. الذي نعتقد أن لا نهاية واضحة له .

zzubaidi@gmail.com

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 17-02-2016     عدد القراء :  2301       عدد التعليقات : 0