الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
خيارات الإصلاح و

يستمر التصعيد في الخطاب السياسي بين أطراف العملية السياسية، ليتّخذ طابعاً اتهامياً مبطّناً أو سافراً. ويذهب  بعضها الى التهديد بـ"كسر" التوازن الهشّ في ما بين الفرقاء المتحالفين بقوة الشارع، أو بفرض الأمر الواقع في كل الأحوال .

ومن حسن حظ العراقيين، أو سوئه، أنّ الانقلاب العسكري ليس ممكناً، لا لأنّ الطامعين منزّهون عن ركوب دبابات العساكر، بل لأنّ للكل قسمة يراها "ضيزى" في القوات المسلحة، ولأن التنظيمات المسلحة خارجها، تتوزعها الولاءات الحزبية وتتنازعها انحيازاتٌ غير قابلة للانضباط بسبب طبيعتها والمفهوم الذي تأسست على قاعدته.

ويُحار المواطن غير الملوّث بفساد السلطة، أو الضالع في ممارساتها وخفاياها، من مظاهر هذا الصراع الدائر بين قوى التحالف الوطني قبل غيرها، فهي مجتمعة ومنفردة معنية بإدارة الدولة بكل مفاصلها الأساسية ومتشاركة في قيادة  السلطة السياسية، من خلال الوزارات الخدمية والسيادية وأوجه السيطرة الأخرى. وأوجه الحيرة لا تقتصر على ذلك فحسب، بل تندرج في مضامين هذا الذي يجري، إذا ما عُرف أنها من دون استثناء، تعلن دعمها للإصلاح والتغيير، وتطالب باتخاذ ما يلزم لتحويل العملية الى الواقع، بعيداً عن الوعود والتسويف. كما أنها جميعاً تندد بالفساد والمفسدين، وترى في إهمال الكشف عن ملفاتهما "نوعاً من التواطؤ" غير المبرر . ولا تختلف في الموقف من وضع السلاح بيد الدولة وتجريد المنظمات المسلحة من وسائل وأدوات الدولة واستخدامها، حتى من قبل الحشد الشعبي، بعيداً عن خطوط المواجهة مع داعش، والتواجد في المدن  من دون مبرراتٍ عسكرية مرسومة من القيادة العامة للقوات المسلحة. وهي تبدو متفقة - في وسائل الإعلام - على غير ذلك من الضوابط التي يطالب بها المواطنون، مما لا يتفق مع الدستور والقوانين .

وفيمَ إذاً الاختلاف، كما يتساءل المواطنون ..

إذا كان الأمر على علاقة بالمديات المطلوبة للإصلاح أو بالسياقات الدستورية غير المعرقلة أو باعتماد الوسائل والأساليب الأكثر قدرة على تطبيقٍ الإصلاح بالصيغ العابرة للطوائف ومحاصصاتها، فذلك ممكن بطرح تصورات برنامجية واضحة وملموسة  من دون التخفّي وراء ادعاءاتٍ ودوافع غامضة، مبطّنة، مبهمة، لا يفك خطوطها غير أصحاب الشفاعات من بين وأضعي ألغازها لا غيرهم ..

وقد يكون بعض الاختلاف متأتياً من الاعتراض على محاولة الانفراد بوجهة الإصلاح والتعبير عنه ، سواءً من موقع السلطة متمثلاً برئيس مجلس الوزراء ، أو باعتماد قوة الشارع وتجيير إرادته ، مقصوداً بذلك السيد مقتدى الصدر وتياره .. لكنه اختلافٌ غير "تناحري" من وجهة فلسفة السياسة، لأنه قابل للتسوية بالتفاعل وتبادل الرأي على أرضية الاتفاق على عملية الإصلاح وتدابيرها. وما دام الفرقاء تجمعهم الرغبة وليس خلافها في دعم الإصلاح وتجاوز منظومة المحاصصة الطائفية، فإن لكلٍ منها الحق بفعل ما قام به السيد مقتدى وتياره، سواءً بالخروج الى الشارع بانضباطٍ تحت العلم العراقي والالتزام بشعار وطني داعمٍ للإصلاح وضد الطائفية، أو بتشكيل لجان استشارية من التكنوقراط  وفقاً لمفهومها، او المناصرين من تحت عباءة المعمّمين أو أولي الأمر من الحزب المقصود، تقدم للجهة راعية المشورة أو قوائم بأسماء من تراهم الأجدر في تولّي المناصب الوزارية، من  دون فرض وصاية أو احتكار الحق في فرض إرادة على وجهة للإصلاح وتفاصيلها. فمثل هذا النشاط هو تكريسٌ لخطّ الإصلاح ودعمٌ لمسيرته وتقويمٌ لها. ويظلّ بعد ذلك التحفّظ على محاولة تطويع قوة الشارع، كما يتهامس البعض اعتراضاً على ما يلوّح به السيد الصدر، من اقتحام المنطقة الخضراء،  من دون أن يقصد المعنى الذي يذهب إليه الهامسون، أو التأكيد على الدور المقرر للجنة التي شكلها في تحديد وجهة الحكومة الموصوفة بالتكنوقراط  من دون أن يظهر توصيفها حتى الآن. فمثل هذه اللجان أيّاً كانت مرجعيتها لا يمكن أن تخرج عن دائرة مرجعيتها. ولا داعٍ للقلق منها، سواءً بالنسبة للسيد العبادي أو الأحزاب الأخرى . وكلما ازداد التشاور أو اللجان المتنوعة المشارب أمكن التوصل الى نتائج  أفضل، رغم قول الرسول الكريم : "إذا أراد الله بقومٍ سوءاً منحهم الجدل ومنعهم من العمل" .!

خلافاً لما يقلق منه البعض، فإن دولتنا ليست "عميقة " ، وإنما "ضحلة"، وليست حتى شبه دولة بعد . فالدولة العميقة في محيطنا العربي والإقليمي لا تتعدى ثلاث دولٍ، هي مصر وإيران وتركيا. وما حال  دون استكمال بناء العراق " الجديد "  على أسسٍ ومواصفات دولة معاصرة، لتُصبح بعد بضعة قرون دولة عميقة،  هو استقواء قوى الطائفية السياسية وأرباب المحاصصة بمواقعها وتشبثها بالمنظومة والهيكلية التي تتناقض جوهرياً مع متطلباتها ...

ليس مما يستدعي القلق، توجّه تيار السيد الصدر الى الشارع وتعبئة الجمهور، ولا اللجنة الاستشارية التي ستنتهي الى تقديم المشورة له وتضعها تحت تصرفه، بل القلق الحقيقي يتأتى من تقاعس القوى الأخرى من الانطلاق مما هو إيجابيٌ في مبادرته لتقديم أركان من قيادته المشتبه بهم بالضلوع في الفساد الى التحقيق. وكذلك من تحريضه الجموع المناصرة له للخروج الى الشارع والإفصاح عن إرادتها بالدعوة الى الإصلاح وإنهاء منظومات الفساد والمحاصصة الطائفية التي تشكّل منصتها وراعيتها وخيمتها.

ولابد من إثارة قلقٍ حقيقي من الأخطار التي تتأتى من تهديدات داعش بالتسلل إلى المناطق الرخوة في العاصمة بغداد وسواها من المدن والقصبات، والتمدّد إليها من بين الفراغات التي قد تتسبب بها الخلافات والتجاذبات، في إطار قلقٍ من خطر "طوب أبو خزامة " بدلاً من انتحاريّي داعش وتفجيراتهم وسط حشود المواطنين العُزّل الأبرياء، وفي الأحياء الفقيرة المُعدمة والمُهمّشة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 01-03-2016     عدد القراء :  2544       عدد التعليقات : 0