الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التحالف الوطني يضع العبادي أمام خيارين :إمّا الالتزام بآلية المحاصصة أو الرحيل ..!

عليَّ أن أكون واضحاً، مكشوفاً هذه المرة في تأكيد حيثيات موقفي من عملية الإصلاح المطروحة، ومن موقف مختلف الأطراف منها، خشية الوقوع في المحذور والسقوط في شباك الالتباسات والإسقاطات وسوء النوايا. وقد وقعتُ ضحية مثل هذا حين تعاملتُ، رغم كل ما كان ممكناً إيضاحه، عشية تشكيل حكومة السيد نوري المالكي في ولايته الثانية.

خياري هو الانحياز إلى الإصلاح والخروج من مأزق المحاصصة الطائفية. ولن أتردد بالقول إنّ هذه الصيغة وما يرتبط بها من منظومة سياسية متحكمة بجميع مفاصل الدولة "اللا دولة" والعملية السياسية "منتهية الصلاحية" هي في أساس ما تعرّض له العراق الجديد، وفشل بناء تجربة دولة وطنية مدنية ديمقراطية تضع في اعتبارها الأول المواطنة الحرة والخيار المفتوح للتطور السياسي والاجتماعي - الاقتصادي. لكنني إذ أتحرر من أي تحفظٍ على هذا الخيار الكفيل بإعادة العافية الى البلاد، وضخ الأمل المبدد في نفوس العراقيين، أجدني واثقاً من أن كل قوى العملية السياسية وقادتها ليسوا في وارد إنجاح هذه العملية. وليس للثقة هنا علاقة بالنوايا، فطريق جهنم كما يؤكد المؤمنون قبل ضعيفي الإيمان مزدحمٌ بالنوايا الحسنة. كما ليس لفقدان الثقة هذا علاقة بمحاولة التشكيك بسويّة القوى المعنية أو التعريض بوطنيتها، أو الرغبة بإقصائها والحط من مكانتها ودورها ، فليس لمثل هذا الموقف دلالة على احترام الذات أو القبول بالآخر، كما هو عليه، والتقييم الموضوعي للظاهرات السياسية والاجتماعية، وتنوع تعبيراتها، والتفاعل مع الاختلاف كأحد تجليات التنوع والتعددية.

لكنّ غياب الثقة بقدرة قوى العملية السياسية، وقبل القدرة استعدادها لتجاوز منظومتها الفكرية والسياسية ، والانتقال من المحاصصة الطائفية الى مشارف منظومة سياسية عابرة للطائفية وقيمها ، يشكل تضادّاً غير قابلٍ للتسوية مع مصالحها الفئوية وتطلعاتها، ويجردها مما هي فيه من مغانم السلطة ومكاسبها المادية والمعنوية. وأي تبرير آخر يظل ضعيفاً لا يُبنى عليه. ومن ذلك ما يقال بأن المنظومة التحاصصية هي ضامنة حقوق "الأغلبية الشيعية" من العودة بها الى ما كانت عليه من تهميشٍ وإقصاءٍ واضطهادٍ وحرمانٍ من أي شعيرة أو طقوسٍ دينية مذهبية.! ورد هذا البهتان يكفيه التأكيد على ما تقول به من "أغلبية " لأن هذا يعني بوضوح أنها تستطيع الحصول على الأغلبية في أي انتخابات برلمانية أو سواها. وبهذا المعنى فهي بمثل هذه الإرادة تستطيع أن يكون لها الموقع المتنفذ في الدولة وسلطتها السياسية، وليس بإمكان قوة غاشمة تجريدها من حرية الاختيار والقرار. لكن جميع أطراف الإسلام السياسي الشيعي والسني أيضاً، يرون في التمثيل "الطائفي" ما يعني بلا مواربة تمثيل أحزابهم وتنظيماتهم وقياداتهم. وهم على حدٍ سواء لا يعترفون بالشيعي أو السني غير المنتمي لهم، حتى إذا كان شديد الورع والإيمان والتقوى بالجدارة في تمثيل الطائفة أو الدفاع عن مظلوميتها.! فكيف اذا كان شيعياً "مدنياً" إيمانه على قدر ما يراه من علاقة بربّه، أو علمانياً غير ملحد، لأن دعاة الإسلام السياسي يستمدون سلطتهم من احتكارهم للقداسة التي يعبر عنها الدين، ويتلفعون بكل ما تمكنهم هذه السلطة من تكفير الآخر أو تسفيهه، وينشرون ثقافة التحريم و"التابوات" التي تصل أحيانا الى قطع الرقاب وفصل الأزواج وإبادة الآخر.

إذن لا شفاعة في الجمع بين المواطنة والانتماء الى الطائفة إلا تحت عباءة حزب إسلام سياسي . وهنا يأتي التعارض بين "طوائف" الطائفة الواحدة أو تياراتها المتصارعة، المتشبثة، كل من منصة مرجعيتها أو ولاءاتها ودستورها السياسي وتطلعها للجمع بين السلطة السياسية والجاه والمال لإخضاع ما تيسر لها من شرائح الطائفة. وقد ينفع استرجاع مرارات هذا الحصاد الطائفي من أيام المعارضة حيث فرخت الطائفية السياسية منظماتٍ وأحزاباً على أساس المدينة! وأذكر انني حاورت صديقاً شيخاً معمماً يحتل موقعا سياسياً مرموقاً حول ما ذكرته من اعتماد المواطنة والديمقراطية السياسية الكفيلة بضمان حقوق الشيعة في أي برلمانٍ أو حكومة وممانعتهم لأي إجراء تحريمي بأي مستوى للحقوق والشعائر المذهبية، فأجابني دون تردد: وماذا سيكون حالنا إذا فاز حميد مجيد موسى؟!

لا أشك في أن بين أحزاب وشخصيات التحالف الوطني وكوادره من هم أحرص مني على استنهاض العراق وإخراجه من كبوته وأزماته، وعلى قدرٍ من العبور الآمن من مأزق هذه المنظومة الطائفية المتخلفة . ويقيني أن العبادي على قدر ما تلمسته منه مباشرة وما عبر عنه، يسعى للبحث عن مخرج، وهو عارفٌ بحكم المعايشة أن صيغة الحكم الراهن ليست مخرجاً. لكنني أتساءل: هل هو قادرٌ على تفكيك منظومة العلاقات التي تحيط به وتتحكم بقراراته؟  ثم أليس ممكناً عبور الصيغة المعرقلة باستخدام صلاحياته بتصفية المواقع المحاصصية من أسفل سلالم الدولة قبل الشروع بالتعديل الوزاري لكي يختبر أمام الملأ ماذا ستكون عليه مواقف الكتل والأحزاب في البرلمان؟

على أنصار الإصلاح في الشارع وفي المجتمع وبين السياسيين الطامحين لإعادة بناء ما بقي لهم من وطن أن يكونوا على بيّنة من أن القادة المهيمنين على تقرير وجهة البلد ليسوا راغبين ولو بالحدود الدنيا، إلا اذا كان شكلياً لا يمس جوهر المنظومة، في إمرار الإصلاح.

لا يحتاج التوثق من هذا بكشف مستورٍ وإماطة اللثام عن أسرار ما دار في اجتماع التحالف الوطني أو مكوناته، لأن قراءة ما بين سطور الأطراف المذكورة كافية للكشف عن هذا المستور!

المواقف المتضاربة للقوى لا تخرج من أحد خيارين: القبول بالتشاور والركون الى قرار قوى التحالف، أي إعطاء كل ذي حقٍ حقه، أو استقالة الحكومة بقضّها وقضيضها.

قال أعمىً  في قريةٍ نائيةٍ انتشر فيها وباءٌ يأتي على الماشية وهو يخاطب ولي القرية الشيخ: لديّ حمار وثور وأنا أحتاج الثور، أرجوك أيها الولي الشيخ أن تطلب اذا كان فرضاً أن يموت الحمار وليس الثور. فوجئ الأعمى في الصباح بان الثور هو الذي مات، فما كان منه إلا أن يذهب الى الشيخ ويقتاده الى الحظيرة مخاطباً إياه: أليس هذا حماراً ؟ قال بلى، أوليس هذا الميت ثوري؟ قال بلى، فقال له : ليعمك من بيده الأرواح ، كيف لي أنا الأعمى أن أفرق بينهما وأنت الذي تدعي القرب من الله ولا تعرف؟!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 02-03-2016     عدد القراء :  2733       عدد التعليقات : 0