الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تساؤلات حول خطاب التصعيد وهدف التظاهرات النهائي

شكّل دخول السيد مقتدى الصدر على خط التظاهرات المدنية المطالبة بالإصلاح منذ أشهر، تطوراً إيجابياً بقدر ما أضفاه عليها من زخمٍ جماهيري بانضمام كوادر ومريدي التيار الصدري. وكان واضحاً منذ الجمعة الأولى للتظاهرة بتركيبتها الصدرية - المدنية وانتقال مسؤولية الإشراف على تنظيمها وضبط شعاراتها وحمايتها، أنها ستتخذ لها مجرىً آخر، وقد تشهد تصعيداً واندفاعاً وخرقاً للسياقات التي شهدها الصراع داخل العملية السياسية وبين مكونات التحالف الشيعي بوجه خاص.

كما صار ملموساً أنّ وجهة التظاهرات والأساليب التي ستعتمدها في فرض أمرٍ واقعٍ سياسي سيحددها السيد مقتدى الصدر شخصياً بوسائل وأدوات تياره وما يحرّكها من قوىً في الشارع. وهذا حقٌ له ولتياره، ما دام يشكل القوة المحركة المهيمنة، وليس هذا خارج المألوف في ظل الصراعات السياسية في العالم الثالث المتخلّف وما تفرضه من توازن للقوى. ولن يكون للحراك المدني أو أي قوى أخرى قد تلتحق لاحقاً أي تأثير في ضبط وجهة ما يمكن أن يقود الى التصعيد أو القرارات التي تفرضها التطورات اللاحقة.

إنّ غياب الدولة، أو شبه الدولة، ووقوع المجتمع في أسر دولة فاشلة بامتياز، يضفي طابعه الخاص غير المنضبط بآليات الدولة، ويشكل تهديداً لأمن المجتمع وسلامته، حتى حينما يبدو أي حراكٍ يستنهضه أداةً ووسيلةً وحاملاً للتعويض عن غياب الدولة أو سعياً لتحريك آليات إعادة بنائه وتفعيل تصدّع بقاياه. ودولتنا الفاشلة تعبّر عن نفسها على كل صعيد وفي كل ميدانٍ يجسد مظهراً من مظاهر وجودها، لكنّ امتيازها يجد تعبيره في الكيانات الهشّة التي تدّعي تمثيل حضور الدولة، وتمارس من خلال منظوماتٍ مترابطة سلطتها. ويشكّل جوهر هذه المنظومة، العملية السياسية منتهية الصلاحية منذ إطلاقها على أساس المحاصصة الطائفية والتوافق السياسي المختلّ. وتتفرع منها السلطات الثلاث المصابة بالشلل النصفي والتأتأة، تعوّمها وتتداخل معها منظومات الفساد الإداري والمالي المتصاهرة مع بيروقراطية الجهاز الحكومي المترهّل والسلطة السياسية المتواطئة معها عبر شبكة علاقات المصالح المتبادلة. ورغم أنّ ما بلغته الأوضاع من تردٍّ وانحدارٍ غير قابلٍ للتوصيف لرثاثتها أكد هذا الواقع، فإن التأكيد القاطع على غياب الدولة وفشلها، يجد انعكاسه من دون افتراضات في ما يجري اليوم من صراع في الشارع المطالب بالإصلاح، وجدلٍ مخاتلٍ في كواليس التحالفات الحاكمة يقاوم، وفوضى في المواقف والإرادات والتجاذبات داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتردُّدٍ يقيّد السلطة القضائية بحكم ذلك كله.

وكان من الممكن أن تنتج أول من أمس عن هذا الغياب تداعيات أمنية وسياسية لا أحد يستطيع التكهّن بما ستؤول إليه، بعد أن استنفرت قوات سرايا السلام التابعة للتيار الصدري ارتباطاً بموقفٍ للأجهزة الأمنية قيل إنه يتعلق بإبعاد التظاهرة عن بوابة المنطقة الخضراء. وقد يؤدي أي موقفٍ حكومي أو خلافه على الضدّ مما يقرره السيد الصدر الى عواقب وخيمة يصعب التكهن بها، وهذا ما لم يستبعده الشيخ صلاح العبيدي الناطق باسمه رداً على محاوره في برنامج " ناس وحكومة " الذي يقدّمه الزميل حامد السيد من قناة المدى، إذ استرجع موقفاً للشهيد الصدر رافضاً ومتحدّياً لقرار صدام حسين بمنع مسيرة حسينية!

ضَمِنَ الدستور في ديباجته ومواده حق التظاهر والتعبير عن الرأي والمعتقد بكل الوسائل الديمقراطية المتاحة، رغم ان هذا الحق ليس متاحاً للجميع على مستوى واحدٍ، فما أتيح لقوى التحالف الوطني إبان حكومتي المالكي وللتيار الصدري هذه الأيام يصعب التمتع بمزاياه من قبل التيار المدني أو سواه من القوى القابلة بالوضع الراهن. وهذا ما تقوم على أساسه التظاهرات التي يحرّكها اليوم التيار الصدري، بمشاركة قوى مدنية يجمعها مع التيار هدف الإصلاح العابر للطائفية ومحاصصتها ومنظومتها الفاسدة، لكن ثمة تساؤل مشروع حول الوجهة التصعيدية التي قد تتخذها التظاهرات، وما يمكن أن تؤدي إليه من مواجهات ونتائج سياسية، من دون أن يكون للمتظاهرين دورٌ في صياغتها.

ومن المنطقي طرح تساؤلاتٍ في ذات السياق على قيادة التيار الصدري حول ما تنويه وتريد له أن يكون في مواجهة الاستعصاءات التي تواجه البرنامج الإصلاحي للتيار. والتساؤلات لا تتعلق بالموقف الجوهري من الإصلاح العابر للطائفية، ولا بالرغبة في المطالبة بحكومة كفاءات أو تكنوقراط، وإنما بالأساليب المعتمدة في تحقيقها. ويبدو من كلّ ما جرى حتى الآن أنّ التيار يريد الانفراد في فرض وجهة نظره بكل ما تقتضيه من تفاصيل، وقد يواجه من يتفق مع قيادته في المضمون ويختلف معها في التفاصيل والأساليب والوسائل نقمةً وتعريضاً واستهدافاً.

إن قوى الإصلاح، فرادى وجموعاً، صارت في مواجهة انفرادين في القرار، انفرادٌ يعتمد قوة نفوذ حزبي في الشارع يحمل مشروعاً للإصلاح، وانفراد من مواقع السلطة وتحالفها السياسي، يسوّف أيّ تدبيرٍ أو سعيٍ من رئيس مجلس وزرائه للمضي في الإصلاح. واللّافت أنّ كلا الطرفين يجد أن من حقه "إهمال" رأي الآخر أو التفاعل معه، فالتيار شكّل لجنة استشارية على مقاس مستشاريه يريد لها أن تختار الكابينة الوزارية وتُلزم رئيس الوزراء وكل العراقيين بها! والسيد العبادي الذي يعمل على تشكيل كابينة وزارية من التكنوقراط، لم يُفصح حتى الآن عن مفهومه للتكنوقراط وتوصيفه للكابينة التي يروم تشكيلها. وهو إذ يحتاج الى دعم قوى الإصلاح والرأي العام ليس مستعدّاً حتى الآن للتوجّه الى قطاعاتها والتشاور معها، أو على الأقل وضعها في صورة ما يقرّر ..!

ويظل من بين أكثر التساؤلات إثارة للقلق: ما الذي يريده السيد الصدر، وهو يحمل همَّ التغيير الطموح، من دخول المنطقة الخصراء أو الحمراء؟

- أهو إسقاط الحكومة، وفرض حكومة بديلة تكتسب شرعيتها من إرادة تيّاره فحسب …؟

- أم وضع البرلمان أمام خيار القبول بما يطرحه من بديل أو مواجهة الشعب، وأين تكون هذه المواجهة؛ في الشارع أم عبر الدعوة لانتخابات مبكّرة ..؟

- وما الذي يكون عليه الموقف، إذا واجهته القوات المسلحة والتنظيمات المسلحة التابعة لمخالفيه من التحالف الوطني ؟

- وماذا سنواجه إذا انهارت المنظومة الأمنية والعسكرية، على ما هي عليه من ولاءاتٍ وتفكّك، هل سنواجه فراغاً تسدّه قوات سرايا السلام ...؟

هذه تساؤلات تُثير قلق مَنْ لم يتردّد عن الدعوة للإصلاح وتصفية منظومة المحاصصة والقتل على الهوية وبناء دولة مدنية حضارية قوامها القانون والحريات والمؤسسات وكفالتها الضامنة الديمقراطية المبنيّة على المواطنة الحرّة المتساوية.

  كتب بتأريخ :  الأحد 06-03-2016     عدد القراء :  2958       عدد التعليقات : 0