الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الإصلاح.. تنـازع الإرادات وإمكانيّة العبـــور

لا انبعاث لدخانٍ أبيض إشارة لبدء عملية إصلاحٍ يترقّبها الناس، ولا وضوحٍ للمواقف المتضاربة حول طبيعة هذا الإصلاح الذي صار طلسماً لكثرة تداول ما ينبغي أن يكون عليه. وتكاد الإرادات التي تتنازعها قوىً وإملاءات أن تجعل من هذه العملية كُرةً تتقاذفها رياحٌ تشيلها إلى خارج ملاعب المتبارين في عملية سياسية يُقرّ كلّ طرفٍ فيها بأنها باتت "منتهية الصلاحية".

الطرف الوحيد، صاحب المصلحة الحقيقية بالإصلاح، مُغيَّبٌ عن كواليس الصراع والتنافر بين الإرادات المتحكمة في وجهة حركة الإصلاح وفي مساراته، ممكنة التحقيق، وفيما إذا كان يستجيب لتطلعات العراقيين الذين بات اليأس قاب قوسين أو أدنى من تشوّفاتهم المكبوتة.

وكان واضحاً استحالة اعتماد منظومة الحكم الراهنة وآلياتها في إزاحة الطائفية السياسية، لمن تجنّب المغالاة في أوهامه، وتنبّه لخطر انعكاسها وتداعياتها السلبية على وعي المتظاهرين وطاقتهم في التواصل والإصرار. لكنَّ "وهماً مؤدلجاً" معزولاً عن الشروط الموضوعية وحركة الواقع وصراع الأضداد، يظلّ يُلقي بظلاله على المشهد السياسي، عبر تعاملٍ مخلٍّ مع مكوناته، وانسياقٍ لنزوعٍ ذاتي بإسقاط مظاهر ثانوية على ما هو جوهري في تحولاتٍ شكلية تجري بين "الإخوة المتخاصمين" في العملية السياسية، في الشارع وفي كواليس التحالف الوطني ومكاتب مستشاري رئيس مجلس الوزراء.

إنّ الأمل يظلّ " مضادّاً " حيويّاً بالغ التأثير في سيرورة التطور التاريخي وفي تكوّن المجتمعات البشرية ونضوجها وتبلور قسماتها الحضارية. لكنّ الأمل لا يتشكل معزولاً عن حركة الواقع، ولا يصبح دافعاً للارتقاء بمعزل عن شروطٍ وعوامل موضوعية. كما أنه إذ يشكل حاملاً إيجابياً للعامل الذاتي ودوره في التطور، يتحول إلى " مُنشّطٍ " جرثومي إذا لم يتفاعل مع الشروط الموضوعية المترابطة في لحظة التفاعل والتكامل، وإذا لم يلتقط ماهو ناضجٍ منها، وإذا لم يحدد الحلقة الأساسية في سلسلة سيرورتها.

إنّ دفقات الأمل المنتشي والمعزول، من شأنها أن تُغري بـ "حرق المراحل"، والاندفاع في اتجاه مغامر من دون إدراك أو تهيّب لما قد تنتهي إليه. وعندها سيشكّل ، إسقاطاً غير محسوب العواقب على حالتنا الراهنة، واحتمال الاستدراك في لحظة وعيٍ عابر يستعصي فيه الأمل كمنصّة استنهاضٍ وحراكٍ وتطور، وقد يتحول إلى عامل إحباطٍ مضاعف بين صفوف دعاة الإصلاح "الجذري" العابر للطائفية والمحاصصة التوافقية، ويتعذر التقاط رؤوس الفساد من مجرشتها الطاحنة لثروات البلاد ومستقبلها!

خلال الأيام الماضية، ظهر جليّاً أنّ الإرادات المتصارعة في التحالف الوطني تحديداً، هي المقرر الأساس لوجهة الإصلاح ولمفهومه ولمدياته، وبات هذا أكثر وضوحاً منذ اجتماع التحالف الوطني في كربلاء، وصدور البيانات والمواقف المتضاربة عنه، وانتقال موقع التظاهر من بوابات المنطقة الخضراء إلى ساحة التحرير في بغداد بقرار من السيد مقتدى الصدر، ثم العودة إلى التلويح بالعصيان المدني "الصدري" عند بوابات الخضراء، ربما بدافع الضغط على الحلفاء، وليس بمعزلٍ عن التزامنٍ مع انتهاء اللجنة الاستشارية المكلّفة بتسمية وزراء حكومة " التكنوقراط" التي "اختارها" السيد الصدر، وتسليم مقترحها إلى الهيئة الاستشارية للتيار الصدري.

وقد تكون وثيقة الإصلاح التي وزّعها مكتب السيد العبادي على رؤساء الكتل البرلمانية، وما ظهر فيها من اعتمادٍ على الكتل في تسمية الوزراء، بغضّ النظر عما حاولته الصيغة المطروحة من إشارة شكلية إلى أنّ السيد العبادي هو الذي سيقرر من سيختار من الأسماء التي تقدمها الكتل، ربما تكون المسمار الأخير في نعش الوهم الشائع بأنّ الإصلاح سيكون عابراً للطائفية وخاذلاً لمحاصصاتها وأُمرائها المتشبّثين..!

ويبدو من بين أوهام كثيرة تجد لها متنفساً بين المتظاهرين، أن خطوة التيار الصدري "الإيجابية" بالانضمام إلى تظاهرات الإصلاح، ودعوة السيد الصدر الثوروية إلى " شلع قلع"، إنما هي إيذانٌ بانسلاخ التيار عن منطلقاته الدينية والإيمانية المعرفية، وتحوّله إلى الجذور "الطبقية - الاجتماعية" لقاعدة أعضائه وأنصاره ومريديه. وفي هذا الفهم تناقضٌ مع مبادئ الارتقاء والتحوّل في الحركات الاجتماعية وشروطها، وهو استنتاجٌ مغايرٌ لنهج السيد الصدر ومدرسته الدينية ومنهجه الحياتي والسياسي، رغم تمايز مواقفه عن شركائه في مراحل مختلفة سياسياً .

إنّ عودةً إلى قراءةٍ متأنّية، مفتوحةٍ على أملٍ موضوعي، تنطلق من حساسيات الواقع الراهن المتمثل في الحياة السياسية، وصراع القوى والمصالح في العملية السياسية، وموازين القوى في المجتمع والآليات اللازمة للتغيير، تفتح المشهد الآتي، على انبعاث دخانٍ "غامض اللون" يُجبِر ولا يكسر، لكنه لا يبشّر بتجاوز إملاءات الطوائف، ولا يحدّ من نفوذها، ولا يجتثّ جذور الفساد أو يحاصر بيئته..!

لكنّ ما يتمخض، على محدوديته في إطار المنظومة القائمة، وما سيغتني به الوعي الجمعي ، من تجربةٍ ، يمكن أن يشكّل خطوة على طريق نضالٍ مثابر للتغيير باعتماد شروطه اللازمة.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 14-03-2016     عدد القراء :  2622       عدد التعليقات : 0