الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نفي الذات والفرص الضائعة بين العبادي والإصلاح المجنيّ عليه..!

في الأقوال المأثورة الأمثلة الشعبية "حِكَمٌ " تختزل تجاربَ أممٍ وعبقرياتٍ شعبية . ومن الأقوال المأثورة " لا تكبر الحجر" ، !

وهو قول يُساق في معرض النُصح بالتأني والروية وتجنب تحميل الذات ما هو فوق طاقتها . والأيام الحُبلى التي نمر بها ونترقب بحذر وقلقٍ ما ستسفر عنه تطورات مواقف الاحزاب والكتل وتجاذباتها الملتبسة حول الإصلاح الممكن إقحام شعبنا في متاهاته ، دون ان تتوضح لهذه الكتل معالمها أو آلياتها أو اهدافها النهائية .

مع أن الصراع بفرض الارادة يلتقي عند نقطة " شكلية " لا تأثير لها على جوهر الإصلاح والتغيير الذي يجري تسويقه باعتباره " نفياً " للمنظومة الطائفية القائمة وعبورها الى الآليات الديمقراطية بالاحتكام الى إرادة "المواطنة الحرة السيّدة"!

وقد اتضح الآن أن الدكتور العبادي لم يمر على هذا القول المأثور أو لم يتوقف عند مغزاه ، وإلا لما "كبّر الحجر" منذ أن أصبح رئيساً لمجلس الوزراء.  وإلا لتوقف  متأملاً المشهد الذي يبدو فيه العراق غاطساً في وحلٍ يحتاج الى عقلٍ مجرب متفردٍ ، وحكمة فريق عالي الكفاءة والمران والتخصص،  يضع تحت تصرفه خارطة طريقٍ محكمةٍ، وخطة متدرجة تنطلق من المهام الملحة، غير القابلة للتأجيل مما لها علاقة بالخدمات التي ينتظرها الناس، يجنبه  إقحام نفسه في لجة تصريحاتٍ وتعهداتٍ والتزاماتٍ، بإجراء إصلاحات جذرية خارج سياقات التقاسم الطائفي.

طوال أكثر من سنة لم يتردد العبادي عن  توجيه تهديداتٍ بملاحقة الفساد وكشف ملفات الفاسدين ،  ووعود كبيرة أخرى  انتهت الى أن تتحول "حصوة إصلاحاته" التي تمثلت في   إلغاء نواب الرئاستين، الى حجرٍ يَهِد  العملية السياسية بكل قواها وقياداتها!    

فالصراع والتجاذب بين مشروع السيد الصدر من جانب، ومشروع الدكتور العبادي من جانب آخر، والمشاريع البديلة نسبياً، من حيث الشكل التي تطرحها كتلٌ في التحالف الوطني، أوضحها مشروع السيد عمار الحكيم، والكتل البرلمانية الأخرى، يدور حول تغييرٍ وزاري جزئي أم شامل، "شلع" أم "شلع قلع" . والصراع في جانبٍ آخر منه يدور حول الوسائل والأساليب والآليات . فالسيد العبادي يريد ليّ أذرع الجميع، وطرح كابينة وزارية يأتي بها من غرفٍ مغلقة تفوح منها رائحة الشبهات، بحجة لا تستوي مع منطقٍ. وكلما تتم مواجهته بما يشوب اسلوبه من خللٍ ، ينكر وجود شيء مما يدور!

والسيد الصدر يعتمد تعبئة أنصار تياره في ساحة التحرير ومخيمات الاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء، ويلوّح باقتحامها، إذا لم يرضخ العبادي ويقبل بمشروعه  . وهو يطلب بعد ذلك  من البرلمانيين " موقفاً مُطمِّناً " وبخلافه فعلى المعارض مواجهة الشعب بعد ان يكون اسمه قد نشر بالخط العريض ليتعرف  عليه الشعب.

وأكاد أشك أن السيد الصدر بما عُرف عنه من ذكاءٍ وبصيرة أن يقصد بذلك، ما شاع منذ أمس الاول بعد خطاب الجمعة، الحَجر على النواب والقصاص الجسماني بحقهم وإيداعهم الحبس، وإلغاء الحصانة عنهم .! لأن ذلك لا يستقيم مع رحابة دعوته الى الإصلاح والتغيير . إذ كيف تتقارب دعوته ، مع استخدام القسر وإلغاء السياقات الدستورية ، كما يفعل العبادي في التطبيق العملي، وأي بديل لمستقبل ديمقراطي مثل هذا،  سيتأمله العراقيون الذين يتطلعون الى إلغاء منظومة القسر والفساد وفرض الإرادة في ظل المحاصصة الطائفية البغيضة؟  

ولأنّ  أغلب الأطراف تتجنب التساؤل عن علاقة التغيير الوزاري بالإصلاح الحقيقي.  نتساءل  كيف لمثل هذا التغيير الوزاري أن يطيح بالمحاصصة الطائفية ، ويعبر منظومتها المتمثلة بالرئاسات الثلاث وسلطاتها ، وتحت أي مسوغٍ  سيجري تجاوز البرلمان ونزع شرعيته، فهل يا تُرى  سيتم ذلك بحلّهِ  بقوة الاقتحام ووضع أعضائه المخالفين وراء القضبان؟ ومن في مثل هذه الحالة   سيتولى سلطة التشريع؟ وماذا ستكون مصائر قادة الكتل والأحزاب؟ هل سيتم حلها "ثورياً"؟، ومن سيفعل ذلك؟ وتحت أي مظلة؟ وهل سيُعتمد الدستور الساري المفعول أم سيُلغى؟، وبأي ادواتٍ للدولة الفاشلة يمكن مكافحة الفساد ووضع رموزها وراء القضبان .؟

أهو اعتصامٌ يُراد له أن يتطور الى عصيانٍ مدني، ثم ثورة ، أو  انتفاضة شعبية تدُك  صرح دولة متهاوية لا قِبلَ لها بمثل هذه التحديات   والتداعيات،  "وقوات دمجٍ" مسلحة متعددة الولاءات، موزعة في جبهات التصدي لداعش، وفي مواقع السيطرات داخل المدن وفي خدمة القيادات والكوادر لحمايتها .

وتظل خيارات العبادي، أينما ولّى  وجهه، محفوفة بالمخاطر والفشل، بعد أن تمخضت توجهاته عن برامج وأدوات ورموز فاقدة للصلاحية، وصار مكشوف الظهر، بلا سندٍ من الجماهير التي خاب ظنها به  ، ومن الكتل التي اكتشفت فيه "غموضاً" وميلاً للانفراد، وفوضى في المفاهيم، وضياعاً وتردداً تضيع معها قارة بأكملها..!

يبقى سؤال ممضّ: هل يستطيع العبادي بعد هذا كله أن يعيد ترتيب أوراقه المبعثرة، ويستعيد مبادرة سياسية تستنفر قوى الإصلاح الوطنية حول خارطة طريق تفتح المجال امام تدابير تقود في نهاية المطاف الى  ما يتطلع اليه الشعب العراقي من عبور آمنٍ الى دولة  مدنية ديمقراطية تعددية   بعيداً عن المغامرة ...

لم يسبق لي أن تعرفتُ على سياسي معاصرٍ تفرد في كونه " ضيّاع "  فرصٍ تاريخية نادرة كما هو عليه الدكتور حيدر العبادي.

إنها فرصة أخيرة، قد يعقبها التيه لا محالة  ....!

  كتب بتأريخ :  الأحد 27-03-2016     عدد القراء :  2937       عدد التعليقات : 0