الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في الإصلاح المتهرّئ: القادمون على الدبابات الأميركيّة، والآتون من تحت معاطف فدائيّي صدام والبعث....!

قد يستغرب القارئ، اهتمامي بالكتابة تحت هذا العنوان المثير، ونحن نغرق في لُجّة الفوضى التي تسببت بها "مدافع الإصلاح " ومفرقعاتها الصوتية التي تكشّفَت عن كونها مجرد تدويرٍ لفضلات منظومة فسادٍ، يكرسها نظام تقاسم مغانم ونهبٍ منظم لثـروات البلد. وكنت أتجنب التطرق لهذا الموضوع، لحساسيته، منذ عُدت في سيارة عراقية  وعبرت بزورقٍ عراقي من سوريا وأنا أدفع يدي اليمنى عميقاً في مياه الخابور العراقي، وأردد منلوجي الداخلي حول ما سأرى في بقايا وطنٍ شوّهت معالمه الدكتاتورية ونظامها الشمولي، وما سيؤول إليه الوضع بعد أن يتسيّد فيه من اختبروا فنون المعارضة الوطنية من دون إلمامٍ ودراية  بأصول الحكم  وإدارة شؤون الدولة  وقيادة عملية بناءٍ،

وإرساء أسس دولة ديمقراطية مدنية  لا تابوات فيها ولا عمليات انتقام، تسود فيها قيم التسامح والمصالحة  واحترام التنوع والاختلاف وانبعاث الأمل في الاقتراب من المرتجى الذي ظل مؤجلاً  ومدفوناً في المقابر الجماعية، وفي ضمائر  أولئك الذين غُيّبوا في الزنانين الانفرادية، وكُسرت " ومضةٌ ما "  في دواخلهم التي لم تعرف اليأس، ولم تتنازعها الإغراءات، ولم يأخذ أصحابها الهوى بحياة ذليلةٍ منكسرةٍ، في انتطار مغانم تضحياتٍ وضياعِ سنوات عمرٍ تفتح على الأمل ...!

كنت أطمح لأن يستدرك الساسة الجدد، فيأخذوا بكل ما يخلق فضاءاتٍ حرة، وبيئة إعادة اصطفافٍ عراقي، ينزع منها التشوهات السياسية وسرطانات الكراهية والانقسام والإلغاء . وكان ذلك ممكناً باعتماد " اجتثاث الاستبداد "، وبث الأمل في نفوس العراقيين الذين حولهم الاستبداد الى موضوعٍ للانسلاخ من سويتهم الإنسانية، خلافاً لإرادتهم، وعلى الضد من وعيهم المحاصر.

هذه كانت " صلاتي" وأنا أعبر الخابور، كما كنت أفعلها في كل مرة، وأنا ألتحق بعملٍ او مهمة حزبية يومذاك .

بعد أكثر من عقدٍ وبضع سنواتٍ من تلك العودة  بزورقٍ عراقي أجتاز به نهراً عراقياً، بعيداً عن الدبابات الأميركية أو غيرها من الدبابات، يستمر العزف النشاز المخاتل،  " العائدين فوق الدبابات الأميركية "، بزعمٍ باطلٍ ملفقٍ،  يستهدف الوطنيين، كما لو هم الذين أفسدوا في الأرض وعبثوا بها وجعلوا عاليها سافلها ..!

من هم هؤلاء، المقصودون بهذه الشتيمة، وتبعاتها من فساد ذممٍ، ونهبٍ للمال العام، وتدميرٍ للبنى التحتية، وتمزيقٍ لنسيج المجتمع العراقي، وتبديدٍ للثروات، وقتلٍ على الهوية، ومن كل مظاهر القسر والتحريم والتكفير والإذلال ..؟

إنهم نحن : من لم نركب الدبابات الأميركية، ولم يصطفينا المحتل لنحكم العراق، وكل ما اقترفناه بحق أنفسنا وأسرنا ورفاقنا المطمورين في الزنازين ومخابئ العمل السري، من تشردٍ قسري، لا خوفاً، بل مواصلة لعملٍ شئنا أن يكون لنا قدراً في هذه الحياة الفانية، لعل تيهنا ينتهي الى جنة ٍ في الأرض!

كنا، جميعاً، دون استثناءٍ، من شِيعنا السياسية أو الفكرية أو الأيديولوجية، قوميين وإسلاميين وشيوعيين، ومن كل طيفٍ عراقيٍ آخر، مشمولين بـ " العافية " التي انصبت على رؤوسنا، إذ كنا موضوعاً لركوب الدبابة الأميركية وفتح ابواب العراق أمامها لاحتلاله ..!

ومن حمل راية هذه الفِرية ؟ أهم الذين ظلوا في الوطن يقارعون الدكتاتورية، أم الذين غُلِب على أمرهم، لأي سببٍ كان، دون ادّعاء بطولة، إو ازدراءٍ لمن هاجروا إو قُسِروا على الانتقال الى ميدانٍ آخر للمقارعة ؟

لم يكن لهؤلاء صوتٌ في هذا " الرتم " المشبوه، المتطاول، المُزدري ....

أتى هذا الصوت من تحت معاطف فدائيي صدام، وأجهزته القمعية، وجيش القدس، والحرس الجمهوري، والمنخرطين في التشكيلات الفاعلة من تنظيمات البعث و" دولته السرية "  الذين ظلوا حتى اللحظة الأخيرة يتابعون تجواله في بغداد، وينتظرون  لحظة عودته الى القصر الجمهوري. ..

عُدنا، لنعيش مفاجأة اصطفاء المحتل للموظفين الأبرز في القصور الرئاسية، والمكاتب العليا لصدام، يعتمدهم بريمر في إدارته المدنية للعراق الأسير . ويوزعهم في مقار الوزارات وأجهزة الدولة ليعيدوا " تأسيس " العراق الجديد من فضلات النظام الساقط، يلتقطها من على قارعة الطريق .

ولم تنته المفاجأة عند هذا الحد، فقد عشنا زمن التحول الدراماتيكي الكبير، إذ بين ليلة وضحاها، امتلأت شوارعنا وخرائب الدولة الجديدة وأحزابها الشيعية والسنية، بكل من ظلوا حتى اللحظة الأخيرة ينتظرون عودة ظافرة للبعث و"القائد الضرورة " وقد أطلقوا اللحى، وختموا جباههم بوشم الإيمان، الشيعة منهم توزعتهم الاحزاب وتجمعات الإسلام السياسي، والسنة منهم تقاسمتهم، التشكيلات السياسية التي ظلت مشدودة الى لازمتين لا تتغيران " إلغاء الاجتثاث، وتجاوز امتداداته "، والغلبة منهم انتقلوا الى مواقع  القاعدة والمنظمات " الجهادية " المناوئة للعراق الجديد .

وصرنا نحن الآتون من غربة العمل لتِشكيل عراقٍ جديدٍ معافى من أدران الماضي، غرباء في وطننا، مهمشين، تلاحقنا لعنات فدائيي صدام باعتبارنا من ركاب الدبابات الأميركية..!

وبفعل فاعلٍ مخبوءٍ تحت عباءةٍ طائفية، على ثنائيتها المذهبية، تقاذفت العملية السياسية مفردات لم تألفها قواميس العمل السياسي العراقي الحديث، لتتخذ لها معاني خارج سياقاتها ومفاهيمها،  فالإصلاح صار له معنى " حكومة تكنوقراط " دون المس ببنية المنظومة الطائفية في واقع الحال . لكن ما انكشف من المستور، أن دعاة الإصلاح قذفوا في وجوهنا قوائم بأسماء لجانٍ ووزراء تكنوقراط، جُلهم من بقايا البعث والنظام السابق وأجهزته، ويجري تقديمهم بوصفهم تكنوقراط مستقلين وطنيين !

تفحصوا أسماء اللجان، امعنوا النظر في المرشحين للوزارات والمناصب العليا، ستصدمكم حقائق دامغة عن خلفيات

"  المستقلين " المزعومين، وذوي الكفاءات المزعومة الذين توهم من قدمهم  بأن تاريخهم المشبوه، وما تحتفظ به ملفاتهم، تكدس غبار النسيان فوقها، وصارت في حكم الماضي .

شخصيات تكنوقراط، مشهود للعدد الوفير منهم الكفاءة في  تغيير الملامح والوجوه والتنقل في بيوت البغاء السياسي، وشبهات  التورط في  الجريمة وممارسة الفساد،  هم من يريد البعض إيهامنا بأنهم سيقلبون الطاولة على قادة العملية السياسية المنتهية الصلاحية . ويمكن متابعتهم وهم يظهرون في الصورة ويغطون المشهد السياسي اليوم، بانتظار حقائب الاصلاح والتغيير الوزاري، لا فرق من أية قائمة جاء الترشيح.

أنا أقدِّر أن السيد الصدر، اعتمد في قوائم مرشحيه على مستشاريه، وأقدّر أنه لو عَرف فسيكون له موقف آخر، لكنني أعرف أن السيد العبادي يعرف، لكنه لا يريد أن يعرف!

إن المشهد في ما يؤشر اليه الإصلاح يختزل وجع كل وطني عراقي ؛ من المهم ان لا تكون منخرطاً في العمل الوطني المنظم، بغض النظر عن الحزب الذي اخترت الانتماء اليه، باستنثاء البعث وأجهزة النظام السابق . لكي تكون مؤهلاً للإسهام في إصلاح ما أفسده الحكام الملوثون . لا بأس إن كنت فاسداً، لم يتعرف عليك أحد . أو من الفدائيين الصداميين وقد التحيت وختمت جبينك بوشم الإيمان الزائف ....!

...

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي :

- رجلٌ يدري أنه يدري، فذلك العالم فاسألوه..

- ورجلُ يدري ولا يدري أنه يدري فذلك الناسي فذكّروه ..

- ورجلٌ لا يدري، ويدري أنه لا يدري، فذلك الجاهل فعلّموه ..

- ورجلُ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك الأحمق فاجتنبوه ..

إنه زمن الزيف وتغيير الملامح لا السرائر

فيا لمصيبتنا في ما انتهينا إليه،  بعد كلّ ما مرّ بنا من رزايا وآلام ومحن.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 28-03-2016     عدد القراء :  3045       عدد التعليقات : 0