الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
اعترف باني شيوعي

في كل نهاية اذار(في ذكرى ميلاد الحزب الشيوعي العراقي ) اتذكر حكاية انتمائي الى الحزب الشيوعي العراقي ، وهي حكاية كنت احرص على اخفائها ليس فقط عن رجال السلطة بل حتى عن اقرب الناس لي ربما بسبب كون الحديث عنها يتماها مع موضوعة الاعتراف ، فأسوء شيء يوصم به الشيوعي هو تهمة الاعتراف، فالشيوعيون لا يعترفون بشيوعيتهم الا تحت تعذيب نفسي وبدني لا يتحمله انسان عادي ، بل ان الكثير من الشيوعيين ماتوا اثناء التعذيب الرهيب ولم يعترفوا لجلاديهم بشيء حتى صارت سمة (عدم الاعتراف) معروفة عنهم ولصيقة بصفة النضال الشيوعي. ولا انسى ابدا منظر ذلك الصديق الشيوعي الذي زرته في بيته بعد خروجه من محنة التحقيق حيث وجدته مكسورا ذليلا يشعر بالخزي والعار لأنه لم يستطع الصمود فاعترف بعد تعرضه لتعذيب رهيب رغم انه مكشوف بسبب علنية العمل الشيوعي اثناء ( الجبحة ) الوطنية ( كما تسميها امي ).

والان وبعد مرور خمسين عاما على انتمائي الى الحزب الشيوعي فاني اسمح لنفسي بالاعتراف على طريقة وزارة الخارجية البريطانية التي تقوم بنشر بعض وثائقها السرية بعد مرور ثلاثين عاما او أكثر..

سقط البعث وبقي الحزب الشيوعي مرفوع الهامة، وبقي حب الحزب يعشعش بين ضلوعي وظلت ذكرى انتمائي لحزب الفقراء هي أغلي شيء اعتز به بل هي اهم وأجمل شيء فعلته بحياتي.

في عام   1966انتميت الى الحزب وكان عمري قد بلغ السادسة عشر حسب ما تقول وثائقي الرسمية حيث ثبت فيها أنى من مواليد 1-7-1950 (قمت بتغيره عندما غادرت العراق فأصبح تاريخ ميلادي هو 31-3-1950) وكنت وقتها قد انهيت دراستي المتوسطة بمعدل جيد يؤهلني لدخول دار المعلمين..

طريقي الى الحزب مشيته لوحدي دون دليل ، فانا لم اسمع في بيتنا اي حديث سياسي لان والدي يخاف من السياسة  ويتحاشى ذكرها، ورغم ان عمي الوحيد كان شيوعيا  ، وكان خالي الاصغر قوميا ، لكني لا اتذكر اي تأثير سياسي لاحدهم في نفسي ، فالذي قادني الى اعتناق الفكر الشيوعي هو حبي للمطالعة وطبيعتي الشخصية الثورية التي تهوى التمرد على العادات والتقاليد  والسائد من الافكار ونصرة المظلومين ،  وكنت في طفولتي اتمنى ان تعاد حادثة الطف لا ناصر الحسين عليه السلام لشعوري انه مظلوم وثائر ضد الظالمين، هذه الامنية تحولت في طفولتي المتأخرة الى احلام تأتيني في ليالي عاشوراء، فكم من مرة حلمت باني اخوض الحرب  مع الحسين (ع) ثم ( افز) مرعوبا بعد ان يحاول (الشمر ) طعني .

الذي زرع فيّ الانحياز الى الفكر الماركسي وحب الشيوعيين هو الكاتب التقدمي سلامه موسى. ولأتذكر من دلني عليه او نصحني بقراءته لكني اتذكر اني كنت قارئا نهما فاذا بدأت بقراءة كتاب لا اتركه حتى انهي قراءته، وقد بدأت بقراءة كل ما موجود بمكتبة والدي الفقيرة (فدرخت) قصص الميّاسة والزير سالم وعنتره والف ليلة وليلة وعددا كبيرا من الادعية الدينية فضلا عن حفظ اعداد كبيرة من سور القران.

تطورت قراءتي بسرعة كبيره فشغفت بقراءة الروايات العالمية مبتدأ برواية الام لمكسيم غوركي ثم وجدت نفسي منهمكا بقراءة الكتب الماركسية المتنوعة. كنت استعير الكتب المتنوعة من الاصدقاء فلم تكن لي القدرة على شراء الكتب، وكانت في مدينتي مقهى قريبة من النهر يجتمع فيها عدد من الشباب متنوعي الافكار، وكانت تدور في المقهى نقاشات ثقافية فصرت مدمنا على حضور هذه الجلسات رغم ان اغلب الحاضرين أكبر مني سنا. كانت الجلسات تشبه الندوات الثقافية وكنت اناصر اصحاب الطرح التقدمي واستعير الكتب منهم، وقد تعمق من خلال هذه النقاشات انتمائي للفكر الماركسي وصرت ابحث عن شيوعي يساعدني على الانتماء للحزب فلم أجد احدا نظرا لكون اغلب الشيوعين موزعين على سجون العراق. في صيف 1966 اطلق سراح الشهيد( صاحب علي) ففتح له دكانا صغيرا في مدينتي فنشأة بيني وبينه صحبة لذيذة بعد معرفتي بارتباطه بالحزب وصار يزودني بكراسات ومنشورات شيوعية عمقت فهمي للنضال الشيوعي .لم يطلب مني الانتماء لحداثة تعارفنا ولصغر سني ، ربما، فبادرته يوما معلنا رغبتي بالانتماء للحزب فغمرته فرحة كبيرة وطلب مني كتابة رسالة للحزب .لم يدر بخاطري ان اساله عن كيفية كتابة الرسالة ، ولما وصلت الى بيتي ندمت على عدم السؤال  فتولدت في نفسي الرغبة للذهاب الى (العرضجي) لمساعدتي في كتابة هذه الرسالة .ضحكت مع نفسي من هذه الفكرة  السوريالية ولكني حين تناولت القلم كتبت كما يكتب العرضحالجية : ( الى الرفاق في الحزب الشيوعي العراقي المحترم

المعروض لسيادتكم:

اني المواطن عودة وهيب حبيب، اطلب موافقتكم على انتمائي لحزبكم العظيم، حزب الطبقة العاملة..) ثم رحت اشرح في الرسالة ما اعرفه عن الشيوعية وتاريخ الحزب الشيوعي وعموم الحركة الشيوعية لإثبات معرفتي وايماني بالفكر الشيوعي وكانت رسالة طويلة جدا تتجاوز العشرة اوراق واكملتها بوقت قصير، وما ان اكملتها حتى هرولت بها الى دكان الرفيق صاحب فوجدت معه في الدكان شخصا لم تسبق لي رؤيته، فسلمت عليهم وحاولت المغادرة غير ان الشهيد صاحب اوقفني وقدم لي الشخص الذي معه في الدكان: (أقدم لك الرفيق شنان، هم شيوعي وتوه طلع من السجن)

سلمت على الرفيق شنان ثم همست في اذن الرفيق صاحب لأخبره إني كتبت (الرسالة) فطلب مني اعطاءها اياه ففعلت بحذر ونظرت الى الرفيق شنان فوجدته يبتسم فرحا. لم يمر يوم على كتابتي الرسالة حتى ابلغني الرفيق صاحب بقبول طلبي فشعرت بانتصار كبير وقلت لنفسي بزهو: ان الفضل يعود الى رسالتي ( المرصرصة ) ولولاها لما وافقوا على قبولي وانا في سن السادسة عشر. وهكذا انتميت الى حزب الشهداء وحضرت في ذلك الصيف الجميل اول اجتماع حزبي.

كان ذلك في صيف 1966

ذهبت الى الاجتماع بفرح قلما شعرت بمثله طيلة حياتي، وعندما عدت الى بيتي كنت مزهوا فخورا بنفسي ولولا توصيات الشهيد صاحب بضرورة الكتمان لهلهلت وانا اخطو عتبة داري.. كان وجهي طافحا بالبشرى مما جعل امي تسألني بلهفة: (هائمة انقبلت بدار المعلمين) فأجبتها دون تفكير: ( اي يمه ، اليوم بشروني )...

وابتدأت الحكاية.

Aoda50@hotmail.com

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 30-03-2016     عدد القراء :  3225       عدد التعليقات : 0