الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
عريف الحفل

في آذار ١٩٨٢، كنّا معتقلين في مديرية أمن ديالى، أحد عشر فتى من بعقوبة وكربلاء نقلونا طوال عام كامل من زنانين أمن السليمانية الى أقبية منظومة الاستخبارات الشمالية في كركوك الى معتقل الكرنتينة في باب المعظم ثم الى قلعة وزارة الدفاع بالميدان فدهاليز الشعبة الخامسة تحت جسر الأئمة، واخيراً المكوث في غرف أمن ديالى.

وللشماتة بنا، زارنا مدير أمن الخالص الضابط (عبد الصمد) الذي ترك أثراً في قلب وجسد كل شيوعيي بعقوبة، وزارنا أيضاً الضابط (نجم) وتفوه بكلمات وعبارات نابية، ولقد أحسسنا أن أركان أمن ديالى جميعاً فرحون بإلقاء القبض علينا، وكان هذا الإحساس مدعاة غبطة ورعب في آن.

دخلنا شهر آذار أو قل دخل علينا آذار، وقبل ان يرحل وأنى له قبل أن نطبعه بلوننا، وقد يكون لون دمنا.

من قبل موعد الذكرى بيومين او ثلاثة، قمنا ـ كما النمل ـ نخزن بعضا من التمر المجبوس والجبن واللحم الناضج في مرق السلق المكرر والصمون (اليابس قبل ادخاره)، وكل هذا كان تعيينا لنا، كان العنبر الذي يضمنا عبارة عن إيوان وغرفتين، وكان عددنا يقارب الأربعين، من شيوعيين ـ نحن الأحد عشر فتى ـ وإسلاميين وقوميين كرد مع بضعة متاجرين بالسلاح.

لاحظَ زملاؤنا المعتقلون أننا نتهيأ، لكن الى مَ؟ فهذا ما كان صعباً معرفته، لاسيما نحن كتومون مخافة تسرب الخبر الى الفاشست خلف الأبواب، وبعد صبر لم نطقه، أتى اليوم الزاهر، يوم الاحتفاء، والاحتفال، ولكثر ما استهلكت كلمة التحدي، أخشى ان أقول يوم التحدي ولكنه كان كذلك، وكذلك كان كذلك.

الأحد عشر فتى هم: عبد العظيم كرادي (الرفيق كريم كومنست وهذا إسمه فيما بعد في أنصار البيشمرگة، هو بطل شعبي  ـ حاليا في الدنمارك)، حسين هادي (مدير المصرف العقاري في بعقوبة لاحقاً والمدافع عنه في أحداث نيسان ٢٠٠٣ـ حاليا في بعقوبة)، طالب عجم (وهو طالب عبود فليجة وينسب الى أمه تقديراً لها من أهل بعقوبة العتيقة الذين يعتبرونها أمهم جميعاً، ويكنى بـ طلبانه ايضاً ـ حاليا في بعقوبة)، علي كرادي (كان عاشقا ولهانا وكان يتميز بالصمت والهدوء وقد تحمل قسطاً وفيراً من التعذيب والاذى الجسدي ـ حاليا في الدنمارك)، ضامر خليل موسى (متهكم وأنيس لا يُمل منه، عمل في منظمة طهران، وعبره مرّ كثير من رفيقاتنا ورفاقنا الى باكستان وافغانستان والاتحاد السوفيتي ـ حاليا في الدنمارك) ، أحمد صفر (نادر الصنف في المعمورة، صاحب حجة وعنيد، كامل الدماثة، لا يستكين للكبوات ـ حاليا في السويد)، كريم ناصر ثابت ( عتيق معتق وصائغ ذهب وكلام ـ حاليا في استراليا)، عبد الله الهويدراوي (قروي أصيل ولا يعرف انه يعرف ـ حاليا في السويد)، رعد عز الدين الخالدي (نفي والده الشيوعي الى كربلاء عام ١٩٧٦، مهووس بقصة حبّ شفيفة انتهت باستشهاده في حرب ايران عام ١٩٨٤)، كريم النجار (من الأبناء النبلاء في باب السلالمة في كربلاء ـ حاليا في السويد)، ثم أنا الحكواتي المجبول دمعاً وشعراً.

في مساء ٣٠ آذار تحممنا وغسلنا ملابسنا التي لا غيرها لنا، ولبسناها وهي خضر، إتخذنا إحدى غرفتي العنبر مكاناً لنا، واخترنا منتصف الليل بالضبط موعداً للحفل حيث الحرس في غطيط، وحتى ضابط الخفر يكون قد أكمل شرابه وانتبذ فراشه الوثير.

وبدأ الاحتفال عند الساعة الثانية عشرة ليلا، وكنتُ أنا عريف الحفل الذي أقيم في فم التنين.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 01-04-2016     عدد القراء :  3564       عدد التعليقات : 0