الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
وداعاً ايقونة العمارة

كان خبر وفاتها مؤلماً ، لم أتحمله للوهلة الاولى وضننت انها كذبة نيسان وأنتظرت ساعات طوال أن يتم تكذيب الخبر ولكن موعد الكذبة قد مرّ ولم يكذبها أحد ، فحمدت الله على كل شيء . قبل أيام قليلة من موعد الظرف الابيض الذي سلمه العبادي الى مجلس النواب كنت أتوقع أن يكون أسم زها حديد ضمن الكابينة الوزارية كوزيرة للإسكان والاعمار . ولكن بدلا من ذلك كان الموت أقرب لها ، ولا راد لقضاء الله .

في ميامي التي وضعت حديد فيها لمستها الساحرة على أفقها ؛ فارقت الحياة ، بعد رحلت نضال وكفاح استمرت طويلاً كللتها بإنتصار إرادتها وعزيمتها في التفوق على كل معماريي العصر الحديث تقريباً ، أولئك من حاول بعضهم إصابتها بالاحباط ، ولكنها تجاوزت كل أفق العالم ونشرت إبداعاً منقطع النظير سيبقى لها أثراً على مدى الدهر ، فما وضعته حديد من تصاميم من عمارات ومحطات وملاعب ومسارح وأسواق تتفوق على الزمن وكأنها وضعته لزمن قادم لا هذا الزمن الواقعي ، فما صممته سيكون بعد حين شاهد عصراً على القدرة المتفردة لعراقية الاصل في إستنباط أفكار ورؤى تندفع بقوة تجاه المستقبل ولا تتوقف عند حدود الزمن .

حديد اليوم يجب أن تكون قدوة لبناتنا من طالبات الهندسة المعمارية ، ممن يحثن الخطى نحو المستقبل ، عليهن الاستفادة من الاخت المعامرية الكبيرة في هذا المجال في عمارة بلدهن بعدما عجزت كل إنجازات حديد في إستمالت العقول الحكومية لدينا إلا ما فيما ندر ، إخطئنا كثيراً في ذلك ولازلنا نكرر الخطأ في عدم قدرتنا على الاستفادة من قدرات هائلة وبناءة لعراقيين في المهجر تعانق إنجازاتهم الثرى ويحفل العالم بها بينما نستمر نحن بعجزنا عن توفير كل السبل اللازمة لعودتهم وتطويع قدراتهم لخدمة وطن أنهكه التخلف وأعمى الفساد بصيرة قادته الحكوميين .

قد تكون الشواهد المعمارية لحديد دليل منظور للمراقب ولكن هناك الالاف من البحوث العلمية الكبيرة لعلماء عراقيون في مجالات الطب والهندسة والبايولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والحوكمة الالكترونية وحتى الفضاء ؛ لم يرف لنا جفن لها ولكنها لغاية اليوم تعتبر إنجازات فائقة القوة من الممكن وسمها لخدمة الوطن إذا كانت النية صادقة لدى المؤسسات الحكومية في ذلك .

ما فائدة العزاء ، فحديد لو كانت في العراق لما نالت ما نلته من تكريم واحترام وتقدير عال، فنحن لا نكرم مبدعينا ولا نجازيهم على إحسانهم الكبير للوطن  ، بل حتى أنها سوف لن تتقدم وسيخرج أحد ما ليدمر عزيمتها ويحبط كل قدرتها ـ فالفضاء لدينا موبوء بكل أنواع مايكروبات التخلف والعقم الفكري وعقر الابداع ولا مناص من ان يصيبها شيئاً منه وستجوب ذليلة بين مؤسسات الدولة لن يقتنع أحد فيما تصممه لانه لا يتطابق وعقيدة الفساد لديهم.

كان بأمكاننا أن نمنحها وساماً عراقياً جميلاً تعلقه على صدرها المفعم بالحضارة ، وتفخر به أمام شعوب العالم أن وطنها كرمها ، والجميع يعلم أن تكريم الوطن أكبر من تكريم العالم أجمع ، ما كرمناها إلا بالعزاء مثلها مثل كل أصحاب الاثر الكبير ممن ترامت قبورهم في العالم . كثر أولئك الذين صنعوا التغيير في حياتنا بكلمة أو بيت شعر أو ببحث علمي ؛ لم نتمكن من تكريمهم في حياتهم وجعلنا نكتب عنهم ونسطر "أتعس" عبارات العزاء.

علينا أن نشكر الغرب كثيراً لانهم حفظوا لنا مبدعينا وكرمهم وإجزل العطاء لهم ، المبدعون من كل صنوف العلم هناك يعيشون حياتهم بإنتظام بالغ وحفاوة منقطعة النظير .. قد يأتي اليوم الذي نكون فيه مؤهلين لاستقبلهم بعدما "يكنس" الشعب فوضى الفساد والتخلف وينظف الشوارع منها ويظهر وجه الوطن الحقيقي .. الوطن الذي يكرم العلماء ويرفع شأنهم .. رحم الله إيقونة العمارة .. ورحمنا.

zzubaidi@gmail.com

  كتب بتأريخ :  الخميس 07-04-2016     عدد القراء :  2484       عدد التعليقات : 0