الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إنجلينا جولي، درسٌ في الطهارة والنبل الإنسانيّ..!

الضياع في ضجيج حوارات الطرشان ومتاهة سيناريوهات حكومة التكنوقراط، غيّبتنا عن المساحات المضيئة التي تتوهج فيها مناراتٌ إنسانية تعيد إلى النفس بهجة الحياة، وتغسل الحواشي مما علق بها من فتات الشراهة وطفيليات الدناءة وموات الضمير وتحجّر الروح.

تيهاننا فريدٌ في عالم الإنكار، فكلّ ما يتحرك من حولنا مُشتَبهٌ به، حتى أنّ الواحد منّا يتحسّس كيانه أحياناً وهو يتساءل عمّا إذا كان في غيبةٍ بدنيا أخرى، في جحيمٍ لا يشبه جحيم الله. نتحسّس مواقع القلب لنتيقّن من نبضه، ونكاد نتوهّم إذ ندور في محيط أحزاننا أنّ في الأمر شيئاً من اللامعقول. وهل من المعقول أن يكون كل شيء مما له شأن في حياة العراقيين في حفظ كراماتهم  وإبعاد شبح الفاقة والعوز والمرض، لا وجود له في قاموس رجالات دولة "العته السياسي"، وهم يخوضون معارك الإصلاح والتغيير؟  لا مكان في حواراتهم  لمفرداتٍ تورق وجدان الملوّعين في بيوت الصفيح في أقصى الجنوب، في مخيمات اللاجئين، في العشوائيات المرميّة على مشارف مستنقعات الاحتضار البطيء، وفي ثنايا وطيّات أحياء وتجمعات ظلت مهمّشة، مقصية على أطراف المدن الفقيرة المهملة.!  لغتهم غابت عنها ما في تلك المشاهد كلها من دلالات لغوية من نبض الناس، ربما لحياءٍ من رثاثة أحوالهم، وقد انكشف المستور منها، ولعلّ منهم من صار مرتهناً لسقوطٍ لم يكن يرتضيه له دينه، لكنه انزلق وقد شاهد كل من حوله إمّا سارقٌ أو صار على مقربة من فرصة مواتية، وسيرى كيف يجد من يشرعنها له.

وجدتُ أن أخرج من هذه المتاهة العراقية التي توحي لنا كما لو ان هذا هو العالم، ومكتوب علينا أن نغرق في مستنقعاته ونرفض الخروج منه ونستسلم. نخرج من متاهتنا التي لنا يدٌ في رسم نسيجها، ونطلّ في عالم الآخرين "الكفرة" ، "الفاسقين"، الذين "لا يستحون من إبراز مفاتن نسائهم، ولا يغضّون أبصارهم، وهنَّ يتمايلنَ ويتغنّجنَ"!  نطلّ على عالمٍ يكره السواد إلّا حين يختلط بغيره من الألوان فيتخذ له لون الغسق أو الغروب المتهادي وبعض من خيوط الفجر ..

قرأتُ أمسِ عن هذا العالم الساحر، الفائض بالجمال الذي وعد الله عباده الصالحين بفيوض منه، أنّ انجلينا جولي، الفنانة التي طغت إنسانيتها على كينونتها المبدعة، قد دخلت المستشفى، وأعلنت أنها لن تقاوم "نحافتها" بعد أن انخفض وزنها الى (35) كيلوغراماً وتنتظر الموت، ليستيقظ العالم ويتحسس فظاعة ما يدور حوله من مشاهد تخدش حياء كلّ ذي بقايا وجدانٍ وضمير، ليعرف الناس ويحسّ العالم بمحنة الأطفال الجياع.

قرأت أيضاً أنّ هذه الفنانة الإنسانة التي سيتجنّب رجالات دولتنا وطبقتنا السياسية مصافحتها "لنجاسة يدها باعتبارها عورة "، وسيتجنب الواحد منهم النظر اليها "لتهتّكها"، قرأت أنّ ركاب طائرة متوجهة الى أوروبا، فوجئوا بأنجلينا جولي وزوجها وأطفالها يركبون في الدرجة السياحية، ولم يكن منها إلّا أن توضّح للمتسائلين بنظراتهم من الركاب: فكّرنا أنا وزوجي والأطفال أن ندفع فرق أثمان تذاكرنا، وهو مبلغٌ كبير، لأطفال اللاجئين ..!

وفي المساحة المضيئة للعالم الآخر، عالم الجمال والتوهّج الإنساني، أتابع عرض الطالبة البرازيلية الجميلة كاترينا ميجليورينا (20 سنة) عبر الإنترنت لبيع عذريتها، من اجل توفير مبلغ تتبرع به لبناء منازل لأبناء بلدتها الفقيرة في ولاية سانتا كاترينا في جنوب البرازيل. والمأثرة الإنسانية لتلك العذراء لا تتوقف هنا، بل ترفض من دفع مبلغاً يفوق التصور من بلدٍ عربيّ، قيل لها إنّ شبهة فساد تحوم حوله!

وأيّ عورة سيُحار المؤمن المُشتبه بورعه ونزاهته، وهو يغضّ النظر عن  أجساد فتياتٍ لم يجدنَ وسيلة للاحتجاج على المظالم والتمييز والفقر في العالم، غير الإفصاح عن لغة أجسادهنَّ، وهنَّ عراة، كما كانت أمهنَّ حواء ..!

مَن هي العورة؟ ومن هو الذي تُفتَضّ بكارة يقينه: عذراء أميركا اللاتينية أم الذين تكتسي جباههم بوشم السحت الحرام؟

يا أنجلينا جولي، سأتوضّأ مرّتين قبل أنّ أُقبّل يديك.. مرّة لأتنظّف من آثار مصافحة مَن أفسدوا هواء وطننا، وأخرى لكي لا أُفسد عليكِ وضوءكِ الدائم وطهارة روحك ..!

  كتب بتأريخ :  السبت 09-04-2016     عدد القراء :  3519       عدد التعليقات : 0