الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
جهاز التعايش لجواد مبروكي

كتب الدكتور جواد مبروكي رأيه في مقال نشره موقع الـ CNN ، حول قيام "الصناعة الروحانية " بإختراع جهاز التعايش" فأندفع ، كما يقول ، للبحث عن هذا الجهاز مع يقينه بأن كل شي روحيّ هو غير مادي ولكنه استمر في بحثه عن هذا الجهاز العجيب ، فوجد بعد حين أن مجموعة من الشباب من طوائف وملل مختلفة تدير حملة لتسويق جهاز التعايش وحصل على نموذج منه وهو غير مصدق ومنها بدأ بقراءة كتيب الاستخدام الذي عرّف الجهاز بأنه عبارة عن شريحة صغيرة غير مرئية تلصق على القلب ويتم شحنها ، لضمان أفضل إداء ، من خلال :احترام الآخر، الطيبوبة، الحب ، السلام ، العناية ، الكرم ، اللطافة ، العدالة ، الرحمة ، الإنصاف ، صفاء القلب ، الانقطاع ، الخدمة ، الصدق .

يقول الدكتور مبروكي "عندما يشتغل الجهاز يمكنك التعامل مع كل إنسان دون أي تعصب، يمكنك معاشرة جميع الأديان بكل مودة، لن تصدر الحكم على الآخرين، لن تنظر إلى أنك الوحيد دون غيرك الذي تمتلك الحقيقة، و لن تعتقد أكثر أنك ذاهب  إلى الجنة وغيرك إلى الجحيم، ولن تعتبر أن دينك هو الأفضل بالمقارنة مع الأديان الأخرى، ولن تؤمن أنك تشكل جزءا من شعب الله المختار دون غيرك، لن تكره أحدا، ستتحول وتصبح جيدا، سعيدا، تزرع السلام في قلوب جميع الناس، سترى في كل إنسان أخاك وفي كل سيدة أختك لن ترى الفرق بينك وبين الآخرين، سترى أنك وغيرك في حيك، مدينتك، بلدك، قارتك، كوكبك، كلكم  أوراق وفواكه شجرة واحدة ".

مع تنوعنا الكبير ، كم نحن بحاجة لجهاز التعايش هذا لإعادة بناء تلك الفسيفساء الجميلة التي كونت الشعب العراقي منذ عصور بعيد إمتدت في عمق التأريخ ، ساهم الجميع في بناء الحضارة التي لانزال حتى يومنا هذا بعد آلاف السنين غير قادرين على إستنباط أهم دروس التلاحم الاجتماعي منها ، اجيال واجيال تلاحقت على تلك الارض المباركة أديان وأنبياء عبرت رسالاتهم السماوية من فوق صحرائها وكثبانها وجبالها ، أمتدت لترسم لنا صورة عن تلاحم فريد لم يحسن البعض قراءته في إشارات كبيرة على أن تلاحمنا هو من ينجز دروس الحضارة والتقدم في الوطن .

الوطن الواحد الذي نعيشه لايمكننا إكمال صورته وحدود خرائطه دون تعايش سلمي تحترم الفئآت الكبيرة فئآته الصغيرة وتشركها في كل القرارات ، تشعرها بأهميتها في بناء الوطن وأهميتها في صنع قرار وحدته ، وبعكس هذا فنحن نسمح لأظافر التخلف والتعصب أن تنهش في جسد وحدته وندفع به بعجالة الى محيط من الضياع والتشرذم من الصعب بعد ذلك لم الشتات الذي بعثره تخلفنا في بناء وطن عمدته دماء الابرياء منهم .

جهاز للتعايش ؛ قد يكون أمر غريب أن يكون له وجود ولكننا كنا نعيشه على الاقل بين ابناء شعبنا بعيداً عن سياسة الحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنين في عملية تصاهر كبيرة تشهد اليوم اجيال من العراقيين من اب وأم من قوميات مختلفة ومن طوائف مختلفة أو حتى من أديان مختلفة ، وصداقات كبيرة وعلاقات إجتماعية متفردة وجيرة محفوظة حتى اللحظة وحتى ظهور التعصب الطائفي والديني الأعمى  حتى وقع الكثيرون ممن لا حول لهم ولا قوة فرائس لسطوة اسلحتهم واسنة رماحهم التي لم ترحم أحد منهم .

لأول مرة تخلو مدينة الموصل من المسيحيين ، بمزيد من الحزن والآسى قال بطريرك الكلدان في العراق والعالم، لويس ساكو إنه لأول مرة في تاريخ العراق، تفرغ الموصل الآن من المسيحيين، و أن العائلات المسيحية تنزح باتجاه دهوك وأربيل في إقليم كردستان العراق ، وقال البطريرك ساكو، إن مغادرة المسيحيين وعددهم حوالي 25 ألف شخص لثاني أكبر مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها إلى نحو 1500 سنة، جاءت بعدما وزع تنظيم "داعش" الذي يسيطر على المدينة ، بياناً يطالبهم بتركها .

لقد قدر عدد المسيحيين الذي هجروا بـ 900 ألف نسمة منذ عام 2003 منهم من فر الى خارج الوطن ، ولا أعتقد أن لهم عودة بعد ذلك فما نابهم من التنظيم الارهابي يفوق التصور ولا يمكن لمفراس أن يتلمس للعنف هناك صورة ، أنها تفوق كل خيالات الرعب .

أما الايزيديين ، فمصيبتهم أكبر في الدفن أحياء والسبي والبيع في سوق النخاسة الذي ابتدعه الارهاب في عصر الحضارة ، ولازالت المقابر الجماعية التي يتم إكتشافها في مدينة سنجار المحررة تكشف عن دلائل واضحة المعالم لعظم ما مر به أتباع تلك الطائفة من إستهانة في حقوقهم الانسانية من قبل العصابات الارهابية في أب/أغسطس 2014 حيث قتل ما يقارب 5000 منهم وسبيت الايزيديات ، وهرب البقية الى شُعاب جبل سنجار وحوصروا هناك لأيام عديدة مات منهم من مات بسبب البرد والجوع والعطش والمرض ، واحدة من قصص الخوف الذي عانته الاقليات العرقية الإثنية في العراق ، وحتى اليوم لازال المسيحيون وغيرهم يعانون من النظرة الفوقية لبعض المتعصبين من كل الطوائف لهم ، فلطالما كانت تلك النظرة التي لا تنم إلا عن تخلف كبيرة تدفع بالكثيرين من ابناء الطوائف الى الانزواء في وطنهم أو بعيداً عنه.

يجب أن لا تزاحمنا مشاكلنا السياسية ومشروعنا الوطني للإصلاح  ؛ أن نغفل عن تلك الطوائف بأي حال من الاحوال ، هم شركاء الوطن وأصلائه ولهم حقوق وعليهم واجبات ، وقد يساعد كثيراً منحهم الفرصة في الاصلاحات الجديدة لإعادة إثبات وجودهم في المجتمع العراقي ومنحهم الاهمية الكبيرة في ذلك بما يقوي من قدرتهم وزعاماتهم الدينية والسياسية في الدفاع عن حقوق اديانهم واقلياتهم ، ولا نعتقد ان لايوجد مسيحي تكنوقراط قادر على أن يتسلم وزارة من وزارات "الظرف الابيض" أو حتى أحد الاخوة من التركمان أو من أبناء شعبنا بتنوعاته الجميلة .

علينا منحهم الثقة المطلقة بأهميتهم بصنع واقع العراق وحضارته وان نشركهم في تقرير مصير وطنهم فتلك أهم عناصر التعايش أن يشعر الأخرون معك بأهميتهم كشركاء حقيقيين في صنع المصالحة الوطنية والتكاتف الوطني حينما يؤمنون بالعدالة الاجتماعية وفق القيم الانسانية العليا .

التعايش يجب أن تكون له صورة أكثر عمقاً في العراق ، لما يتعرض له البلد وأقلياته من إضطهاد غير مسبوق . تتنامى معه الحاجة الى فرض نمط جديد وقوي جداً من اساليب التعايش الانساني السلمي ، جهد متواصل وحثيث على كافة مؤسسات الدولة أن تبذله وان تديمه بإحترام بالغ لكل مكونات الشعب دون استثناء في وقفه مع النفس لنستكشف ضرورات المرحلة الجديدة من حياتنا السياسية وما نصبوا اليه منها في تعميق مفهوم الخدمة العامة في ظل عدالة إجتماعية بأبعد مستوياتها للتعويض عن ما ضاع على ابناء شعبنا من فرص للتقدم والازدهار .

zzubaidi@gmail.com

  كتب بتأريخ :  الإثنين 11-04-2016     عدد القراء :  2373       عدد التعليقات : 0