الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تباً لقلمي، ومعه التواضع -2-

لمن لا يرغب بالسرد الممل

العبرة في نهاية المقال، بالإمكان إعتماد الوثب الطويل دون جهد عضلي، والأنتقال مباشرة لآخر فقرة، وفيها الزبدة

في مقالي الموسوم (تباً لقلمي، وتباً لي أنا) كتبت بعض ما مررت به في حياتي وبشكل عشوائي، على أمل ان تكون جواباً لتساؤلات البعض حول إصراري بتسخير قلمي أحياناً كثيرة للنقد واللاذع منه حسب إدعائهم، بينما أرى فيه ضرورة حتمية لتقويم الخطأ، وهذا خطأي! فأمتلأت بالخطايا والخطاة لم ينصلحوا! فبُجّل من أخطاً، وأقسوا على من قال كلمة حق وظَلموا!

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,807910.0.html

عندما انتقلنا من منطقة المشتل إلى الميكانيك، خُلتُ نفسي بانني سأكون ضيفاً على تلك المنطقة، وأقضي وقتي مع صحبتي السابقين، إلا أنني وجدت نخبة رائعة رافقتها، وما زلنا بتلك العلاقة الطيبة رغم السنين وبعد المسافات، وجلّهم من أخوية كلمة الحياة في كنيسة الرسولين مار بطرس وبولس.

ونظراً لجوار الكنيسة مع المعهد الكهنوتي، حظيت بعلاقة مميزة مع الطلاب، وكان من بينهم من يتفانى بخلق جيل من الشباب مثقف كنسياً.

أذكر بالبداية وبعد فترة وجيزة من وجودي في الأخوية، بأن الأب (أسقف حالياً) شليمون وردوني، طلب أن يتبرع أحد الشباب في تحمل مسؤولية مكتبة الكنيسة، إذ كانت بمعية طلاب الدير، والأصح أن تكون من مسؤولية الشبيبة، فلم يرفع أحد يده، وحينها كنت مندفعاً ومليئاً بالحيوية فرفعت يدي، ولم يعجب ذلك الراعي الجليل ومعه الحق، فهو لم يكن يعرفني جيداً حينها، وكنت اتصرف بعفوية مطلقة ممكن ان تقرأ بشكل مختلف، فأعاد السؤال مجدداً وأضاف، هل هناك غير زيد كونه جديد، فخلت القاعة من متبرع، فرفعت يدي مرة أخرى، فوافق حينها ديمقراطياً.

طلب مني أن اذهب إلى الأخ (الأب حالياً) سلوان تبوني لأستلامها، وحدد موعد لذلك.

عند لقائي الأول مع الأب سلوان، سألني إن كنت أعرف شيئاً عن الكتب المتوفرة، بالتأكيد جوابي كلا، وبكلام لا يخلوا من الروح ونابع من القلب قال لي بما معناه: الأفضل ان تعرف ما تحتوي الكتب كي تكون جديراً بهذه المسؤولية، وكي تشجع المؤمنين على اقتنائها.

أحببت أسلوبه واقنعني، وأنكبيت على قرائتها بشغف، وكبرت المكتبة وبُنِيَتْ واحدة كبيرة في ساحة الكنيسة، وزاد عدد الكتب أضعافاً مضاعفة، وادخلنا معها التقويات والصور الدينية، وكل ذلك من خلال الأرباح التي كنّا نجنيها من البيع الذي بدأ مع الكتب، بعد أن رصد المطران شليمون وردوني مبلغاً من المال كنثرية، وكان لي حرية تامة في التصرف مع حكمة المرشد بالمتابعة بأسلوب غير مباشر، وكنت أشعر بأنها مكتبتي وليس كل الصلاحيات، وذلك بأختيار الكتب والتقويات المناسبة، ودعم نشاطات الأخوية والتعليم المسيحي بالهدايا التي يحتاجونها، ورغم ذلك لم أكن أشعر بأنني المسؤول المطلق، بل كنت استشير راعي الكنيسة وطلاب الدير ومن له الخبرة بكل جديد، كي لا أكون الآمر الناهي في كل شيء، وللأمانة أقول: بعد سفري عام 1994، تابع المهمة الأخ وسام بطرس، وفاقني في الخدمة بأشواط.

أصبح تفكيري وعقلي في كنيستي، وشجعني طالب الدير (المطران حالياً) بشار متي وردة في القاء محاضرة، وساندني، وكان له اسلوب مميز برفع المستوى الفكري والروحي للشبيبة، وقد شكل حينها ثنائياً رائع مع الأخ (الأب حالياً) ماهر كوريال.

ومن ثم محاضرة ثانية وثالثة والتي رفض فيها المطران بشار أن يجلس معي لمساندتي قائلاً: انت تبلي البلاء الحسن، ولا تحتاجني فيما بعد.

بالحقيقة أنا متأكد من انه قال ذلك تشجيعاً، وواثق بأنني لم أكن هذا الكفؤ، إلا إنه نجح فعلاً في خلق محاضر، وله دور مهم في الكنيسة، حيث اتفق الأغلب على أن أكون مسؤولاً للأخوية خلال أقل من سنة قضيتها معهم.

وحقيقةً لم أشعر يوماً بأنني قائدٌ او زعيمٌ، ولم يكن لي الشعور بأن قراري هو النافذ، كل شيء مشترك، وأعتمد كلياً على الأخوات والأخوة وطلاب الدير في النشاطات التي تميزت بها كنيستنا، واعتقد جازماً، وجود مسؤول وليس زعيم، يعتمد على نخبة من المسؤولين، سبب رئيسي في نجاح أي مشروع، فالكل مسؤولٌ، والكل فاعلٌ وخادمٌ، هكذا فهمت من كنيستي.

أذكر أحياناً قدوم شاب للأخوية يعرفه القدامى في المنطقة وغايته المغازلة او إستمالة إحدى الفتيات، وكانوا يطلبون منّي أن أتخذ موقف ضده، واول ما يدار في خلدي هو تاريخي والذي لم يخلوا من الهفوات، فكنت أجيبهم: لا عليكم، إذهبوا وصادقوه، وبذلك له خيارين لا ثالث، أما أن يكون واحداً منّا بحبه للكنيسة، او لن يجد ضالته معنا فيتركنا، في الوقت نفسه، كان في أخويتنا ومن المؤسِسات وما أروعهن، مشهوداً لهن بالأخلاق، كنت أطلب منهن ان يقتربن أكثر من الفتاة التي يحوم الشاب حولها كي تشعر بوجودها في الأخوية ضمن أخوات وصديقات،

ونجحنا في أكثر من حالة مشابهة.

قبل وصولي للأردن في 12-8-1994، كان هناك خيرة من الشابات والشباب قد أسسوا أخوية هناك، والتحقت معهم وتعرفت عليهم، وكانت علاقة لا يمكن وصفها.

لم يكن لدينا كاهن مسؤول، لذا أصبحت كثير من الأمور يتم التنسيق لها من خلالنا.

طلب منّا كاهن الرعية التي استضافتنا الأب لويس قصاب رحمه الله – كنيسة السريان الكاثوليك، أن يكون لنا اشخاصاً مسؤولين للأخوية ولجاناً، إنسحبت حينها من الترشيح مؤكداً بان وجودي ضروري بين الأخوات والإخوة وبدون أية مسؤولية، وتم ما اراد ولم أكن بأي منها، وبعد فترة وبالتنسيق بين مسؤول الأخوية ورؤساء اللجان، اعلنوا بأنني مسؤول عن الأخوية شئت أم أبيت، فرضخت للطلب، ولم يزيدني ذلك غير الحب، كوني لست سلطة بل مسؤول حالي حال كل شخص في الأخوية.

بعد فترة كان علينا أن نجد مكاناً آخر لأجتماعاتنا، فذهبنا إلى مدرسة (تراسانتيس) وتعني الأراضي المقدسة، واستقبلنا الأب الراهب رشيد التابع للرهبنة الفرنسيسكانية، ورحب بنا وطلب منا أن نحافظ على نظافة القاعة والساحة بعد كل محاضرة.

في أول لقاء، طلبت في نهايته أن نعمل على التنظيف بحسب الوعد الذي قطعتله للأب رشيد، فذهبت للحال وأخذت الماسحة وادوات التنظيف ودخلت الحمام لتنظيفه، واكملت التنظيف رغم ممانعة الكثيرين، وفعلت ذات الشيء في الجمعة التالية وهو اليوم الذي كنّا فيه نجتمع، وحاولوا بقوة منعي كونهم يعتبروني مسؤولاً، ومن بعدها لم يسمحوا لي بالتنظيف ليس الحمام فحسب، بل أي مكان من القاعة او الساحة.

الخلاصة

ان تكون مسؤولاً، فهذا يعني بأن المكان يهمك ومن فيه

أن تكون سلطة، فهذا يعتمد على أنك مسؤول او متسلط

وإن كنت قائداً ضمن مؤسسة، فهذا يعني بأن هناك قادةً آخرون معك وانت على رأسهم

وإن كنت زعيماً، فلن تكون مسؤولاً ولا قائداً بل سلطة ومتسلطاً، لأن الزعيم هو المتنفذ الأول والآخير، وبهذه الحالة، لو وضع عنوان تحت المنصب فيه كلمة مدير او مسؤول او قائد، فهي مجرد تعابير، والحقيقة هو زعيم وامبراطور

في المسيحية، التواضع والحب يحددان شخصية المسؤول، إضافةً لأحترام عقول المؤمنين وكيانهم، وعلى المسؤول أن يعي تماماً بأنه إنسانٌ غير كامل، لذا فهو بحاجة إلى آخرين معه لأستشارتهم ومداولة إلى مقترحاتهم، فليس من المعقول ان يكون الكاهن او الأسقف له القرار المطلق في كل التفاصيل وقد تكون ناتجة عن مزاجية عالية، ولا يحتوي المختلفين معه او الذين ينتقدون بحق...فحتى الحق لديه باطل، ومن ينتقد أشبه بالكافر.

وضروري جداً ان يدرك بانه ومهما وصل من العلم والمعرفة، إلا أنه يبقى إنساناً ضعيفاً، وما يراه صحيحاً من وجهة نظره قد يراه الآخرون خطأً، وهم ليسوا بعبيد.

واكبر مشكلة عندما يصطبغ المسؤول بصبغة التواضع وهو لا يحملها، بل يخفي الغرور والعجرفة، مثل هذا نراه شديداً في مواقفه، ولا يحمّل أختلاف الرأي، وقراراته تشبه قرارات زعيم قبيلة او شيخ عشيرة

لذا عندما يتصوّر أحدٌ بان الأبتسامة دليل تواضعٍ، بينما ينطق الوجه والتصرف عكس ذلك، أقول:

تبأ له من تواضع...وتبأ لقلمي الذي وإن إنحنى ظهري يوماً هرماً، إلا أنه لن ينحني لسلطة مهما كانت عليا لا ترى سوى نفسها

وإن لم يتعلم الكاهن او الأسقف من المسيح والرسل التواضع والخدمة، فهل سيتعلمها من خبرتنا؟

zaidmisho@gmail.com

......يتبع......

  كتب بتأريخ :  السبت 16-04-2016     عدد القراء :  3579       عدد التعليقات : 0