فجأة استيقظ السادة أعضاء مجلس النواب من سباتهم الذي دام عشرة أعوام ، مدّوا أيديهم إلى أدراج مكاتبهم، وابتلع العديد منهم مجموعة لابأس بها من كبسولات " صحوة الضمير " ليخرجوا لنا بهتاف واحد : " لتسقط المحاصصة
بيان السادة النواب الذين يصحون دائما متأخرين عن التوقيت الصيفي للبلاد ، والذي ألقاه النائب حاكم الزاملي بشّر فيه العراقيين جميعا أن لامحاصصة بعد اليوم ، وقد بدا ذلك واضحا في هتافات النائب محمد الصيهود ، وفي هلاهل عواطف النعمة ، ولا أعتقد أنّ أي عاقل في العراق لايفرح وهو يسمع مثل هذه الاهازيج ، فجميل جدا أن يدرك السادة النواب أن رعاياهم من العراقيين لم يحصدوا خلال 13 عاما من المحاصصة ، سوى الموت والتهجير وأخيراً الإفلاس ، وجميل أيضا أن نجد النواب يغضبون ويثورون مثل باقي العراقيين ، لكنّ غير الجميل ويجب أن يقال بصراحة أن النواب جميعا تتحدد خطاباتهم على ضوء المحاصصة الطائفية والتوازن السياسي ، فلو كانت هذه الصحوة المفاجئة سلوكا عاما وعقيدة وقناعة راسخة في الأداء النيابي ، لما تطلب الأمر اعتصام وارتداء " الدشداشة " في الفضائيات .
يكرر السادة النواب " المنتخبون " في كلّ أزمة سياسية نفس الخطاب : " فلتسقط المحاصصة " ، لكن ، منذ 13 عاما لم يجرؤ سياسي عراقي ان يرفض هذهه المحاصصة اللعينة ، بان يقول لزملائه تعالوا ننتخب رئيساً للبرلمان من المسيحيين ، أو دعونا من خرافة " ما ننطيها " ولنختار رئيس وزراء من خارج الكتل السياسية ، لم يبق أحد إلا وخاض حربه من أجل المنافع ، وباسم الدفاع عن المكوّن انقسموا إلى جبهات وأحزاب تتقاتل وتتنافس في ما بينها ، واستضعف السياسيون العراق فحولوه إلى خربة ،. وجعلوا منه مختبرا لعقدهم وهلاوسهم وأحلامهم بالثروة والجاه والمنصب
وكنت أتمنى أن يبدأ مجلس النواب بنفسه ، ولا يختار رئيسا له حتى وإن كان مؤقتاً من إخواننا السنّة ، حيث لا يستقيم أن نطلب من المواطنين رفض المحاصصة ، بينما البرلمانيون يطبقونها وعلى الهواء مباشرة !
للاسف الذين دمّروا وخرّبوا البلاد ، تجدهم اليوم يلقون خطاباتهم عن الوحدة الوطنية ومصلحة البلد. والحقيقة أن العراق لم يكن في اي يوم من الايام بالنسبة لهم سوى مغارة علي بابا !
ولو راجع السادة النواب أنفسهم بوعيّ وضمير ، لعرفوا جيدا أنّ مشكلتنا هي " هم " لاغيرهم ، وأنهم رغم الهتافات والاعتصام لن يتغيروا ، لأنهم مستعدون لأن يهتفوا للوحدة الوطنية ، لكنهم في كل دقيقة يعرضون أنفسهم لمن يدفع أكثر! .