الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
«الدعوة».. اتركوا الصدر وشأنه

صار التَّقليد لدى «حزب الدَّعوة الإسلامية» بالعراق إقامة احتفال سنوي لذكرى المرجع محمد باقر الصَّدر (أُعدم 1980)، يُلقي فيه أمين الحزب كلمة، إلا أنه ومنذ أن أصبح للحزب رئاسة الوزراء لا يضيع نوري المالكي الفرصة لاستغلال الصدر ضد خصومه، وهم من غير السائرين في المشروع الإسلامي. فقبل ذلك، ومن النجف، عبّر عن فرحته بفوز الإسلاميين في مصر وتونس، وهدد العلمانيين و«الملحدين» حسب تصنيفه للناس، بالزوال، متناسياً أن الدولة التي أصبح رئيس وزرائها، شيدها العلمانيون الذين يعرفون الحدود بين الدِّين والدولة، وبعد حين وضعها الأميركيون بيده وبيد بقية الإسلاميين.

وقتها تصور أمين «الدَّعوة» أن حزبه بما أنه إسلامي (النسخة الشيعية من «الإخوان المسلمين»)، وأن في إيران حكم إسلامي ثوري، علاوة على صعود «الإخوان» بمصر.. فإن المشروع الإسلامي إذن قد نجح وغطى الأرض وما عليها، وأنه منفِّذ لـ«حاكمية الله»! لكنَّ المالكي تحول، في خطاب هذا العام، إلى ناعية باكية، على أن هناك مؤامرة ضد المشروع الإسلامي، تسعى لإقصاء «المتدينين»، وكأن العراق قد خلا من صائم ومصلٍ. اتُّخِذ الصَّدر في كل هذه الخطابات عكازةً، واُعتبر كتاباه «فلسفتنا» و«اقتصادنا» مانفيستو الحركة الإسلامية، ومنهما يُستقى مشروع الدولة، في خطاب عام لا يقل عن عمومية «الإسلام هو الحل». لو كان للصدر مشروع دولة، أترى مِن مهام محافظ بغداد فيها، وهي بغداد، الاحتفال بسن التكليف لبناتها حسب الشريعة؟ إذا كان ذلك المطلوب، فحق عليها قول شاعر وقع قصيدته بابن ماء السَّماء: «ما بال بغداد قد ضاقت بها الحال/ وخف بالأهل منها اليوم ترحال؟!» (عز الدين، الشعر العراقي الحديث).

يُشهد للصدر، على المستوى الشخصي والحوزوي، أنه كان نزيهاً خلوقاً عالماً، وصاحب رؤية في الحوزة والمرجعية، يؤلمه الظلم، وتزعجه الطائفية، لا يشبه من اتخذوه راية، وكشفتهم ممارسة السُّلطة، في العبث بالمال العام وعدم مراعاة حرمة شعب كلت ألسنتهم من الحديث في مظلوميته، وهم في المعارضة، وكيف صاروا آنذاك منفذين لعمليات تفجير واغتيال، قُتل فيها الفنان والموظف البسيط ولم تمس السلطة بسوء، يصعب على العارف بأخلاق الصدر الشك في عدم موافقته عليها والسكوت عنها.

لا أُبالغ في نزاهة الرجل، حتى كأنه خُص بالبيت: «على الحصير وكوز الماء يرفده/ وذهنه ورفوف فوقها الكُتبا» (الجواهراي، قف بالمعرة). لا يملك غير الحصير ورفوف الكتب، ولم يُدخل لبيته ما يؤتى إليه مِن أموال «الخمس»، أو ما عُرف لدى المرجعيات الشيعية بـ«حق الإمام»، توزع في محلها قبل وصولها الدار. لا نجد أي صلة بين سلوك الصدر وسلوك من هم في السلطة اليوم، لهذا ليتهم يكفوا عن رفعه راية على رؤوس الناس.

نعم، كان الصدر مع الثورة الإيرانية، وأُعجب بالخميني (ت 1989) أيما إعجاب، لكنه صار ضحية ما كان يجوب شوارع طهران من تظاهرات باسمه، وبرقية أُذيعت من طهران تنصحه بالبقاء لقيادة ثورة إسلامية داخل العراق، فأفصح في أيامه الأخيرة لأحد المراجع اللبنانيين (كان منتمياً لحزب الدَّعوة بالنجف آنذاك ومرشح الصدر ليكون وكيله الشرعي بمدينة الشطرة): «ورطتنا إيران» (سمعتها منه شخصياً)! كيف لا وهو القابع في داره داخل النجف وتُحصى عليه أنفاسه، بينما العمائم بإيران كانت مزهوة بانتصارها.

السؤال: إن رجلاً بهذه المواصفات، هل سيظل معجباً بالثورة الإسلامية بإيران، لو سمع بظلامة كبار مراجع الدين هناك؟ بين قتيل وحبيس في داره حتى الوفاة، وتطوف حول داره المظاهرات المنددة على الطريقة الصينية الثورية؟ أتراه سيبقى على موقفه وهو يرى صادق خلخالي (ت 2003) يقطع الرقاب على أن كل مختلف مع الثورة عُدَّ مجرماً، ويقول مستهزئاً بالدِّماء: «البريء يدخل الجنة..»؟

أقول: هل تبقى للصدر صلة بـ«حزب الدعوة»، إذا رأى القائمين عليه يتفاخرون ويتسابقون بتقديم أكلة «الفسنجون» لحاكم العراق بول بريمر؟ وهل سيرضيه استغلال اسمه من قِبل من وزع عقارات الدولة، وباع أراضي من النجف كصفقات، للبقاء في المراكز العليا، بأسعار بخسةٍ، أو يبقى راضياً برفع صورته، ويستغل مكانته الأقارب والأصهار؟ فكل هذا منوط برئيس للوزراء بيده القوة والمال. هل سيسعده خطاب: «المعركة بين الحسين ويزيد»، ورفع شعار «مختار العصر» في الشوارع والدوائر، إيغالاً بالطائفية، بينما كان (الصدر) ينادي: «يا أبناء علي ويا أبناء عمر». ماذا سيكون موقف الصدر لو سمع أمين «الدعوة» يضع ولده فوق الجيش والشّرطة؟ وهو الذي حرم ولده وبناته من شرب الماء البارد في قيظ النجف؟ أقول إذا كانت هذه دولة الصدر، التي يبشرنا بها أمين «الدعوة»، فعلى العراق السلام.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 20-04-2016     عدد القراء :  3393       عدد التعليقات : 0