الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أي إصلاح نريد!؟
بقلم : محمد علي الشبيبي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ليكن شعارنا (انتخاب وطني نزيه وكفوء خير من انتخاب طائفي او قومي فاسد وجاهل)

منذ سنوات والتظاهرات بمبادرة التيار المدني الديمقراطي بجميع أطيافه في تظاهرات متواصلة مطالبة بالإصلاح. ومن الغريب أن تتحرك بالفترة الأخيرة كتل وقوى سياسية كانت ومازالت هي من المساهمين في تخريب مؤسسات الدولة، وسرقة أموال الشعب من خلال صفقات عقود نفطية واسلحة واستثمارات فاسدة، أو من خلال بيع المدن والسجناء الارهابيين للدواعش. باختصار هذه الكتل التي تحاول ركوب موجة الاصلاح هي من أنتفض الشعب ضدها من أجل كشفها وفضحها وتقديمها للمحاكمات العادلة. وهذه الكتل الفاسدة اليوم تحرك أتباعها لتبني شعار الإصلاح لغرض ركوب الموجة والتسويف! فإذا الكل يرفع شعار الإصلاح بدءا من الحكومة بكل وزرائها ومسؤوليها، ومجلس النواب بجميع كتله، والشعب بجميع طوائفة وقومياته، والكتل السياسية والأحزاب، جميع هؤلاء رفعوا شعار الاصلاح! فالسؤال المطروح: إذا جميعكم تطالبون بالإصلاح فأخبروا الشعب عن أي أصلاح تبحثون، وما هي أدوات هذا الإصلاح! بالتأكيد لا يتم الإصلاح بنفس الأدوات الفاسدة التي سيطرت على السلطة خلال 13 سنة وعبثت بالدولة ومؤسساتها ونشرت الخراب والفساد!

هذه تساؤلات جعلت عامة الناس الغير متبحرين بمطبات السياسة وتلاعب السياسيين الغير نظيف في ضياع وتيه. لذلك اجد نفسي وبتواضع ان اكتب عن هذا الاصلاح المنشود. بداية أن (العملية السياسية) التي أجمعت عليها القوى السياسية تم اختطافها وتشويهها وتحولت الى عملية تخريب وتدمير ونهب لأموال الدولة وشحن طائفي ومحاصصة طائفية، وتأسيس وتوسيع المليشيات، وإشاعة الفساد في مؤسسة الجيش والأمن، وتخريب وإفساد مؤسسة القضاء، وحرف جميع الهيئات المستقلة وتحويلها الى مستَغَلة، حتى مجلس النواب تحول الى مؤسسة لتشريع القوانين من أجل مصالحه وعرقلة القوانين التي تمس حياة الشعب ... هذه العملية فقدت أهدافها وتحولت الى محاصصة طائفية-إثنية مقيته  لمحاربة الدستور (بالرغم من نواقصه) بالدستور نفسه، ومحاربة الديمقراطية بالديمقراطية المشوهة، ومحاربة القضاء بالقضاء الفاسد .... والجميع للأسف يتحدث عن العملية السياسية، بينما هي ولدت أصلا مشوهة تحمل في داخلها أمراض إعاقتها القاتلة، وزاد من تشوهها وإعاقتها هو جهل من أشرف على ولادتها (الاحتلال الامريكي وممثله بريمر) ومن ثم من أستلم رعايتها من كتل إسلامية طائفية متخلفة وقوى قومية شوفينية تفتقد للشعور الوطني والانتماء العراقي.

يجب أن نعترف أن العملية السياسية مشوهة وأصبحت معاقة حتى لا يمكنها معالجة أمراضها وإعاقاتها إلا بعملية جراحية كبرى. والإصلاح الذي نطالب به هو هذه العملية الضرورية لعلاج أمراض الاعاقة والتشوه الذي رافق العملية السياسية. وهذا يتطلب في اعتقادي أن نبدأ من:

أولا: تشريع قانون جديد للانتخابات يعتمد على القائمة المفتوحة الواحدة للعراق كدائرة واحدة. وعدم تقسيم العراق الى محافظات. والذين يطالبون بقوائم للمحافظات بحجة ان ممثلي المحافظة هم أدرى بمشاكل محافظتهم ومواطني المحافظة هم أعرف بأبنائهم المرشحين! أقول لهم لقد جربتم انتخاب (أبناؤكم) من نفس المحافظة فما الذي قدموه لكم خلال هذه السنوات غير النهب وسوء الخدمات وتدهور متزايد ومتواصل في التعليم وخدمات الصحة والبلدية وغيرها، وتعيين أقاربهم ومعارفهم!؟ بينما القائمة المفتوحة لكل العراق يمكنكم من خلالها اختيار الوطنيين والنزيهين والأكفاء ممن شهد لهم تاريخهم على مدى عقود. انتخاب وطني نزيه وكفوء خير من انتخاب طائفي او قومي فاسد وجاهل. ليكن هذا شعاركم وهو مفتاح وخطوة أولى نحو الإصلاح الفعلي!

ثانيا: إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات بإشراف أممي، وبمنافسات علنية وطرح تاريخ المرشحين علنا وفي الصحافة ووسائل الاعلام قبل أن يبت بهم مجلس النواب، وإبعاد جميع الشخصيات التي تشوب حولها شبهات الفساد من اي تشكيل جديد. والتحقيق الجاد والشفاف في جميع شبهات الفساد التي رافقت المفوضيات خلال عملها.

ثالثا: إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى والمحكمة ألاتحادية، واختيار قضاة نزيهين مشهود لهم بالمواقف القضائية العادلة والجريئة البعيدة عن المساومات السياسية ... وإبعادهم عن المشاركة بأي نشاط سياسي أو صراع سياسي إلا بما يقتضيه عملهم المهني. وإعادة النظر بقوانين مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية بما يخدم عملية الاصلاح الفعلي ومكافحة الفساد في المؤسسة. كما يجب إعادة النظر بالقضاة الذين طرؤوا على سلك القضاة من خلال معاهد غير مختصة بتخريج قضاة منحازين وطائفيين تنقصهم الخبرة والنزاهة كما هو الحال بالدورات (الخاصة بالقضاة) التي أنشأها عرابي الفساد المالكي ومدحت المحمود، وبذلك خرجوا العشرات ممن يسمون قضاة ليكونوا ادوات قذرة في محاكمة الخصوم السياسيين.

رابعا: إذا تمت الاصلاحات أعلاه بعدها يمكننا الحديث عن إجراء انتخابات جديدة لمجلس النواب وباشرف أممي فعال لا روتيني. وهذا يتطلب سن قانون لتنظيم عملية الانتخابات والدعاية واحترام حقوق الشعب في أن يرى مدنه خالية من عشوائية الدعايات والتشويه الذي تعود عليه في الملصقات. وعدم استعمال الرموز الدينية والطائفية في الدعاية، وليكن الهدف وطنيا مجردا من كل التسميات الغوغائية التي مورست لخداع البسطاء. فمهمة الدولة هي حماية البسطاء من اساليب الاحتيال والخداع والضرب على العواطف المذهبية والدينية.

هذه النقاط هي أهم الخطوات في الإصلاح الحقيقي، لا الاصلاح الذي يدعو له رئيس مجلس الوزراء ووزراءه الموقرون، ورئيس مجلس النواب ونوابه (المعتصمون والصامدون) وكذلك يدعو له رئيس الجمهورية، اصلاحهم الذي ينشدونه هو فقط لتقوية مراكزهم والصمود على كراسيهم وحماية الفاسدين في كتلهم. لتكن الخطوة الاولى هي التغيير الوزاري وهي الامتحان الاخير لجدية العبادي في الاصلاح، ولكن هذا التغيير لا يعفي رئيس الوزراء ووزراءه ومجلس النواب ورئيس الجمهورية من إجراء الخطوات الضرورية الأربعة التي أشرت اليها أعلاه، إضافة لإجراءات اخرى مهمة كمكافحة الفساد والفاسدين في المؤسسات (بعد اصلاح القضاء)، لأن اي محاكمات للفاسدين في ظل مؤسسة قضائية فاسدة ويشوبها الفساد وعدم النزاهة، سيحصل الفاسدون منها على براءة ذمة وشهادة شرف مزيفة، وتضيع اموالنا المنهوبة!

وأيضا يتطلب إعادة النظر بهيكلة -الجيش والمؤسسة الأمنية والمخابراتية- وبالرتب التي منحها القائد الضرورة (المالكي) بصورة طائفية مقززة، مما جعل هذه المؤسسات مرتع للفضائيين والفاسدين والفاشلين، وأصبحت حكرا على (الشيعة والسنة والاكراد) وخلت لأول مرة في العراق هذه المؤسسات الوطنية من الصابئة والمسيحيين والأزيدية والقوى العلمانية ذات التوجه المدني الديمقراطي! أما الرتب التي تم منحها فكان يراد منها شراء الذمم وتشكيل مؤسسات فاشلة يتحكم بها فاسدون لتنفيذ مشاريعهم القذرة. وقد حصدنا نتائج هذا الفشل بسقوط مدننا وبالعقود الفاسدة والمتواصلة ...! وهذا يتطلب من بناء مؤسسات عسكرية وأمنية ومخابراتية مهنية ووطنية بكل ما تعنيه المهنية والوطنية من مفاهيم بعيدا عن الفكر الطائفي والقومي المتشنج. الجميع يلاحظ فشل المؤسسة الأمنية وفسادها بحيث تخلت هذه المؤسسة عن أهم مهامها في حماية القانون والمواطن ومؤسسات الدولة وتركت ذلك تحت رحمة العرف العشائري المتخلف والى مافيات الفساد والمليشيات المارقة. فأصبح الطبيب والقاضي والمهندس والاعلامي والمواطن عرضة للتهديد والخطف والتصفيات من قبل مليشيات أو جهات بحجة العرف العشائري، وضاع الحابل بالنابل!

الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة (وخاصة الاوربية) في مكافحة الفساد، وقوانين الضرائب ومتابعة تهريب الاموال، وضبط عمل البنوك والشركات ومتابعة تنقل الاموال وطريقة صرفها، وسن القوانين التي تنظم الحياة الاقتصادية والتجارية للحد من الفساد بكل أشكاله.

القيام بإصلاح اداري يجنب المواطن الروتين القاتل الذي هو أحد آفات الفساد المقصودة والممنهجة، وذلك من أجل سير معاملات المواطنين بانسيابية وحرص، ومحاسبة المسؤولين عن مؤسسات الدولة عن التسيب والإهمال والتسويف في المعاملات. وهذا يتطلب بث الروح الوطنية والشعور بالمسؤولية والتضحية ونكران الذات، بعيدا عن المزايدات بالمشاعر الطائفية والقومية التي جلبت للعراق كل هذا الخراب.

بالتأكيد هناك قضايا كثيرة يمكن إثارتها وكلها تستحق الاهتمام ولكن أرى أن ما أثرته هو بداية الاصلاح الحقيقي والجاد!

  كتب بتأريخ :  الإثنين 25-04-2016     عدد القراء :  1968       عدد التعليقات : 0