الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الشيوعيون من السجناء السياسيين .. متى يتم إنصافهم ؟
بقلم : زهير ضياءالدين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

عندما صدر قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم (4) لسنة 2006 حُدد نطاق سريانه على المشمولين بأحكامه بالمدة من 17/7/1968 لغاية 8/4/2003 مما تسبب في حرمان السجناء السياسيين في الفترة السابقة لتاريخ 17/7/1968 . وبقي الحال كذلك إلى أن صدر قانون التعديل الأول لقانون المؤسسة الرقم (35) لسنة 2013. وقد نشر قانون التعديل هذا في جريدة الوقائع العراقية بعددها (4294) في تشرين الأول من عام 2013 ، وأصبح نافذاً من تاريخ النشر وملزماً لجميع مؤسسات الدولة.

وقد نصت المادة (5 / أولاً) من هذا القانون على الآتي:"تسري أحكام هذا القانون على السجين والمعتقل السياسي ومحتجزي رفحاء من العراقيين وأزواجهم وأولادهم من الأجانب، ممن سجن أو اعتقل أو احتجز في ظل نظام البعث البائد وفقاً لما يأتي :

1- للمدة من (8/2/1963) ولغاية (18/11/1963) وضمنها إطلاق سراحه، علماً أن لا يكون له قيد جنائي.

2- للمدة من (17/7/1968) ولغاية (8/4/2003).

وبموجب هذا النص تم شمول السجناء السياسيين الذين أحتجزوا أو سجنوا بعد إنقلاب شباط الأسود وهم بعشرات الآلاف، وغالبيتهم من الشيوعيين وعوائلهم وأصدقائهم الذين عانوا من مختلف أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي، بحيث دمرت آلاف العوائل التي فقدت الشهداء، وألحق اشد الاذى بحياتها ومستقبلها.

لذا جاء التعديل الأول لقانون مؤسسة السجناء السياسيين انصافاً لهذه الشريحة المناضلة والمجاهدة من أبناء الشعب . وان من عاصر فترة نظام البعث الذي تسلط على العراق بعد إنقلاب شباط الأسود، يتذكر كيف كانت تتم المداهمات والإعتقالات والزج بالمعتقلين في الملاعب ودور السينما ومراكز الحرس القومي بسبب عدم إستيعاب السجون ومراكز الاعتقال لآلاف وآلاف المعتقلين ، وكيف كانت تتم عمليات التعذيب في انتهاك بشع لحقوق الإنسان والعدالة. وبقي الآلاف من المعتقلين أشهرا وسنوات دون أوامر قضائية بإلقاء القبض عليهم أو عرضهم أمام قضاة التحقيق وإحالتهم إلى المحاكم المختصة كما ينص القانون. وأستشهد خلال ذلك الآلاف منهم دون وجود أي إقرار رسمي أو محرر يثبت هذه الحالات، بل أن العديد من العوائل لم تستلم جثث أبنائها.

وبقي الحال كذلك إلى أن سقط نظام البعث في 18 شهر تشرين الثاني عام 1963 حيث أطلق سراح قسم من المعتقلين والمحتجزين بينما إستمر إعتقال وإحتجاز آخرين .

فياترى كيف يتمكن المعتقلون بموجب الصيغ المذكورة آنفاً من إثبات تعرضهم للإعتقال أو الإحتجاز بوثائق رسمية؟ حيث كان هناك غياب تام للقضاء والاجراءات القانونية الأصولية، مما يجعل من الانصاف أن تؤخذ تلك الظروف بنظر الإعتبار عند إنجاز معاملات السجناء والمعتقلين والمحتجزين خلال الفترة المذكورة.

ومن المستغرب عند متابعتنا لمدى تنفيذ مؤسسة السجناء السياسيين للتعديل الأول لقانون المؤسسة، الذي أشرنا إليه آنفاً، ومدى شمول السجناء خلال فترة حكم البعث الأولى التي تنحصر بين 8 شباط 1963 و18 تشرين الثاني 1963 والتي كانت أكثر دموية وتسلطا من فترة حكمه الثانية، ووقع الجزء الأكبر من الظلم فيها على الشيوعيين وعوائلهم وأصدقائهم، أننا تلمسنا توجها داخل المؤسسة ومن خلال بعض العاملين أو المستشارين لديها، لتفسير نص المادة (132) من دستور جمهورية العراق بما يجعلها تشمل السجناء الذين حكموا خلال الفترة الثانية لحكم البعث - ما بين 17 تموز 1968 و3 نيسان 2003 فقط، ما يعني عدم دستورية التعديل الثاني لقانون المؤسسة الذي تم بموجبه شمول السجناء السياسيين خلال فترة حكم البعث الأولى في عام 1963!

وفي مناقشة هذا التوجه السلبي من الضروري أن نشير إلى عدد من النصوص الواردة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ذات الصلة بالموضوع وكالآتي :

• نص الفقرة (ب) من المادة (2) من الدستور التي لا تجيز سن قانون يتعارض مع مبادىء الديمقراطية.

• نص الفقرة (ج) من المادة (2) من الدستور التي لا تجيز سن قانون يتعارض مع مبادىء الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور .

• نص المادة (14) من الدستور التي تنص على أن العراقيين متساوون أمام القانون دون تميز لأي سبب كان .

• نص المادة (16) من الدستور التي تنص على كفالة تكافؤ الفرص لجميع العراقيين .

• نص المادة (113/ ثانياً) من الدستور التي لا تجيز سن قانون يتعارض مع الدستور.

• نص المادة (132/ أولاً) من الدستور التي تضمنت كفالة الدولة رعاية ذوي الشهداء والسياسيين والمتضررين من الممارسات النفسية للنظام الدكتاتوري البائد.

هذه النصوص الدستورية تتضمن في أكثر من موقع الحق المطلق لجميع السجناء السياسيين قبل سقوط النظام في التاسع من نيسان عام 2003 بجميع الحقوق الواردة في قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم (4) لسنة 2006 (المعدل) دون أي تمييز أو مفاضلة، وإن أي توجه من المؤسسة بحرمان شرائح أساسية من السجناء السياسيين من الامتيازات الواردة في قانونها يشكل خرقاً وانتهاكاً لدستور جمهورية العراق، وبالتالي فإننا نؤكد شمول جميع السجناء, المحتجزين السياسيين خلال فترة حكم البعث الأول بالقانون وبجميع إمتيازاته، ولا يجوز لأحد التشكيك بهذا الاستحقاق .

كما إننا من خلال متابعتنا لمعاملات السجناء السياسيين الذين تم شمولهم بالتعديل الأول لقانون مؤسسة السجناء، نلاحظ ان هناك من يحاول بشكل ملموس حرمان العديد منهم من الحصول على حقوقه التي حددها القانون، عبر مطالبتهم بقرارات أو مستندات من جهات قضائية ورسمية لإثبات طلباتهم، متناسين حالة الارهاب وانتهاك الحقوق التي كان يعيشها العراق في حينه، حيث كان هناك غياب تام للقضاء وهيمنة ميليشيات حزب البعث وسيطرتها على جميع أجهزة الدولة.

يضاف إلى ذلك التفسير المجحف لنص القانون من خلال حصر الاستحقاق للسجين بالفترة التي قضاها في السجن أو الاعتقال بما تحقق ضمن الفترة المحصورة بين 8 شباط 1963 و18 تشرين الثاني 1963 بغض النظر عن إمتداد فترة سجنه أو إحتجازه الى ما بعد 18 تشرين الثاني 1963 مما يشكل تفسيراً جائراً ومجحفاً بحق هذه الشريحة.

كما نود ان نشير ان الى الفقرة (رابعاً) من المادة (6) المعدلة من القانون حددت كيفية اثبات وقوع السجن او الاعتقال او الاحتجاز وذلك بالأدلة التحريرية المفيدة قانوناً، ومنها ما تم تثبيته في السجلات الرسمية للجهات والدوائر الحكومية المختصة، وعند استنادها يجوز الاثبات بالشهادة العيانية المباشرة من داخل السجن او خارجه معززة بالقرائن، او اللجوء الى قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 (المعدل). وهذا يعني فتح المجال واسعاً امام السجين السياسي لإثبات سجنه او حجزه بكل طرق الاثبات، الا ان واقع الحال يشير الى حصول تشدد في وصول قاضي التحقيق الى القناعة لاتخاذه قرارا بشمول السجين السياسي بامتيازات قانون المؤسسة، مما تسبب في حرمان اعداد غفيرة من السجناء السياسيين من استلام حقوقهم اسوة بأقرانهم، رغم ما قدموه للوطن من تضحيات جسيمة جعلتهم يعيشون ضمن عوائل محطمة ومعوزة بسبب انعكاسات سجنهم او احتجازهم، مما يتطلب من الجميع النظر الى هذه الشريحة بعين الاحترام والتقدير، وبالإجلال لما قدموه من تضحيات، ولتعويضهم عن تلك المعاناة ومنحهم مستحقاتهم كاملة اسوة بأقرانهم .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 26-04-2016     عدد القراء :  2475       عدد التعليقات : 0