الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التظاهر والاعتصام والاحتجاج حق دستوري ولكن...!

أن حق التظاهر والاعتصام السلمي كفله الدستور العراقي الحالي مع العلم أن الدساتير السابقة نصت على أحقية التظاهر السلمي بالرغم من التسويف واستغلال المواد الدستورية لمآرب سياسية خبيثة، لكننا مع ذلك نستشهد بالدستوري الدائم الحالي فقد نصت المادة ( 15 ) من الدستور لعام 2005 إضافة إلى ما جاء في المادة ( 19 ) " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود" كما نصت المادة ( 38 ) "تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، حرية الصحافة والطباعة والإعلان والنشر، حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وفقا لقانون ينظّم ذلك" هذه الفقرات والمواد وغيرها في الدستور تتوافق مع الكثير من الأحكام والقوانين الدولية فيما يخص الحقوق الدستورية لحق التعبير عن الرأي وهي تتطابق بشكل عام مع لوائح حقوق الإنسان ولهذا عندما تتكفل الدولة دستورياً بحماية التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات السلمية فذلك يدل على مدى استيعاب الحق الدستوري الذي يضمن للمواطن حقه في التعبير والاحتجاج، إلا أن الجانب الآخر هو الواجب الذي يقع على عاتق المتظاهر السلمي الذي يجب مراعاة قاعدة متعارف عليها والتي ترفل " بالسلمي " أي نبذ العنف والاضطراب الذي يؤدي إلى التطاول والتخريب بالممتلكات العامة أو الخاصة، كما يجب نبذ حمل السلاح أو استعماله لأنه أداة لخلق ردود غير طبيعية وقد يستغل في استعمال عنف مضاد يخلق أضراراً جسدية ومعنوية لدى المواطنين، إضافة إلى انه بالضد من مفاهيم حضارية وممارسات ديمقراطية تحقق نجاحات في الوصول للأهداف أو المطالب وتجمع حولها أفواجاً جديدة من المتظاهرين الذين يشتركون في المظاهرات وهذا ما حدث خلال الفترة المنصرمة حيث اتسعت المشاركات والتظاهرات السلمية وأصبحت هاجساً مخيفاً لبعض الأطراف السياسية والدينية التي راحت تتحرك باتجاه

1 ـــ احتوائها وتسييرها وفق مخطط لخدمة البعض من المصالح الضيقة وتوجهاتها السياسية

2 ـــ العمل على إنهائها أو إفشالها واعتبارها مُحَركة من بعض القوى السياسية خارج السلطة أو المعارضة داخل السلطة .

3 ــــ اعتماد التشويه وبث الإشاعات المغرضة والاتهام بالخرق البعثي والمؤامرة مثلما كان حال النظام البعثي السابق المجهز باتهامات التعامل مع الخارج والاتهام بالعمالة والخيانة.

4 ـــ الدعوة لبعض الأطراف للمشاركة الواسعة من اجل التغطية وطمس حقيقتها ومطالبها المشروعة والمحاولات لحرفها وطمس معالم الحراك الشعبي الوطني الديمقراطي .

5 ــــ جرها إلى استعمال العنف حتى المسلح بدس العناصر التي تحاول الإساءة بالتخريب الفعلي والاعتداء الجسدي على البعض ( مثلما حدث في البرلمان والبعض من البرلمانيين ) .

6 ـــ إطلاق الاتهامات التي تحاول تشويه الواقع والحراك السلمي الذي يهدف التخلص من الإرهاب والفساد وإجراء التغيير والإصلاح الحقيقيين.

7 ـــ تدخل البعض من دول الجوار المتحالفة مع بعض القوى والأحزاب السياسية والدينية بطرق عديدة ..

أن الأهداف التي انطلقت من أجلها التظاهرات واضحة لا لبس فيها ولا تمويه لأغراض مبيتة هدفها إسقاط العملية السياسية أو النيل من هيبة الدولة، بل العكس فهي لإنقاذ البلاد من الغرق في مستنقع الاحتراب الطائفي والحرب وإنهاء نهج المحاصصة الطائفية بالإصلاح والتغيير من خلال حكومة وطنية ملتزمة بمعايير الوطنية ووفق برنامج وطني للقضاء على داعش والإرهاب والميليشيات الطائفية والفساد وتقديم الفاسدين للقضاء والتوجه لتنفيذ برنامج وطني واسع في مجال الخدمات وبناء الدولة المدنية وفق قوانين عادلة تُشرع في مناحي عديدة من كيان الدولة والسلطات الثلاثة، وهي أهداف واضحة سار عليها التيار الديمقراطي العراقي والحراك الجماهيري والتظاهرات السلمية وهدفها عدم التجاوز والاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة ونبذ استعمال العنف مهما كانت المبررات.

لقد كان لاقتحام مجلس النواب تداعيات كثيرة وتخرصات ، منها إطلاق التهم والتلفيقات لخلط الأوراق وتشويه مواقف الحراك الجماهيري واتهامهم بتهم المؤامرة وهيمنة البعثيين لإسقاط العملية السياسية والاستيلاء على الحكم وكأن العراق هو حي الخضراء أو بناية البرلمان أو الإذاعة سابقاً لكي يُحيون مفهوم الانقلاب الذي كان يحدث عندما يقوم البعض من الانقلابين بالهيمنة على الإذاعة وصدور البيان الأول ليُخضع بعدها كل العراق، ناسين أن العراق اليوم غير ذاك العراق الذي كان يُحكم من خلال انقلاب عسكري ببعض الأفواج أو السرايا العسكرية، وبهذا فلقد أرادوا إبعاد الأنظار عن من وَجهَ للاقتحام والتخريب والاعتداءات! ومن أراد الإساءة للحراك الجماهيري المدني، إلا أن الذي فات عليهم أن أكثرية المواطنين العراقيين أدركوا هذه اللعبة ومن خطط لها وضببوا على من خطط وعن الذين أساءوا وحطموا محتويات البرلمان والاعتداء على البعض من البرلمانيين لان المتظاهرين وخلال حوالي ( 9 ) اشهر من التظاهر كانوا أكثر من مسالمين إلا من هتافاتهم ومطالباتهم بالخلاص من المحاصصة والإرهاب والفساد والفاسدين، ولهذا فان اتهامهم بتهم كاذبة ومحاولة لتشويه مواقفهم الوطنية عبارة عن طبخة جديدة تضاف إلى الطبخات السابقة المخطط لها والتي فشلت جميعها أمام إرادة الجماهير في التظاهر السلمي، وفي الوقت نفسه أدانت العديد من القوى الوطنية والديمقراطية هذه المخططات المشبوهة والاعتداء على البعض من البرلمانيين الذي يعتبر بحد ذاته ليس إساءة للجماهير المتظاهرة أو المعتصمة بشكل سلمي بل لأكثرية الشعب العراقي المُطالب بالإصلاح والتغيير وتطبيق القانون، إن تداعيات التجاوز واقتحام البرلمان يتحملها أيضاً الموقف اللامبالي من قبل الكتل صاحبة القرار التي بقت متمسكة بالمحاصصة والمصالح الضيقة، وهم يتحملون فعلاً وقولاً ما آلت عليه النتائج السلبية التي رافقتْ عملية التظاهر السلمي الهادف إلى اتخاذ البرلمان الموقف الصحيح في قضية حسم " التشكيلة الوزارية "في جلسته التي تأجلتْ وهذا التأجيل خلق نوعاً من الاستياء لدى الجماهير المنتظرة أن يكون التشكيل الوزاري خطوة إلى أمام في إنهاء التحاصص ونهجه الذي دمر الوضع السياسي والعملية السياسية وعبر عن ذلك الحزب الشيوعي العراقي بكل صدق وشفافية عندما أشار إلى " إصرار بعض الكتل المتنفذة على التمسك بالنهج المحاصصي ، واعتمادها المزيد من التسويف والمماطلة وعدم الالتزام بالوعود والمواعيد، السبب المباشر في تأجيج استياء المحتشدين وغضبهم، ودفعهم إلى دخول المنطقة الخضراء ، الأمر الذي كان من الممكن تلافيه لو توفرت النوايا الصادقة والاستجابة السريعة لمطالب الجماهير المشروعة، باتخاذ خطوات جادة من جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية ، تشعرها بان هناك توجها جادا نحو السير على طريق الإصلاح الحقيقي والشامل" لكن الذي حدث من قبل هذه الكتل المتنفذة والمواقف المضرة واللامبالاة بما يجري في البلاد من انزلاقات نحو هاوية التحارب والتفكك وخطر شبح الحرب الشاملة والتقسيم جعل الأمور تسوء من سيء إلى أسوأ، هذه اللامبالاة وتقديم المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية العامة بدون الالتفات إلى حجم الخسائر المادية والبشرية، ولقد أشارت في هذا الصدد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق خلال شهر نيسان من العام الحالي بان ضحايا الإرهاب والميليشيات والتطاحن والعنف بلغت حوالي ( 2115 ) ما بين قتيل وجريح، وأكدت بعثة الأمم المتحدة على أن العاصمة بغداد لوحدها " بلغ مجموع الضحايا المدنيين 874 شخصاً " 232 قتيلاً و642 جريحاً" إضافة إلى ما حمله تقريرها من أرقام واضحة للمحافظات الأخرى للضحايا من منتسبي الشرطة والجيش والبيشمركة والدفاع المدني والإطفاء والنساء والأطفال والشيوخ وغيرهم.

إن أكثرية المواطنين العراقيين وحتى غير العراقيين في العالم تسأل بكل ألم وحيرة ــــ الم يحن الوقت لان تفيق صحوة ضمائر المتنفذين لهذه المأساة والمخاطر المحدقة؟ ــــ وإلا إلى متى استمرار تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية وتلفيقاً حول حل المشاكل عن طريق الادعاء بنبذ نهج المحاصصة؟ ــــ والى متى يدفع المواطن العراقي ثمناً باهظاً من دمه ودم عائلته ومعيشته ومن أمانه وسلامه لكي تبقى الكتل المتنفذة متمسكة بالسلطة وبالنهج الطائفي المدمر؟..

إن اقتحام المتظاهرين للبرلمان تتحمله الكتل المتنفذة التي تعطل عمل البرلمان وتحد من مهامه التشريعية، ومن حق هذه الجماهير أن تتظاهر وتعتصم ولكن! ونقول ولكن.. بشكل سلمي ونبذ العنف والتخريب لأنهما هدف خبيث تسعى له القوى المتربصة والمندسة والتي تتآمر بهدف استمرار تدهور الأوضاع في البلاد حتى أن (صدر الدين القبانجي) خطيب يوم الجمعة في النجف أكد أن هناك "أهداف غير صحيحة عبر عناصر مندسة تهدف لتمزيق الشعب وإسقاط السلطات" وهم يَدعون كذباً بالوطنية والحرص الوطني وباطنهم يحمل عداءً مستفحلاً للوحدة الوطنية بينما تبقى مطالب الحراك الجماهيري والتظاهرات المتواصلة مطالب عادلة ومشروعة وفي مقدمتها الإصلاح الشامل لإنهاء الأزمة مهما حاول البعض تشويهها وتعقيدها وتجييرها لأغراض حزبية وطائفية من خلال الأعلام المغرض أو الذين يخططون للإجهاز على هذه المطالب ليحققوا هدفهم المجرم بخلق الفتنة والإبقاء على التطاحن والفرقة وصولاً إلى التقسيم الذي اخذ يلوح برأسه أكثر من السابق إذا لم يجر استدراك الأمر والتوجه الحقيقي لتخليص البرلمان من الشللية والانقسام والبدء في عقد اجتماعاته الاعتيادية وتنفيذ المطالب الجماهيرية مع استمرار الحراك الجماهيري السلمي..

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 11-05-2016     عدد القراء :  3459       عدد التعليقات : 0