الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الرحمة والعدل، اعلان افلاس -6-

قبل فترة قريبة، وبينما كنت أقود سيارتي في مدينة هاملتون الكندية في شارع مزدحم وسط البلد، والأشارة امامي حمراء، قررت أن اتصل بصديق لأستدل منه على المكان الذي اروم اليه، وإذا بسيارة شرطة بجانبي رأوني متلبساً،  شرطية في الأربعينات وشرطي بعمر الشباب في النصف الثاني من العشرينات. ما أن فتح الطريق إلا وطائر حمام يتغذى من الشارع أمام سيارتي، ولم اعد اراه لذا اضطررت إلى التوقف حتى طار، واستغرق ذلك دقيقة على اقل تقدير.

وما ان سرت على مهمل وإذا بسيارة الشرطة توقفني ويطالبوني برخصة السوق والتهمة مكالمة هالتفية والوقوف وسط الطريق لفترة معرقلاً المسير، فأقسمت لها مرتبكاً بأنني وقفت الشارع بسبب طائر.

اخذوا الرخصة وعادوا إلى سيارتهم وبعد دقائق قليلة تأتي الشرطية وتقول: 495 دولار غرامة وفقدان وثلاث نقاط، بالتأكيد عندما سمعت ذلك وانا اعرف العقوبة مسبقاً، حزنت على نفسي كثيراً لأن الحال لا يساعد على تقبل الغرامة وما يتبعها من استغلال شركات التأمين بسبب النقاط الثلاثة.

إلا أنها قالت سأعفيك هذه المرة، ولم يكن سبباً لذلك إلا لكوني قد حافظت على حياة حمامة، فكيف الحال لو كانت حياة إنسان؟ او سمعته؟

لقد انتصرت الرحمة على القانون، وتعلمت شيئاً مهما، وقررت فيما بعد ان احاول جاهداً عدم الأتصال أثناء القيادة او ارسال رسالة عبر الهاتف، علماً بأنني دائم استعماله اثناء تجوالي الدائم في السيارة، والكل يحذرني من مغبة ذلك، ناهيك عن  إصطدامي بسيارة صاحل العمل نهاية العام المنصرم بسبب إلتهائي بالهاتف اثناء عملية الأتصال وخسرت ما خسرت.

في هذا السرد والذي حدث في كندا، هذا البلد الذي يخضع فيه الجميع للقانون، تصرف من بيده السلطة برحمة.

سبق السيف العذل

يضرب هذا المثل على من ﻳﺘﻌﺠﻞ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﻣﺎ، ﺛﻢ ﻳﺘﻀﺢ ﺧﻄﺆﻩ ﻓﻴﻨﺪﻡ ﻋﻠﻴﻪ

ﻭﺃﺻﻠﻪ ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﻭﺛﺐ ﻋﻠﻰ آخر، ﻓﻘﺘﻠﻪ بظنه ﻗﺎﺗﻞ ﺃﺑﻴﻪ، ﺛﻢ ﺍﺗﻀﺢ ﻟﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺘﻴﻞ ﺑﺮﻱﺀ ﻓﻨﺪﻡ، ﻭﻟﻤﺎ ﻋﺬﻟﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ (ﺃﻱ ﻻﻣﻮﻩ)، ﻗﺎﻝ: ﺳﺒﻖ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﺍﻟﻌﺬﻝ.

سنوات مضت وانا ابني احكامي على واقع حال مزري، فالسيف يسبق العذل واثناءه وقبله، ولا جدوة مع الأغلب بأي عذل او إشارة او مشورة، لأن الأحكام لم تعد تنبع من القلب، وليس من العقل أيضاً، وإنما من المصالح وتصفية الحسابات والأحساس بالسلطة المطلقة وتسخيرها للمزاج، منهم المسؤولين بالعموم، واصيب سهمي مباشرة على الروحيون منهم.

حيث لم تخضع احكامهم إلى منطق العدل او الرحمة، بل إلى سحق واذلال من هم يمعيتهم، وكأنهم يجلسون على كرسي عالي مسندين اقدامهم على ظهور المؤمنين، كي لا يكون منظرهم مضحك وهم (يدندلونها) في الهواء الطلق.

غالباً ما انطلق من العام إلى الخاص، وهذا طبيعي، لأن الخاص الذي انا منه يهمني، قوته قوتي وضعفه ضعفي، لذا اسعى كي يكون قوياً.

والخاص الذي احبه واتمناه قوياً هو كنيستي والتي يتمتع بها الكهنة والأساقفة بسلطة محدودة مهما زادت، إلا انهم يتجاوزونها ويجعلونها عنوةً مطلقة، وهذا محظ خيال.

الكاهن والأسقف يتمتعان بسلطة روحية ممنوحة لهم من الرب إنما في الأمور المتعلقة بالرسالة وليس بالأدارة، لذا مهم جداً ان يدركوا بأنهم في القضايا الأدارية عليهم معرفة الحدود ضمن اصول العمل المؤسساتي والتعامل بأحترام مطلق مع البشر الذي يتبعون كنائسهم.

ولو عرفوا حسن التعامل لما تفردوا بقرارات واحكام لا تخضع إلى معايير الرحمة والعدالة، لأن العدالة بالعودة للقوانين والدساتير التي يجب ان يحكموا ويقرروا من خلالهما، أما الرحمة فهي مجرد تعبير لا قيمة لها عندما يشعر الكاهن او الأسقف بانه قادر على اصدار  حكم مهما كان.

احد اعمدة الكنيسة واساس بناءها هو المواهب، والموهبة هي نعمة مجانية يفترض بان تسخر للكنيسة، والكاهن او الأسقف الذي لا يعتمد على مواهب رعيته في اتخاذ القرارات الأدارية، فهو على خطأ جسيم.

فليس من المعقول ان تترك الطاقات وتهجّر القابليات من كنائسنا لأن الراعي لا حكمه له ومزاجي، وبسببه خسرنا خيرة من الناس ويا ليتنا نخسر عشرات منهم ولا نضحي بمؤمن من كنيستنا.

مهم جداً ان يكون مع الرعاة مستشارين واصحاب مشورة يُعتمد عليهم، فليس من المنطق أن يكونوا شموليين بالمعرفة بالرغم من انهم يعجزون احياناً على تفسير آية من الأنجيل او الكتاب المقدس، في الوقت الذي يجعلون من انفسهم خبراء في شتى مجال الحياة.

وزمن التعجرف ولى، إنما الأحترام يبقى سيد المواقف، وكسب الأحترام لا يتم جبراً بل تفرض باخلاقية الأنسان وتصرفاته

تجاربنا سلبية للأسف الشديد، ودوما نتفاجأ بقرار من السلطة الكنسية بدءً بالكاهن لا يستندفي كثير من الأحيان إلى اهم معيارين وهما الرحمة والعدالة، وبدل ان نتبع تعاليم المسيح اصبحنا خاضعين لمزاج الأكليروس.

لا ايها الآباء الأفاضل، عليكم بالحكمة، فليس كل من يُقاد اعمى او ساذج، عليكم ان تدركوا بان هناك اشخاص مستعدين لمواجهتكم مهما علت مناصبكم ولا يمكنكم تحجيمهم، وهم في الغالب من الذين يرفعونكم على رؤوسهم ان استحقيتم ذلك.

ومتى ما رفعوكم، دعوهم يفعلون ذلك بهدوء، وإلا ستسقطكم من عليها.

ومتى ما شعر المرء بأن ظهره يكاد ان يكسر، فسيرمي حمله ارضاً وهذا ما لا نتمناه وإن كان احياناً فرض حال.

وارجوا ان تسمعوا نصيحتي بنقاط...وإن لم تسمحوا سأذكرها لكم

- اختاروا مقربيكم من الذي يرفعون اسم الكنيسة كي ترفعوا من قيمتكم ايضاً

- لا تصدروا احكامكم وقرارتكم على آراء المنافقين والمتملقين والأنتهازيين والسذج

- الكنيسة تعني، نحن معكم، وليس انتم علينا

- نحن موجودون بدونكم وانتم لا معنى لوجودكم بدوننا

- حافظوا علينا وعلى كرامتنا وإيماننا، كي يكون لوجودكم اهمية

zaidmisho@gmil.com

  كتب بتأريخ :  الخميس 12-05-2016     عدد القراء :  2898       عدد التعليقات : 0