الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مخاطر التصريحات المتناقضة حول التدخل في شؤون العراق

أثناء التظاهرات الأخيرة أطلقت هتافات معادية للتدخل الإيراني وتطالبها بعدم التدخل في الشأن العراقي ولم تعر الكتل والأحزاب المشاركة في الحكومة العراقية الاهتمام الكافي لها ولا إلى أسبابها الحقيقية وبغض النظر عن ما قيل عن وجود " مندسين وبعثيين... الخ " وهم ليسوا بالأكثرية المطلقة وحسب التصريحات الحكومية بما فيها حيدر العبادي اتهام" البعض من المندسين " وليس عشرات الالاف الذين كانوا يهتفون ليس ضد التدخل فحسب بل ضد الفساد مطالبين بالإصلاح والتغيير، وعلى ما ظهر أن الموقف الرافض لتدخل إيران في الشأن العراقي ليس وليد لحظات التظاهرات أو نتيجة عاطفة وقتية سرعان ما تذهب أدراج الرياح بل هي تخضع لأسباب كثيرة امتدت مع نهج المحاصصة الطائفية والتصريحات المتناقضة من قبل مسؤولين في الكتل أو في الحكومة حول نفي التدخل ثم الاعتراف بتبريرات الاستشارية، وهذا الموقف الرافض يكاد أن يكون شاملاً تقريباً ما عدا تلك الأطراف في التحالف الوطني الشيعي التي باركت وتبارك التدخل الإيراني لا بل تعتبر نفسها جزء لا يتجزأ من إيران وبالذات الحكومة الإيرانية وهي تستند في هذه العملية إلى نفس طائفي تغلبه على الانتماء الوطني، وتسوغ هذه المواقف تحت شعارات هدفها تمرير المخطط الطائفي في العراق والمنطقة، ولقد ازدادت مخاطر الإرهاب والمليشيات المسلحة والتدخلات الخارجية أثناء فترة نوري المالكي حتى وصل الأمر بظهور داعش الإرهاب وهيمنته على المحافظات الغربية ومناطق في محافظة بغداد وغيرها، وظهر التدخل الإيراني بشكل أكثر وضوحاً من السابق تحت طائلة مساعدة الحكومة العراقية في محاربة الإرهاب وداعش بالذات على الرغم من أن أصابع الاتهام كانت دائماً توجه لحكام طهران ومؤسساتها الأمنية وبخاصة الحرس الثوري وفيلق القدس وكثيراً ما كانت تذكر التصريحات والتأكيدات الإيرانية من قبل مسؤولين معروفين في الدولة حول احتواء العراق واعتباره جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية الإيرانية!! (لا نريد الآن ذكرها لكي لا نخرج عن سياق الموضوع ) ، كما أن هناك كما غير قليل لصور قادة عسكريين أو قتلى إيرانيين أثناء المعارك الطاحنة في سامراء وغيرها، ثم صور تخص الجنرال في فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ومشاركته الاجتماعات مع قادة مثل هادي العامري وأبو مهدي المهندس ونوري المالكي وقيس الخزعلي وغيرهم واعتباره مؤخراً احد المعتمدين من قبل الحكومة العراقية وبخاصة التحالف الوطني، ولعل النفي السابق بعدم مشاركته أو حضوره في ساحات القتال بددتها تصريحات وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري وأزال إلى الأبد الظلال التي كان التحالف الوطني ورئيس الوزراء حيدر العبادي يضعها لحجب الحقيقة، فقد أعلن وزير الخارجية الحالي إبراهيم الجعفري في مؤتمره الصحفي في مقر السفارة العراقية بعمان / الأردن " إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، يعمل مستشاراً عسكرياً لدى حكومة بلاده". وبرر إبراهيم الجعفري وجود قاسم سليماني في جبهات القتال والمشاركة الفعلية " إن عناصر تنظيم داعش الموجودين في العراق قدموا من حوالي 100 دولة" إلا أن إبراهيم الجعفري طمس الحقيقة من جهة ومن جهة أخرى ساوى بين الإرهاب والتدخل الإيراني دون أن يعلم فهو قال أن " أل 100 " الذين ذكرهم هم إرهابيين لم ينالوا مباركة أية دولة في المنطقة أو العالم إنما العكس هو الصحيح، بينما وجود الجنرال قاسم سليماني في فيلق القدس الإيراني وغيره من العسكريين الإيرانيين هم بمباركة الحكومة العراقية، وقد اضطر سابقاً البعض من كبار المسؤولين في التحالف الوطني بما فيهم إبراهيم الجعفري إنكار التدخل الإيراني وحتى الأمريكي الذي ظهر انه يشارك الجيش في قتال داعش وقضايا لا نعرفها! وللعلم هناك العديد من التصريحات لإبراهيم الجعفري تنفي التدخل الإيراني أو حتى بوجود عسكريين إيرانيين بما فيهم قاسم سليماني، لكن الاعتراف الأخير في الأردن وبشكل علني وأمام أنظار العالم دليل على الضبابية في السياسة والنهج المتبع للحكومات العراقية في قضايا التدخل، فمن جهة قيام الضجة الكبرى حول التدخل التركي ووجود البعض من القطاعات العسكرية التركية وتواجدها منذ عهد النظام السابق " ونحن بدون أي تمويه أو ضبابية بالضد منه قولاً فعلاً وطالبنا ونطالب بخروجه من الأراضي العراقية ".. إن الموقف من التدخل الإيراني الضبابي وصمت الحكومة وبعض قادة التحالف الوطني فترات طويلة ثم الاعتراف الخجل بأنهم مستشارين لدى الحكومة العراقية يثير الاستغراب لأنه يكيل بمكيالين طائفيين فمن جهة رفض التدخل التركي ومن جهة الرضا عن التدخل الإيراني والأمريكي وغيرها تحت طائلة من المسوغات والتبريرات ليس له ارتباط بالموقف الوطني الرافض لأي تدخل خارجي إن كان من تركيا أو أمريكا أو إيران وغيرهم.

إذن لا مفاجأة عندما نسمع ونشاهد ونقرأ ومن خلال تصريحات البعض من المسؤولين في القوى صاحبة القرار بالتدخل الإيراني إن كان بموافقة بعض الكتل والأحزاب في الحكومة العراقية أو قسماً من أحزاب الإسلام السياسي الشيعي أو الميليشيات الطائفية وكأنه أمر طبيعي لا مفر منه بدون أية اعتبارات للأجواء المتأزمة في الوضع السياسي وبمعناه الأكثر وضوحاً هو التضامن والعلاقة الطائفية على حساب القضايا الوطنية وهو يحمل مخاطر جمة في مقدمتها الأضرار بالوحدة الوطنية وتهديد الاستقلال الوطني.

أن معركة الفلوجة وحسمها لصالح العراق ووحدته الوطنية يتوجب الابتعاد عن الارتباطات الطائفية والمذهبية أو أية تبعية خارجية لأنها لن تساعد على حسم أي معركة لا الفلوجة أو غيرها إلا ظاهرياً لكنها ستعود بأشكال ومسميات جديدة وهي مخاطر أشير لها من قبل الكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن العراقي وبخاصة صراعه مع الإرهاب والميليشيات الطائفية التابعة لأجندة خارجية ولهذا يجب الاعتماد الكلي على القوى الذاتية في القتال المتكون من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وأبناء المناطق الذين يجب أن يكون لهم الدور المميز في الهجوم والهيمنة على المناطق التي تٌحرر لان أهلها " أهل مكة أدرى بشعابها " لهم الدراية والمعرفة المقبولة من قبل السكان المحليين وإبعاد الحشد الشعبي ( وهذا ليس موقفاً سلبياً من الحشد الشعبي المستقل وطلب المرجعية بالجهاد الكفائي وعدم تحريفه واستغلاله وكأنه قتال ضد المكون الآخر) إنما تلك القوى وبخاصة تلك الميليشيات المنضوية التي لها حدودها التنظيمية وعناصرها وأسلحتها المستقلة لان هذه الاستقلالية التنظيمية تجعلها بعيدة عن المراقبة الحكومية وهي تقوم بحركاتها وفق إرشادات وتوجيهات قياداتها الخاصة ولا تخضع لأي قوانين وقرارات حكومية وتستطيع أن تتلون وترتدي الملابس وتستخدم زوراً حتى الملابس العائدة للجيش والشرطة الاتحادية وغيرها بدعوى حكومية، وهذا التحذير جاء من أكثرية الجهات الحريصة على مستقبل البلاد وآفاق تطورها وإحلال الوئام والسلم الاجتماعي، كما جاءت التحذيرات العديدة من تدخل إيران في الفلوجة خوفاً من التطهير الطائفي ،بعدما تابع أكثرية العراقيين وغيرهم ظهور نوري المالكي وقاسم سليماني على أطراف الفلوجة وخص أياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق هذا الموضوع ونشر في سكاي برس في 1 / 6 / 2016 بالقول " ظهور المالكي إلى جانب سليماني بهذه الطريقة هو خطأ كبير دون شك، وبالنسبة للفلوجة أنا أرفض ليس فقط الوجود الإيراني، بل وجود أي دولة في الصراع المسلح القائم في العراق" ثم " إننا أمام تطهير مذهبي، ولسنا أمام عمليات تطهير من الإرهاب، وهناك مخاوف من أن يُعاقب نصف مليون إنسان بسبب خطأ عشرات، أو بضعة آلاف منهم" هذه المخاوف ليس من تصريحات وزير خارجية العراق أو ظهور نوري المالكي وهادي العامري وأبو مهدي المهندس قرب الفلوجة، ويذكرنا وعد أوس الخفاجي الأمين العام لقوات أبو فضل العباس بتطهير الفلوجة من أهلها لأنها منذ " 12 سنة منبع الإرهاب وورم يجب استئصاله وأنها مدينة تخلو من الناس الصالحة " إنما أيضاً من تصريحات قادة عسكريين إيرانيين مثل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي صرح " استعداد طهران للتدخل عسكرياً في العراق للقضاء على الإرهاب" والعميد حسين سلامي نائب القائد العام لقوات حرس الثورة الإيرانية حول استعداد القوات الإيرانية لخوض مواجهات ضد الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة أي الحرب الشاملة، وهذا " غيض من فيض" حول التدخلات في الشأن العراقي الداخلي واستغلال الأوضاع المتأزمة والصراعات بين الكتل لزيادة التطاحن الطائفي والتوجه للانتقام بدلاً من التصالح والعيش بسلام ، ولهذا نرى أن تحرير الفلوجة أو الموصل أو غيرها من داعش يجب أن يكون بواسطة القوات المسلحة العراقية من جيش وشرطة اتحادية والبيشمركة والحشد العشائري والقوى الخيرة في الحشد الشعبي ،فما حدث من انتهاكات حالية أو سابقة إذا ما استمرت سوف تعرقل التحرير من داعش ونحن نرى في اتهام رئيس الوزراء حيدر العبادي حول الانتهاكات بخصوص الفلوجة عبارة عن اعتراف ضمني بالتجاوزات على المواطنين تحت شعارات طائفية وان تأكيد حيدر العبادي بوجود انتهاكات وضرورة محاسبة أصحابها حين صرح " أننا أصدرنا أمرا بإيقاف بعض المتهمين بتهم قتل وتجاوز على المواطنين وسيقدمون للعدالة".

في النهاية يجب رفض التدخل في الشؤون العراقية رفضاً قاطعاً ولا يختصر على إيران فحسب إنما على تركيا وأمريكا وأي دولة أخرى أما الكيل بمكيالين أو فتح عين وغلق الأخرى فهو لن يخدم الاستقرار والمصالحة الوطنية ودليل على تغليب المصالح الطائفية والحزبية على المصلحة الوطنية الشاملة .

  كتب بتأريخ :  السبت 11-06-2016     عدد القراء :  3600       عدد التعليقات : 0