الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الفساد المسؤول الأول عن التفجيرات وجرائم الميليشيات

أن التفجير الإجرامي في الكرادة يوم الأحد 3 / 7 / 2016 وضحاياه من المواطنين العراقيين على اختلاف انتماءاتهم وما سبقه من تفجيرات وما تلاها عبارة عن مسلسل دامٍ بدأ بعد الاحتلال والسقوط وبوجود حكومات المحاصصة الطائفية، وكلما يمر عام يأمل المواطن العراقي بالتحسن والتخلص من هذه الآفة التي تعصف بأرواح المواطنين وتدمر البنى التحتية وتطيل من عمر الفقر لا بل تفاقمه فضلاً عن المناحي المأساوية التي شملت كل مرافق الحياة في البلاد بقيام ميليشيات طائفية تابعة لأجندة خارجية وبخاصة النظام الإيراني، هذا التدهور العام والخاص الذي ضرب اطنابه بشكل لم يكن أحدا يتصوره قبل سقوط النظام الدكتاتوري لان الآمال كانت منعقدة على أن يتحول النظام الدموي الشمولي بعد السقوط إلى نظام اقل ما فيه أن تحترم فيه الأسس الديمقراطية والمدنية المتعارف عليها، وهذه الآمال كانت تعقد على إقامة نظام سياسي تعددي تتحقق فيه الحقوق المتساوية للقوميات والأديان والأعراق، تتحقق فيه المساواة واحترام حقوق الإنسان وينهي إلى الأبد عقلية الحروب العدوانية باتجاه بناء البلاد وتخليصها من الدمار وما أصابها من سياسة الاستحواذ والهيمنة وتحقيق رفاهية الشعب بعد سنين طويلة من الاضطهاد وتغييب الآخر والحروب الداخلية والخارجية، إلا أن ذلك لم يتحقق على الرغم من سقوط النظام الشمولي، ولم تمر إلا فترة قليلة وفي ظل المحاصصة المشؤومة حتى بدأ الفساد الجديد يرفع رأسه على أنقاض فساد قديم ولكنه أكثر عنفواناً وتدميراً، فاخضع كل المرافق الاقتصادية والخدمية إلى آفة الفساد الذي لم يبق في حدود معينة حتى شمل مرافق الدولة من وزارات ودوائر ومؤسسات تزامنا مع فساد واسع في مجالس المحافظات وتوابعها وكان العنوان الأول لهذا الفساد هو الرشوة والاستيلاء على المال العام بشكل علني وسري دون أي خشية من قانون أو مؤسسة أمنية لا بل حتى أكثرية المؤسسات الأمنية شملها الفساد المالي والإداري، فضاعت حقوق المواطنين وتم الاستيلاء على المال العام وسرقت مليارات الدولارات على التسليح والكهرباء والقضايا الخدمية مما أدى إلى تفشي منظور وغير منظور في المؤسسات الأمنية من الجيش والشرطة الاتحادية، وبروز ظاهرة الميليشيات الطائفية المسلحة التي تسيطر على بعض المفاصل الحكومية مدعومة لوجستياً من قبل دولة خارجية ، وبهذا ضعفت هيبة الدولة وأصبحت هذه المؤسسات الأمنية مخترقة بفعل المحاصصة الطائفية والحزبية مما أدى إلى فشلها التام تقريباً في محاربة الإرهاب والحد من التفجيرات الإجرامية ووقوفها بالضد من ميلشيات المافيا المنظمة ( تحت طائلة مسميات طائفية أو دينية ) التي هيمن عليها وعلى قيادتها البعض من المسؤولين في الحكومة العراقية وبخاصة التحالف الوطني، أمام تعاون مكشوف ما بين أقطاب من الحكومة والمنظمات الإرهابية كحزب البعث بحكم الصلات القديمة والارتباطات الحزبية والسياسية ومع القاعدة ثم مؤخراً داعش، فالفساد هو المعول الأول الذي سعى البعض بواسطته تهديم وتدمير وتوسيع رقعة الخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، ولهذا ربما يتفاجأ البعض عندما يقرأ العنوان أعلاه حول " الفساد " ويطلع على المقال وقد يعتبره مبالغة أو موقف مضاد للبعض من المسؤولين السابقين والحاليين في الحكومة العراقية، لكن لو فكر كل عراقي ضمناً بشكل موضوعي، كيف استطاع الفساد المالي والإداري وبخاصة إذا كان يدار من قبل مرافق وأشخاص مسؤولين في الدولة أن يلعب دوراً مخرباً في مفاصل البلاد ومواردها وتدمير طاقاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وهذا التدمير يكمن في سر التخطيط المبرمج لقادة الفساد وكيفية ترتيب الثانويات لتحقيق أهداف الأوليات التي نشاهدها الآن على الساحة العراقية ونلمس في تداعيات التوجهات الهرمية في قيادة عمليات الاقتصاد والمرافق الأخرى.

أن عمليات التفجيرات السابقة بكل أنواعها التي أدمت العراق وشعبه وأدت إلى عشرات الالاف من الضحايا وخراب واسع في البنى التحتية وإيقاف عمليات البناء وبناء الدولة المدنية يكمن في الفساد المعروف لا بل أن الفساد هو الراعي الأول لهذه الأعمال الإجرامية والإرهابية، وتفجير الكرادة الإجرامي والتفجيرات المتتالية في العاصمة والتفجير في قضاء بلد "سيد محمد " وجميع التفجيرات الإرهابية يتحمل مسؤوليتها الفساد الذي نخر وينخر المؤسسات الأمنية وغيرها، وفي هذا الصدد سوف نأتي على البعض من قضايا الفساد التي لعبت دوراً غير قليل في إضعاف الأجهزة الأمنية، وهي أجهزة الكشف عن المتفجرات ونستطيع الحديث بكل ثقة ودراية عن قضايا الفساد في السلاح وغيره لكننا نعود إلى الوراء لرؤية القضايا الملموسة في فساد شراء أجهزة كشف المتفجرات وسنجد الفضيحة الكبرى التي وقعت في عهد نوري المالكي وبالذات عام 2007 حيث استورد العراق أجهزة كشف المتفجرات بكلفة ( 200 ) مليون دولار وفي عام ( 2008 ) اشترت وزارة الداخلية أجهزة أخرى بقيمة ( 32 ) مليون دولار من شركة بريطانية ولم يمر عام على الصفقة حتى نشرت صحيفة نيويورك تايمز عن أجهزة لكشف المتفجرات مزيفة من " طراز أي دي إي651" أنتجتها شركة أي تي أس سي" بقيمة ( 85 ) مليون دولار" وقد ذكرت بريطانيا بعد عدة سنوات عن فضائح في ( 2010 ) تصدير أجهزة كشف المتفجرات إلى أفغانستان والعراق، إلا أن اعتراف احد الضباط في الجيش العراقي بان الأجهزة بقت قيد الاستعمال خلال ( 5 ) أعوام بعد كشف حقيقة هذه الأجهزة المزيفة والتأكد الحقيقي من صحة هذا القول بعد التفجيرات المستمرة والمتتالية في مناطق عديدة وفي العاصمة بغداد بالذات ومنها تفجير الكرادة الأخير يوم الأحد 3 / 7 / 2016 قبل العيد بأيام، ، وفي ( تشرين الأول عام 2010 ) فقد أقر عقيل الطريحي المفتش العام في وزارة الداخلية وأثناء تولي جواد البولاني الوزارة بان هذه " الأجهزة لا تعمل ولا نفع منها " لكن جواد البولاني " استخدم المادة 136 (ب) من الدستور العراقي لإيقاف التحقيق في هذه القضية" أما مجلس القضاء الأعلى فقد أصدر عام ( 2012 ) الحكم بالسجن ( 4 ) سنوات على اللواء جهاد الجابري المدير العام لمكافحة المتفجرات بتهمة الفساد لاستيراد الأجهزة المزيفة وهي مازالت تستخدم إلى هذه اللحظة، أما جهاز كشف أي دي إي 651 (ADE 651) هو جهاز محمول باليد تقوم بتصنيعه شركة ATSC البريطانية، وادعت الشركة أن هذا الجهاز يمكن أن يكشفَ عن بُعد موقع أنواع مختلفة من المتفجرات والمخدرات ...الخ فهو لم يكن كذلك وعبارة عن صفقة فساد أزكمت أنوف المواطنين " وفي هذا الصدد فقد تم الكشف بأن الحكومة في عهد رئيس مجلس الوزراء السابق نوري المالكي قد أنفقت حوالي ( 85 ) مليون لعقد صفقات شراء هذه الأجهزة ، وليتصور المرء والمواطن البريء الغافل كم هي أعداد الضحايا الذين يعدون بعشرات الآلاف! وكم طال التدمير والخراب مناطق واسعة بدون إجراء تحقيق شامل ونزيه مع نوري المالكي والمسؤولين الكبار أثناء توليه رئاسة الوزراء، لا بل نجده يتمتع بصلاحيات غير قليلة وتحركات سياسية متنوعة بما فيها الزيارات المتكررة لإيران.

أن التفجير الإرهابي في الكرادة وما ألحقه من أضرار لا تقدر بثمن منها إصابة حوالي ( 300 ) مواطن بين قتيل ومصاب وما تلاه من تفجيرات جديدة هو نتيجة فساد ضرب اطنابه مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة الأمنية ، ولطالما كشفنا عنه وغيرنا من المخلصين الوطنين بالأرقام والأدلة وحذرنا منه واعتبرناه احد الأسباب الرئيسية للخروقات الأمنية، ونوهنا إذا ما استمر الحال على هذا المنوال وبقاء الفساد بدون إصلاح حقيقي وتحقيقات قضائية سليمة سوف يساهم في استمرار التفجيرات الإجرامية الإرهابية ولا يمكن القضاء عليه وعلى مسببي هذه التفجيرات والاغتيالات إلا بالقضاء على الفساد بكل أنواعه وملاحقة المسؤولين الكبار الذين لديهم اليد الطولى فيه، وخير دليل على استمرار وجوده وتفشيه ما كشفه بيان وزارة الداخلية برصد ( 17 ) حالة فساد مالي وإداري في مرافق ومفاصل ودوائر وزارة الداخلية نفسها في المحافظات، وهذا " قيض من فيض " فهناك الالاف من قضايا الفساد المالي والإداري تم إخفائها وطمطمتها ولو جرى التدقيق في قضايا الرشوة والتجاوز على حقوق وقوت المواطنين في دوائر الدولة لأيقن المتابع للأوضاع بأنها مازالت تلعب الدور التخريبي والتدميري وتعرقل بناء الدولة القانونية المدنية، وهي التي مكنت قوى الإرهاب بأنواعه القاعدي والداعشي وكذلك الميليشيات الطائفية والمافيا المنظمة من الممارسات الإجرامية، وستبقى هذه الممارسات والأعمال الإجرامية مستمرة بدون توقف لا بل سوف تزداد مثلما لمسناها خلال تتالي السنوات السابقة، فكلما يقال ويعلن بأنه تم القضاء أو إلقاء القبض أو محاصرة الفساد في مكان ما يظهر ويطل أكثر قوة وشراسة وبأشكال وأنواع جديدة وبقيادة أفراد لهم السطوة في المسؤولية و لهم مسؤوليات غير قليلة في الحكومة والدولة.. إن القضاء أو إضعاف عمليات التفجيرات يجب أن يسبقه محاصرة وأضعاف وحتى القضاء على الفساد المالي والإداري وإحالة رؤوسه إلى القضاء العادل، على شرط أن يكون بأيد وطنية نزيهة ليس لها علاقة بالطائفية ومحاصصتها الموبوءة ، على شرط أن يتم اعتماد الإصلاح الحقيقي وليس الترقيع والتغيير الشامل في عقلية الاستحواذ والتحاصص وليس الشكل بإعفاء " مسؤولي الأمن والاستخبارات في بغداد من مناصبهم" والإطاحة ببعض القادة الأمنيين بعد تفجير الكرادة واستقالة وزير الداخلية، لان آفة الفساد مازالت قوية ونافذة ومدعوة من قبل بعض المسؤولين ومن قبل المافيا الطائفية.

  كتب بتأريخ :  الأحد 17-07-2016     عدد القراء :  3366       عدد التعليقات : 0