الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
محنة النازحين وفنتازيات الهروب من الواقع والموت

النازحون اسم لم يألفه العراقيين فعلياً ( هنا لا نعني الفترات الأقدم في التاريخ ) وإنما من خلال قضايا عالمية في مقدمتها الحربين العالميتين في أوربا والحروب الأخرى التي شنتها القوى الإمبريالية في أسيا ومناطق أخرى، أما بالنسبة للمنطقة العربية فكلمة "نازح" كانت تعني للعراقي "الفلسطينيين" بعد حرب 1948 واحتلال إسرائيل لمناطق فلسطينية وتهجير أهلها ثم حرب ما يسمى بالنكسة عام 1967 ونزوح مئات الالاف من أراضيهم وانتقالهم إلى مناطق أخرى في سوريا والأردن ولبنان والعراق وغيرها من البلدان، وحسب علمنا هناك القلة القليلة من الناس التي نزحت داخل بلدانها مثل لبنان بسبب التطاحن الطائفي والديني، إلا أن هذا النزوح بقى في نطاق ضيق وتمت معالجته بعد انتهاء الاقتتال الدموي الداخلي الذي رافق الحرب اللبنانية منذ بدايتها في نيسان 1975 واستمرت طوال الحرب اللبنانية حتى حالفها النجاح بالانتهاء بعد اتفاق الطائف 1989، وقد تكون هناك حالات نزوح حدثت في بعض البلدان لكنها لم تكن عامة وشاملة لكنها سرعان ما انتهت بعودة الأكثرية بعد انتهاء أسبابها..

لقد أصبحت حالة العراق فريدة تقريباً في المنطقة، حالة مشهودة تعتبر محط ألم وغضب واستنكار وحزن أصاب ليس المنطقة فحسب بل العالم أجمع وهي حالة فريدة فعلاً بنوعها من النزوح الجماعي اللاانساني في دخل العراق والذي يعتبر مأساة إنسانية أضيفت إلى المآسي المتعددة التي ابتلى بها المواطن العراقي وابتلى بها العراق، وحسب اعتقادنا عمليات النزوح حدثت بشكل مشهود خلال مرحلتين سياسيتين.

الأولى : أثناء الحكم الدكتاتوري السابق الذي دام ( 35 ) عاماً وكان عبارة عن جحيم لأكثرية الشعب العراقي بجميع مكوناته وطوائفه وقومياته حيث الإرهاب والبطش وزرع الفزع والخوف من الملاحقة والتغييب والاعتقال والإعدام ثم الحروب الداخلية واستعمال الأسلحة المحرمة دولياً بالضد من الكرد وفي الجنوب وكذلك الحروب الخارجية مما أدى فضلاً عن الهجرة والتهجير نزوح مئات العائلات من مناطقها إلى مناطق أخرى داخل البلاد وخارجها بسبب المخاطر الجمة التي كانت تحيط بحياة الملايين من المواطنين بما فيها الإكراه والقسر وبخاصة ضد الشعب الكردي وبعد الانتفاضة 1991في الجنوب.

المرحلة الثانية: بعد السقوط وما تلاه وقيام حكومات المحاصصة الطائفية وهي مرحلة لا تقل خطورة عن ما جرى من نزوح وتهجير وهجرة وتعتبر اخطر في مجال نزوح مئات الالاف من المواطنين من مدنهم ومناطقهم وقراهم ومزارعهم تاركين كل شيء متوسدين الأرض ومتلحفين السماء، وقد امتلأت بهم المخيمات حتى أن قسماً منهم توجه طالباً اللجوء إلى دول أخرى مما أدى إلى فقدان الالاف من الأطفال والنساء والرجال ممتلكاتهم وحياتهم وحسب ما أكدته منظمة الهجرة الدولية ونشرته وسائل إعلام عديدة بخصوص عدد الذين فقدوا حياتهم من عراقيين وغيرهم " أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر ولاجئ لقوا حتفهم في البحر المتوسط منذ بداية العام الجاري بينما تمكن 250 ألفا آخرين من عبوره" وهذا الإعلان تم من قبل منظمة الهجرة الدولية ولم يذكر أعداد المفقودين أو الذين فقدوا حياتهم بين النازحين والمهجرين داخل العراق، فلا توجد أية إحصاءات رسمية دقيقة تشير عن أعدادهم لا من بعيد ولا من قريب إلا اللهم تكهنات وتصورات واستنتاجات ، فمئات الضحايا من النساء والأطفال فقدوا حياتهم بسبب الجوع والبرد والأمراض وعدم وجود رعاية صحية أو سوء الأوضاع الخدمية أو عمليات الإخفاء القسري بدون معرفة مصير البعض منهم بسبب الغلواء الطائفي الذي مورس من قبل البعض من الميليشيات الطائفية التي تستغل الحشد الشعبي ولها ارتباطات خارجية ولا نريد ذكر أسمائها والجهات المرتبطة بها لكننا نذكر تصريح الأمين العام لأحد أهم فصائل الحشد الشعبي ونشرته السومرية نيوز يوم الاثنين 1/8/ 2015 حيث قال إن "الكتائب تشكيل عقائدي مرتبط بولاية الفقيه ولا يتبع الساسة العراقيين" وكما هو معروف من هي جهة " ولاية الفقية " ، والمعنى الواضح من هذا التصريح عدم الالتزام بالحكومة والقوات المسلحة من جيش وشرطة اتحادية عراقية ويعني أيضاً تنفيذ سياسة طائفية معادية لأحد أهم مكونات الشعب العراقي وغيرها، وفي هذا الإطار عندما أعلن تقرير صادر من قبل رئيس بعثة الأمم المتحدة وذكر نصه د. إسامة مهدي ونشرته إيلاف يوم الأربعاء 27 / 7 / 2016 حيث ذكر عن " قيام ميليشيات مجرمة تحت غطاء بعض أفواج الشرطة الاتحادية ‏باختطاف ( 740 ) مواطنا اغلبهم من عشيرة المحامدة من أهالي الصقلاوية والسجر ‏الذين لازال مصيرهم مجهولا، فضلا عن القتل والتعذيب بحق المدنيين الأبرياء" لكن مما يؤلم أكثر عدم معرفة المفقودين والمغيبين بعد اعتقالهم أثناء النزوح من مواقع الحرب مع داعش الإرهاب، كما تستمر معاناة النازحين في أماكن تواجدهم في المخيمات أو المدن والقصبات داخل البلاد، أو الذين هربوا إلى بلدان مجاورة أو بلدان أوربية، والأسباب معروفة وليس بمخفية وبخاصة إذا ما شخصنا في المقدمة البعض من الأسباب منها

1 ــ سياسية المحاصصة الطائفية التي مورست منذ تشكيل مجلس الحكم ثم ازدادت مع تشكيل الحكومات العراقية وبخاصة حكومة إبراهيم الجعفري ثم حكومة نوري المالكي واستمرار هذا النهج المدمر في حكومة حيدر العبادي على الرغم من الادعاء بالنفي وعدم ممارسة هذا النهج وبخاصة أثناء تحرير المدن والقصبات من تنظيم داعش ونزوح عشرات الالاف من المواطنين من مناطقهم إلى مناطق غيرها وممارسات بعض الطائفيين الذين يتسترون بالحشد الشعبي ويستغلونه لأغراض خاصة بهم ولتنفيذ مخططات وأجندة خارجية تحت طائلة التفتيش عن دواعش مع النازحين والهاربين من جحيم الأخير ومن جحيم الحرب.

2 ـــ التنظيمات الإرهابية القاعدة وما يسمى بالدولة الإسلامية " داعش" وتنظيمات حزب البعث الصدامي، هذه المنظمات لعبت دورا كبيراً في تخريب النسيج الاجتماعي والديني والقومي من خلال أعمالها الإرهابية، كما سعت هذه المنظمات الإرهابية إلى خلق الفتنة الطائفية باتجاه تهجير الالاف من مناطقهم واستخدام الأساليب الوحشية في المعاملة معهم فضلاً عن التفجيرات والمفخخات والاغتيالات والإعدامات والقتل الفردي والجماعي مما أدى إلى نزوح واسع النطاق.

3 ـــ الميليشيات الطائفية والمافيا التي ترتدي أسماء دينية وطائفية، فقد قامت هذه الميلشيات منذ أول وهلة بأعمال إجرامية انتقامية استعملت فيها كل أنواع الاضطهاد الطائفي المبني على القتل والاغتيال ورمي الجثث في الأماكن العلنية، ولعبت البعض من التنظيمات الطائفية والبعض من الأسماء أدواراً متفاوتة في عملية الضغط لطرد السكان والساكنين من المناطق وإخلائها من مكونات أخرى، واعتمادها لغة الطائفة والاتهامات بالإرهاب مما أدى إلى نزوح الكثير من أماكن سكناهم وهروبهم إلى مناطق غير مناطقهم بما فيها الإقليم الذي احتوى الالاف منهم تاركين ممتلكاتهم ودورهم ومزارعهم ووظائفهم، وتشير الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية وفي مقدمتها منظمة الهجرة الدولية في العراق حول النزوح الداخلي حوالي ( 3,306,822 ) فرداً وسوف يزداد هذا العدد باطراد أثناء وبعد تحرير الموصل،كما يتوقع نزوح واسع من الموصل أثناء وبعد القتال العسكري منذ عام 2014 حتى عام 2016 وغالبيتهم من محافظتي الانبار ونينوى إضافة إلى نازحين من ( 8 ) محافظات أخرى

وقد صرح توماس لوثر فايس رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق " أن النزوح المتواصل يتطلب اهتماما متزايداً " من قبل المنظمة العالمية والحكومة العراقية لان ذلك يحمل الكثير من المعاناة والمآسي التي سوف يتعرض لها النازحين وبخاصة إن النزوح مستمر والعودة بعد تحرير البعض من المناطق قليل بالقياس مع استمرار النزوح وان اللجنة الدولية للصليب الأحمر توقعت نزوح مليون عراقي من الموصل، فقد أشارت أن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقدر بأن ما يصل إلى مليون شخص إضافي يمكن أن يجبروا على مغادرة منازلهم في العراق في الأسابيع والأشهر القادمة" وهذا سوف يزيد من تدهور أوضاعهم بشكل كبير فضلاً عن التدهور الحاصل في السابق.

أنها الكارثة التي ألمت بالعراق وشعبه بسبب النهج الطائفي المدمر والانقياد للقوى الخارجية المتربصة التي ليس لها أي ارتباط إلا بالاستغلال والنهب والفرقة والانشقاق وتخريب النسيج الاجتماعي وزرع التطاحن مع الكرد والإقليم وعدم اللجوء للحلول المنطقية وإعادة الثقة، وبخاصة أن الإقليم ركناً أساسياً في قتال داعش الإرهاب هي قوات البيشمركة وتضحيتها الملموسة والمعروفة وخسائرها المادية والبشرية أثناء التصدي لداعش والإرهاب بشكل عام بما فيه ميلشيات طائفية تحاول استغلال الأوضاع المتأزمة في المناطق المشتركة المتنازع عليها التي تحتاج إلى الحوار والرؤية في حل المشاكل الداخلية ، وستبقى محنة النازحين مستمرة ولسنوات عديدة إذ لم تباشر الحكومة العراقية والقوى صاحبة القرار بما فيها حكومة الإقليم للولوج إلى طريق الاتفاق الوطني الشامل والحقيقي والمسؤول لكي يتحقق مبدأ المساواة في الحقوق وبناء الدولة الاتحادية المدنية والقضاء على الإرهاب وتخليص العراق من الميليشيات الطائفية والمافيا المنظمة والفساد المستشرس في الدولة.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 05-08-2016     عدد القراء :  3153       عدد التعليقات : 0