الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الإسلام السياسي ... عاهة المجتمعات الإسلامية

   تصف المصطلحات الطبية الإنسان الذي يعاني من عاهة مزمنة او من نقص في تركيب الجسم الذي يؤثر على الفعل الطبيعي لذلك الجسم بالإنسان المُــعَــوَّق. وما نحاول البحث فيه الآن هو مدى انطباق هذا التعريف للإنسان المعوق على مجتمع بكامله، اي هل يمكننا ان نصف مجتمعاً بكامله معوقاً، او مشلول الحركة بسبب عاهة اصابته او نقص في تركيبته الإجتماعية ؟

   من وجهة نظري اعتقد بوجود هذا التشابه بين الجسم المعوق والمجتمع المعوق. والمجتمع الذي ارغب ان اشير إلى شلله وعوْقه في هذا المجال ، وبشكل خاص ،هو المجتمع الإسلامي وذلك لأنه مصاب بعاهة بشعة هي عاهة الإسلام السياسي. قد تنتشر هذه العاهة في المجتمعات الإسلامية المختلفة بهذا الشكل او ذاك او بهذه الحِدَّة او تلك ، وتبعاً لقوة الإنتشار وشدته تتوقف درجة العوْق ، تماماً كما في الإنسان الذي يمكن تثبيت النسبة المئوية لعوقه تبعاً لشدة العاهة التي يعاني منها. إن اختلاف شدة عاهة الإسلام السياسي في المجتمعات الإسلامية لا تؤثر على صفة هذه العاهة التي تخلق مجتمعات معوقة حينما تحل بها بهذه الدرجة او تلك. وكما لكل عاهة اعراضها الداخلية والخارجية، فإن لعاهة الإسلام السياسي اعراضها ايضاً والتي يمكن تدبرها وعلاجها بنجاح يعتمد على سرعة الإجراءات المضادة التي قد يمارسها المجتمع ضد هذه العاهة، تماماً كما تمارس المضادات الحيوية فعلها تجاه بعض الأمراض التي تؤدي إلى العاهات والعوق.

   الإسلام السياسي عاهة على المجتمعات التي يحل بها، إسلامية او غير إسلامية، وقد لا تبرز آثاره المهلكة على المجتمعات غير الإسلامية،كما على المجتمعات الإسلامية التي لم تزل تعاني من التخلف، خاصة تلك المجتمعات غير الإسلامية التي بلغت مرحلة متقدمة في مكافحة مثل هذه العاهات التي لم تختف تماماً بعد، كما اختفت لديها بعض الأمراض التي كانت مزمنة وخطرة في نفس الوقت. الإسلام السياسي عاهة العصر الحديث الذي تعيشه البشرية وتعيش اعراضه التي يتميز بها هذا المرض الخبيث والتي نراها اليوم ماثلة امامنا ، إذ ان :

   ** عاهة الإسلام السياسي تتصف باعراض التخلف الفكري الذي يشكل قوام انتشار هذه العاهة التي تسعى لعزل المجتمع الذي تصيبه عما يحيط به من تنوع واختلاف ، وتعمل على تحجيمه ضمن اطروحات بائسة مشوهة تجعل من دياره سجناً واسعاً ومن افكاره سلاسل لا تسمح له بفتح عقله حتى على القريب مما حوله، تشغله بآت مجهول ولا تنقذه من حاضر أليم. هذا العوق الفكري الذي يصيب به الإسلام السياسي المجتمعات التي يحل بها، يمنع اي تحرك نحو الغد لأفضل والمستقبل الأمثل ، إذ ان غد الخطاب الفكري للإسلام السياسي هو غد الحوريات الذي لن يصله الإنسان إلا عبر قتل الآخر المختلف او إذلاله او تسييره وخنوعه لكل ما يأتي به ضمور العقل وغياب الوعي . ولا مناص من التأكيد هنا على ان عاهة الإسلام السياسي هذه تقود إلى الشلل العقلي الجمعي فعلاً، وما هذا الشلل إلا عاملاً من عوامل العوق الإجتماعي.

   ** عاهة الإسلام السياسي ارتبطت وما زالت مرتبطة بالعنف والقتل والقسوة ، اي انها مرتبطة بالجريمة في معظم تصرفاتها ضمن المجتمع الذي تتواجد فيه، مع شدة وانخفاض مستوى الجريمة هذه تبعاً لشدة وانخفاض حدة هذا المرض في هذا المجتمع او ذاك. فالمجتمع الذي يتربى بناته وابناءه في تكايا وزوايا فقهاء الشياطين من منظري الإسلام السياسي وناشري خطابه على شرعنة الجريمة بحق الآخر المخالف وإباحة ابشع الطرق في القضاء عليه وإراقة دمه او، في حالة الرحمة والرأفة به، إذلاله إلى اقصى درجات الإذلال وإشعاره بالنقص والدونية، إن مجتمعاً كهذا لا يمكن وصفه بغير المجتمع المريض والمعوق الذي لا يقوى على الحياة مع مجتمعات القرن الحادي والعشرين اليوم.

   ** عاهة الإسلام السياسي تتميز بشكل لا نقاش فيه باعراض الكذب والخداع والمراوغة التي لا حدود لها سواءً في تنوعها او في مجالات توظيفها داخل المجتمع الذي تحل فيه هذه العاهة. وحينما تنتشر اعراض هذه العاهة في المجتمع فإنها تخلق في الواقع اجيالاً جبانة تتصنع المذلة والطاعة والمراوغة حينما تكون في حالة الضعف ، والبأس والشدة والجريمة حينما تمتلك اسباب ووسائل هذه الجريمة، وكل تاريخ هذه العاهة يشير إلى ذلك بوضوح لا لبس فيه. عاهة الإسلام السياسي هذه خلقت من الكذب والخداع والمراوغة مبادئ دينية سمتها التقية حيناً والضرورات تبيح المحظورات حيناً آخر، كل ذلك لتجعل من المجتمع بعيداً عن التعامل مع المعطيات التي حوله بالعلم والمعرفة والتلاقح مع المجتمعات الأخرى، إذ ان مثل هذه المفاهيم لا تشكل الأجواء التي تنمو فيها وتتكاثر جرثومة الإسلام السياسي التي تنشر عاهته ومن ثم عوقه على المجتمع الذي تحل فيه.

   ** عاهة الإسلام السياسي هذه تعكس شرعنتها للإحتيال من خلال تسلطها السياسي الذي تسعى إليه بكل الطرق الملتوية والكاذبة حتى إذا ما تمكنت من ذلك توغلت جراثيمها بالنهش في الجسد الإجتماعي باسم الدين او باسم الأخلاق وما هي في الواقع إلا بعيدة عن كل الأخلاق التي تدعوا لها الأديان. لذلك فإن الخراب الذي تجلبه على المجتمعات التي تتسلط عليها سياسياً هو خراب اجتماعي اخلاقي بالدرجة الأولى، إضافة إلى ما يصيب المجتمع من تدهور إقتصادي وثقافي.

   ** وينسحب هذا الخراب الجرثومي الإسلاموي بشكل خاص على الوضع الإقتصادي الذي يتسلط عليه مجموعة من اللصوص التي لا تضع في كل حساباتها وخططها البعيدة والقريبة الأمد سوى سرقة المال العام مشرعنة بملكية المال العام للدولة التي هي ملك الجميع، وما يعنونه بالجميع طبعاً هو جميع اللصوص المتسلطين على هذا المال العام. وهنا يبرز العوق الإقتصادي للمجتمع الذي تظل طبقة لصوص الإسلام السياسي تزيده شللاً وعوقاً باسم الدين وباسم الأخلاق وياسم الشريعة وذلك كلما طال بقاء جراثيمها تنهش في جسم المجتمع الذي تحل فيه.

   ** جرثومة الإسلام السياسي جرثومة خبيثة تتنكر للوطن والمواطنة، إذ ان جل عملها يتركز على ما تسميه عائدية المذهب ومرجعية العقيدة التي تظل تنخر في المجتمع الذي تحل فيه حتى تحيله إلى هزال لا يقوى على شيئ ولا يستطيع التواصل مع العيش الحضاري إلا بالقدر الذي يسمح به الولي على كل التابعين مهما كانت علاقة هذا الولي بشيئ اسمه الوطن او المواطن. لذلك رأينا ونرى ان عصابات الإسلام السياسي التي عاثت في وطننا العراق انواع الجرائم وتسببت بكل الموبقات التي حلَّت بمجتمعنا تجعل من شريكها في الجريمة الأفغاني او الشيشاني اقرب لها من العراقي حتى ذاك الذي يدين بنفس الدين الذي تدين به، ناهيك عن تابعي الأديان الأخرى في الوطن الواحد. إنها جرثومة خبيثة فعلاً.

   أحزاب الإسلام السياسي، حاملة جراثيم شلل المجتمعات وعوقها، فشلت في العراق فشلاً لا مثيل له في كل المجالات وجعلت من المجتمع العراقي مجتمعاً مشلولاً ومعوقاً بكل ما في هذا الشلل والعوق من معنى. أحزاب الإسلام السياسي بالعراق فشلت لأنها ، إضافة إلى عدم كفاءتها السياسية ، لا تمتلك بُعد النظر في حركة التاريخ الذي وضع أمامها التجارب التي لم تستطع إستيعابها ودراستها بشكل يمكنها من إستخلاص العبر والدروس من هذه التجارب ، ولو أنها قامت بذلك بجدية تنطلق من ثوابت العلم والمعرفة في مثل هذه الأمور، لا من أهواءها الجانحة إلى السلطة والإثراء واللصوصية ، لما وجدت غير التنحي عن الحكم كوسيلة تضمن لها الحفاظ على القليل المتبقي من ماء الوجه الذي تبدد بشكل لا تستطيع معه بذكر أي حزب من أحزاب الإسلام السياسي بين المواطنين ، إلا وارتسمت علامات الإستفهام على وجوههم حول السرقات والرشاوي والمحسوبية والتهديد والتزوير والإكراه ومحاربة الرزق وفرض الأتاوات والتجارة بالفتاوى الرخيصة وإشغال الوظائف بدون تأهيل وغير ذلك الكثير مما يجري بالعراق اليوم منذ أن سلط الإحتلال الأمريكي على جسده جراثيم أحزاب الإسلام السياسي ولحد يومنا هذا.

  كتب بتأريخ :  السبت 06-08-2016     عدد القراء :  2862       عدد التعليقات : 0