الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لغرضٍ في نفسِ المالكيّ

   كون الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة صادرة هذه المرة عن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يضيف سبباً قويّاً آخر لمعارضتها جملةً وتفصيلاً.

   البلاد في أزمة خانقة.. ما من شكّ في هذا. الطبقة السياسية الحاكمة في مأزق .. لا شكّ في هذا أيضاً. الشعب في محنة متفاقمة .. هذا شيء مؤكد مليون بالمئة كما يقول الكثير منّا في الكثير من الأحيان للمبالغة أو لتقوية التأكيد.

   برغم هذا كله، فضلاً عن أنّ أكثر مَن يريد الانتخابات المبكّرة الآن هو السيد المالكي، لغرض في نفس يعقوب، أجدُ من اللازم معارضة هذه الفكرة.

   نحن الآن في ذروة الحرب مع داعش، ومن المفترض أن تتحقّق هزيمة التنظيم الإرهابي الماحقة في الموصل في غضون ستة أشهر على الأكثر( لو كانت الحال في الجبهة السياسية غير التي هي عليها الآن لكانت الموصل، على الأرجح ، على وشك التحرير أو قد تحررتْ بالفعل). وأنتَ في حال الحرب لا يمكنك إجراء انتخابات عامة، فالقوات المسلحة بكافة صنوفها مشغولة كليّاً بهذه الحرب التي تمتدّ جبهاتها إلى داخل المدن، وبخاصة بغداد. تفجير الكرادة الرهيب الذي لم نعرف بعد تماماً، رسميّاً، كيف حصل، شاهدٌ على هذا. وحتى لو أُنجِز تحرير الموصل وسائر المناطق الباقية إلى الآن تحت الاحتلال فإن عملية إعادة ملايين السكان النازحين الى مدنهم وبلداتهم وقراهم ستستغرق سنة كاملة في الأقل. من سوء التدبير أنْ تُجرى انتخابات تستثني هؤلاء السكان، فالجريمة بحقِّهم ستكون مركّبة: جريمة تمكين داعش من احتلال مناطقهم وفرض حال الحرب عليهم، وهو ما تمّ في عهد السيد المالكي وبسبب سياساته الخاطئة، وجريمة إقصائهم من عملية اختيار ممثليهم في مجلس النواب إذا ما أُجريت الانتخابات قبل تحرير مناطقهم وإعادتهم إليها وإلى الحياة الطبيعية.

   أيّة انتخابات قادمة، مبكّرة أو في وقتها، لن تكون مجدية على صعيد تحسين أوضاع البلاد وإخراجها من أزمتها والطبقة السياسية من مأزقها والشعب من محنته بهذه الطبقة السياسية، والتوافق مع مرحلة ما بعد داعش ، إذا ما أُجريت الانتخابات على وفق قانون الانتخابات الحالي غير العادل وغير المنصف وغير الديمقراطي، وإذا ما عُهِد بإجراء الانتخابات الى مفوضيّة الانتخابات الحالية غير المستقلة وغير المهنيّة. أيّة انتخابات من هذا النوع ستعيد إنتاج الطبقة السياسية الحالية. هذا سيعني إعادة إنتاج أوضاع البلاد المأزومة وإعادة إنتاج المأزق السياسي وإعادة إنتاج المحنة التي يكابدها الشعب، بل مفاقمتها.

   أما السبب المتعلّق بالسيد المالكي في معارضة فكرة الانتخابات المبكرة الآن، فله صلة بالغرض الذي "في نفس يعقوب". في 2012، عندما كان الوضع السياسي في البلاد في ذروة احتقان سياسي بسبب سياسات السيد المالكي الذي اعترف ضمنياً لاحقاً بخطئها عندما أعلن في مقابلة تلفزيونية أن الجميع ارتكبوا أخطاءً، ولم يستثنِ نفسه.. في ذلك الوقت طرح الحزب الشيوعيّ فكرة الانتخابات المبكرة . الأرجح أنَّ إجراء الانتخابات في ذلك الوقت كان سيخفِّف من الاحتقان السياسيّ وربما كان سيحول دون دخول داعش واحتلاله ثلث مساحة البلاد، لكنّ السيد المالكي اختار أن يواجه اقتراح الحزب الشيوعي بالقوة الغاشمة التي كان قد واجه بها تظاهرات 2011 المطالبة بإصلاح النظام السياسي ومكافحة الفساد الإداري والمالي وتوفير الخدمات العامة الأساسيّة.

   السيد المالكي أرسل يومئذ قوّة مسلّحة من قوّاته الخاصّة الشبيهة بقوّات صدام حسين الخاصة، فعبثتْ بأحد مقرّات الحزب وصحيفته "طريق الشعب" وتعاملت بفظاظة متناهية مع العاملين في المقر ومحرري الصحيفة وأجبرتهم على الخروج من المقر، وإخلائه لاحقاً.

   في تلك الأيام كانت الظروف ملائمة لإجراء الانتخابات المبكّرة، بخلاف الظروف الحاليّة، لكنّ السيد المالكي الذي رفضها في عهده يريدها الآن... بالطبع لغرضٍ في نفسه ليس عصيّاً على أحد استنباطه.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-08-2016     عدد القراء :  2058       عدد التعليقات : 0