الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لماذا عارضنا نظام صدام إذن؟

واحدة من أكبر مفارقات النظام السياسي القائم في العراق، بل هي من أوضح علامات فشله وانهيار قاعدته الأخلاقية والوطنية أنه لم يزل يعمل بقوانين نظام صدام وقرارات الدكتاتور غير الشرعية، بل يتمسك بها ويدافع عنها بضراوة داخل أهم هيئة في الدولة، مجلس النواب، بعد ثلاثة عشر عاماً من إسقاطه.

على مدى السنين العشر الماضية تضمّن جدول الأعمال للعديد من جلسات مجلس النواب مقترحات بقوانين لإلغاء قرارات أصدرها مجلس قيادة الثورة في العهد السابق. وذاك المجلس هو نظرياً قيادة حزب البعث المكلّفة بإدارة الدولة، وعمليّاً الهيئة الحكومية العليا التي تقرّ ما يقرّره صدام حتى لو كان ما يقرره الدكتاتور ضد المصلحة العامة أو الوطنية، بشهادة قياديين سابقين في حزب البعث وأعضاء في المجلس نفسه. ووجود المجلس كان من العلامات الدالّة على الطبيعة الدكتاتورية الشمولية لذلك النظام، ولهذا كان من  أول مطالب قوى المعارضة الوطنية العربية والكردية في ذلك العهد إلغاء المجلس. الكثير من قرارات مجلس قيادة الثورة تسبّب في مآسي شخصية وعامة لمئات الآلاف من العراقيين، وسنوياً كانت تصدر المئات من قرارات ذلك المجلس.

بالطبع وجود مجلس قيادة الثورة وصدور القرارات التعسفية عنه كان منسجماً تماماً مع الطبيعة الدكتاتورية الشمولية لنظام صدام.  والمفروض أنه كان من أولى مهام النظام الجديد إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة وكل القوانين التي لا تتوافق مع النظام الديمقراطي الذي وعدتنا به الطبقة السياسية القادمة مع الاميركيين والبريطانيين الى السلطة بعد 2003، وتشريع قوانين بديلة تعكس الجوهر الديمقراطي المفترض للنظام الجديد.

الذي حصل أن هذه المهمة لم تتحقق، والسبب يرجع إلى أن الطبقة السياسية التي تولّت الحكم بعد صدام حسين لم تختلف في الجوهر عنه. هي طبقة مفروزة من أحزاب شمولية، كحزب البعث، تتولّاها قيادات دكتاتورية كصدام حسين. هذه الطبقة السياسية لم تهتمّ بإقامة نظام ديمقراطي، فشرّعت دستوراً ناقصاً هجيناً ربعه ديمقراطي وثلاثة أرباعه غير ديمقراطي. القوانين التي ألزم الدستور الطبقة السياسية الحاكمة بتشريعها في غضون سنة بعد انتخاب أول مجلس نواب ( مطلع  2006) لبناء الدولة ولضمان الحريات والحقوق الديمقراطية لم تُسنّ حتى الآن. هذه الطبقة السياسية لم تشعر بالحاجة لتشريع غير القوانين التي تخدمها وتثبّت سلطتها وتحفظ  مصالحها القائمة على الفساد ونهب ثروة الشعب، وهي وجدت في قوانين صدام وقرارات مجلسه ما يحقّق لها ما تريد فلم تكلّف نفسها اختصار أوقات مناكفاتها وصراعاتها ومنافساتها وحروبها ومؤامراتها البينية لتشريع القوانين التي يحتاج اليها الشعب.

بالطبع لا أحد من أفراد هذه الطبقة يجتاحه شعور بالعار كل صباح لأنه لم يزل يحكم بقوانين صدام وقراراته، ولا أحد منهم يعتريه إحساس بالمأزق الاخلاقي كل مساء كونه يحكم بتلك القوانين والقرارات... السبب الحقيقي لهذا هو ضعف الوطنية والأخلاق، بل انعدامهما. ومن لديه تفسير آخر فليفدنا به.

الوطنيّة تقتضي والأخلاق تُلزم بأن نبرّر معارضتنا لنظام صدام وتأييدنا لإسقاطه. العمل حتى اليوم بقوانين صدام وقراراته لا يبرّر لنا وطنيّاً وأخلاقيّاً ما فعلناه. أليس كذلك؟ من لديه رأي آخر فليفدنا به أيضاً.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 17-08-2016     عدد القراء :  2262       عدد التعليقات : 0