الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في لندن.. وفي بغداد!

في "كنزينغتن"، الحيّ  اللندني الصغير،هذه الأيام ضجّة بين أوساط النخبة المثقفة وأصحاب الاعمال الذين يقودون حملة مناهضة لمشروع " تطويري" أقرّه المجلس البلدي  لضاحية " كنزينغتن آند تشلسي" التي تُعدّ أصغر وأرقى ضواحي العاصمة البريطانية وأقربها إلى مركزها.

المشروع " التطويري" موضوع الضجة والاحتجاجات التي امتدّ نطاقها الى أوساط فنية وشعبية في ما وراء حدود هذه الضاحية ووجدت لها صدى في الصحف المحلية والوطنية، يهدف الى بناء مجمع سكني من 42 شقة وبيتاً. مشكلة هذا المشروع أنه يراد له أن يقام فوق وبجوار مبنى يمتدّ عمره إلى 90 سنة. لكن ليس عمر المبنى هو النقطة المركزية في الحملة التي تقودها نخبة الحي اللندني ويؤيدها 30 ألفاً من سكان الحي، فضلاً عن آخرين. المبنى هو لدار سينما تحتوي على سبع صالت عرض و1300 مقعد،  هي واحدة من سلسلة " أوديون" الشهيرة.

الأهم من هذا، أن دار السينما هذه كان يرتادها مخرج أفلام الرعب الشهير ألفريد هيتشكوك لمشاهدة العروض الأولى لأفلامه عندما سكن بعضاً من سنوات حياته في شارع " كرومول رود" المارّ بالحيّ، ونخبة الحيّ اللندني وسكانه ومؤيدوهم من خارجه، بمن فيهم ابنة هيتشكوك، باتريشيا هيتشكوك أوكونل، البالغة من العمر  88 سنة، يريدون الإبقاء على المبنى على حاله وتحويله إلى مركز للفنون يحمل اسم هيتشكوك إحياءً لذكراه وتقديراً لسيرته الفنية الحافلة وأفلامه المبهرة، وقد شكّلوا لهذه الغاية مجموعة "أصدقاء أوديون كنزينغتن".  

دار السينما هذه القائمة على الشارع الرئيس للحي اللندني، كانت إدارتها قد أغلقت أبوابها في نهاية آب من العام الماضي، تمهيداً في ما يبدو لإقامة المشروع الجديد، والشركة المكلفة بتنفيذ المشروع التطويري أكدت انها لا تخطط لإزالة المبنى القديم بالكامل، لكن هذا لا يرضي أصحاب الحملة الذين يصرون على الإبقاء على المبنى كما هو وحمايته بوصفه إرثاً عاماً.

في لندن مئات دور العرض السينمائي، وسنوياً تضاف دور وصالات عرض جديدة،  وما كان سيؤثر بأي مقدار إخراج واحدة من الدور القديمة من الخدمة، لكن لشخصية مثل هيتشكوك قيمة بالغة لدى الجمهور والسلطات البلدية والحكومية على حدّ سواء، وفي هذا يكمن سرّ حملة النخبة اللندية القوية من أجل الإبقاء على سينما أوديون في كنزينغتن.

في بغداد وسائر مدن البلاد تجري الآن مجزرة حقيقية في حقّ المباني التاريخية التي لم يبقّ لنا منها إلا النزر اليسير.. دور العرض السينمائي والمسرحي ومساكن الشخصيات التاريخية يوهب الكثير منها الآن بـ " بلاش" تقريباً إلى محدثي النعمة وسرّاق المال العام لتحويلها الى كراجات وورش عمل ومبان سكنية، فيما أمانة بغداد وسائر المديريات البلدية لا تكترث بالقيمة التراثية والتاريخية لها. ودار ساسون حسقيل شاهد على غفلة، أو تعمّد، المسؤولين البلديين إخراج المباني التراثية من قائمة المعالم التاريخية تسويغاً لمنحها الى "مستثمرين" جشعين بتواطؤ من موظفين بلديين أكثر جشعاً منهم.

الحكومة، ووزارة الثقافة والسياحة بالذات، مطالبتان باتخاذ قرارات تحفظ لنا ما تبقّى من شواهدنا التاريخية، فلا يجري تدميرها على وفق ما يجري  من تدمير حاضرنا ومستقبلنا، بفضل أحزاب الإسلام  السياسي المتصارعة كالضواري الجائعة على المال والسلطة والنفوذ.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 22-08-2016     عدد القراء :  2127       عدد التعليقات : 0