الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في ذكرى كامل شياع
بقلم : طريق الشعب
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كامل شياع: هاجس الهوية ومصباح ديوجين

لطفية الدليمي

ليس رثاء لأخ وصديق ومثقف متفرد، فقد كتب الآخرون مرثيات اتفق فيها محبوه وعارفوه على فداحة الفقد وخسارة الثقافة العراقية المهددة من منظومات ومؤسسات ودول - برحيل هذا الرجل الرصين العامل بصمت الحكماء وصبر المتفائلين وحلم التنويريين ونزاهة الزاهدين..

كان الصديق الأشد نبلا والتزاما وحياء ومعرفة وإيغالا في الحلم، وفي حواراتنا سواء في بغداد وأوروبا لم اكن اخفي عنه انه يحمل فكرا طوباويا من زمن غير زماننا، وهو يعمل وسط حشود الأضداد الذين يشحذون الكراهية والجشع ويوائمون بين مخلب الوحش وقناع التوافق وبين ظلمة الفكرة وشهوة التسلط. كان يقول لي (ذلك شأن طبيعي في مثل فوضى بلاد محتلة وممزقة تعيد بناء نفسها. ولكنك حسنا فعلت بخروجك من البلاد أما عودتي أنا فهي خيار وجودي ومعرفي، اعلم ان الوطن لم يمنحك سوى عذابات مترادفة وفرص موت وشيكة، ولكني اخترت ان أمشي بين الرصاصة والأخرى، لعلي أخفف من جراح الوطن)..

ها هو واحد من ضحايا الحلم الثقافي والإنساني يسلمنا لوحشة رحيله الصاعق وخسارتنا الفادحة الأنه اختار الزمان الخطأ لتحقيق الحلم..؟؟ أم لأن الأرض ما عادت تتسع لنزاهة الحالمين؟؟

كامل شياع الذي ما راهن على مكاسب مادية او سلطوية كان يمثل لنا نحن أصدقاءه حامل مصباح ديوجين الذي نبحث بواسطته عبر مرايا النهار عن رجال يشبهونه او يقاربونه في الخصائص والزهد والنزاهة، ونحن ندرك حجم العتمات في نهارات الطائفية والقبلية والانتماءات الفرعية المتناحرة ونعرف ندرة الرجال المتجردين من الأحكام المسبقة والأهواء، بينما تحتشد الساحة بالأشخاص الذين يمارسون خطابا سياسيا مراوغا يجتر عذابات الضحية ويعيد تسويقها للحاضر والغد مخدرا بها الجموع اليائسة التي يكرس ذلك الخطاب جهلها واستلابها وبؤسها المؤبد..

مشكلة كامل شياع وربما مأثرته، أنه مزج بين المثقف المحايد العقلاني الناقد وأمانته العلمية وموضوعيته النادرة، وبين المثقف العضوي - المستشار العامل مع ادارة الحكم من جهة وهو الأكثر التصاقا برهانات الحلم الاجتماعي والإنساني من جهة اخرى. فكان يرسم الرؤية الإستراتيجية للمؤسسة التي لا تتقبل خيارات الديمقراطية الثقافية بل تعترض على الأنشطة التي قادها هذا الرجل و بينها المؤتمر الأول للمثقفين العراقيين الذي رقدت مقررات لجانه ومقترحات ورشه في ادراج مكتب المستشار كامل شياع بسبب حظر وزراء المحاصصة نشرها في كتاب..

كان يخطط برؤية مستقبلية متفتحة على آفاق معرفية وتجارب فكرية جديدة، وكانوا يعملون بنزعات طائفية محكومة بالمحاصصة والنظرة الماضوية التي لا ترى ابعد من مصلحة الكتلة او الطائفة ومظالمها التاريخية، وتعمل وبإصرار قاطع ضد جميع التوجهات المستقبلية للرجل وتعيق وتحبط اي مقترح عقلاني لمعالجة الواقع الثقافي وتطويره وعصرنته..

من جانب اخر كان كامل شياع مهموما بفكرة الهوية المحلية والهوية الثقافية، فلطالما حدثني عن جهده الشخصي لتعريف ابنه الوحيد (الياس) الذي ولد وعاش في بلجيكا - على منابع وجذور الثقافة العربية وتنويعاتها وتجلياتها في الأدب والفن والعمارة وكان يصحبه في رحلات الى سورية واليمن ليطلعه ميدانيا على العناصر والثيمات التي تشكل جسم الثقافة وخصائصها وتلاوينها، ليعرف ان والده العراقي ينتمي الى جماع هذا النتاج الفني والجمالي والفكري ولتنفتح بينهما مسارات للحوار والتواصل والمعرفة غير المشروطة بزمن ومكان محددين..

كان قد قرأ لي رسائل كتبها لابنه، رسائل شجية مفعمة بالعقلانية وعاطفة الأبوة الممتزجة بالمعارف المعاصرة وروح الصداقة والتفاهم بين جيلين مختلفين، كتبها لإدراكه خطورة الفراغ المفزع الذي يتربص بالفرد عندما يفتقر الى عناصر اساسية من هوية اجتماعية وثقافية تربطه بوطن وجماعة بشرية لها عاداتها وخصائصها واحلامها واوجاعها المشتركة..

لم يذهب هذا الرجل الى التخوم كما كان يرى في مفهومه للنهاية المتضمنة في الحاضر، على رأي جان بودريار- بل اجتاز الفضاء المستحيل وحيدا وحالما ومبتسما في حقول تجاربه اليوتوبية وسط الخراب، لأنه كان يعيش النهاية كل لحظة ويقول: (حين ندرك ذلك لا يعود هناك ما يستحق الانتظار، غير ان تسليم النفس للنهاية ليس استسلاما، إنه بداية السير نحو التخوم او بينها)..

يا كامل شياع

سلوى زكو

يا كامل شياع

ايها الشيوعي النبيل

مؤكد ان من قطع عليك طريق محمد القاسم

لم تكن له سابق معرفة بك

لم تكن هناك عداوة شخصية بينكما

لعله لم يكن يحسن القراءة والكتابة

كي يقرأ لك

لكن من ارسله يعرفك جيدا.

لن ننسى ذلك

القاتل والقتيل

كما رآهما كامل شياع

زهير الجزائري

أصك أسناني وأضغط  الأرض بقدمي وأنا أكتب عن كامل. مرة أرى القاتل بعينيه وقد تجمد الماء فيهما. أريد أن أستنبط هوية القاتل  قبل أن أغمض عيني، والسؤال القصير البسيط الجاهز بين الأسنان : لم ؟

ومرة أرى القتيل بعين القاتل وقد انعكست الدهشة من وراء شبكة الأصابع، وربما أسمع ذات السؤال القصير البسيط : لم ؟ ثم أطلق الرصاصات مثل أي قاتل محترف : طاق ! طاق !طاق ! وأغادر المكان على عجل باحثا عن التالي في قائمة اليوم.

لقد عرف كامل القاتل منذ زمن، عرفه وألفه ونحى الكراهية بينهما (قد لا يعرفني، وقد لا يقصدني أنا بالذات، وليس بيني وبينه ثأر شخصي). وربما لم يعرف القاتل حتى هوية القتيل و(ذنوبه)، ولم يكن سوى أداة تنفيذ لتلك القوى السوداء التي ترى في المثقف المتنور نشازا في دولة طالبان المتخيلة.

ولكثرة ما رأى وسمع عن تفاصيل مقتل الأقربين، استحضر كامل  دائما في خياله صورة المقتلة.. نتحدث معا عن تفاصيلها وكأنها حدثت فعلا وما نحن الأحياء إلا صدفة، وما زمننا الذي نعيشه إلا من فيض الصدف والمساحات الفارغة بين قتيل وقتيل.

لقد كانت الرصاصة موجودة أصلا، ساكنة وباردة في مؤخرة الدماغ، وفي تلك العقدة التي تجمع التهجس والإحساس بالواقعة الآن، في منعطف الطريق الذي يلي البيت أو يسبق موقع العمل.

يطيل كامل هذا الزمن الصدفة بالتنقل بين بيوت عديدة داخل منفى آخر لا مكان ثابت فيه، هو الوطن. و من هذه الثغرات يصنع كامل زمن الحياة ويتواصل معها منكبا على العمل مستعينا بمشاهد الحياة العادية.

ومن ركن خفي يتسلل القاتل بين تضاريس الحياة السوية مراوغا باسما، فالضحية أمامه دائما، عارية غافلة. وحتى لو زاغت عيناها بحثا عنه، سيتصنع هو الغفلة بينما يضع الرصاصة في بيت النار متحكما بالوقت والمكان والمشهد. يعرف كامل قاتله ويعرف المقتلة، ومع ذلك يبقى محاججا ناصحيه، بانه مدرك تماما بانه لن يصنع المعجزات، لكنه يريد أن يعيش التجربة حتى تخومها، ويري بعينيه كيف يتشكل التاريخ هنا على أرض العراق الوعرة، من كل هذه الصدف الغبية والعظيمة والمؤلمة. سيرى هذا التشكل ويقرأه كما كتاب حي، ويتشكل منه ويشكله. وربما أضاف بمقتله نقطة فصل في فقرات هذا الكتاب.

البناؤون .. الى كامل شياع

عبد الكريم كاصد

-1-

الجميعَ هنا قادمون

"لبناء الجنةِ":

الطيبون والأشرار

الملائكةُ والشياطين

اللصوصُ والقتلة

ماذا كنتَ ستفعلُ يا كامل في هذا السيرك؟.

أيُّ جدارٍ تبنيهِ لجنتك الخضراء؟.

وسط جحيمٍ أوّلهُ ليلْ

وآخرُهُ ليلْ

أيّ طوائفَ تجمعُها؟.

وإن اجتمعتْ فلذبحك أنتْ

-2-

هنا

ينطقُ الصمتُ بلسان الصرخات

ويقف الظلّ حائراً

في طريقهِ إلى البيت

هنا

تسهرُ الأمُّ نائحةً

تهزّ قبرَ طفلِها

كالمهدْ

-3-

- ماذا تبصرُ في البيت؟.

- قبراً

- ماذا تبصرُ في القبر؟.

- عائلةً

-4-

من أين نبتدئ الرحلة؟.

والقطارات

ذاهبةً

أو

آيبةً

لا فرق

من أين؟

والمحطاتُ مكتظةٌ بالجنازات

ماذا نتركُ أو نحمل؟.

أيّ ضفائرَ قُطعتْ؟.

أية أحلامٍ نُهبتْ؟.

-5-

يا كامل شياع

الطريق التي ابتعدتْ

ملأتها الإشارات

والخطى العائدهْ

وتلك الشواهدُ..

تبصرُها؟.

شواهدُ منْ؟.

مخطوطة بن شياع

علي الفواز

الى كامل  شياع

رجلٌ يكتبُ مخطوطةَ البلادِ،

يشتري لها الكثيرَ من القواميسِ والقراطيسِ

يُبخّر لها الطاولةَ والقميصَ وأصصَ الزهرِ،

كعادته ِ يقرأ لها سِفرَ الغبارِ، ليدركَ أسرارَ الغزاةِ،

وأسرارَ حروبهم وأخطائِهم..

المخطوطةُ تشبه طُلّسما من الأحجياتِ،

تركهُ الطغاةُ عند أولِ الصحراءِ،

أو قايضوهُ بأسلحةٍ صدئة..

الرجل بن شياع،

لا  أدلّاءَ له في  الكتابةِ،

ولا  حرّاسَ لصناديقه العائلية،

كلُّ ما يعرفه الطريقَ الى السماءِ،

والبيتِ والأصدقاءِ والشارعِ والمقهى،

لا تعرفهُ  خائنةُ الكلامِ،

ولا خائنةُ الحرب،

لذا كان يتشهى المدائحَ مثل أغاني الصباح،

يشاطرها الأمنيات،

والضحك، والفوانيس...

الرجل ظل يكتبُ الحلم/ المخطوطة

حتى أدركه  الصباحُ، أو أدركه القتلة...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاربعاء 24/  8/ 2016

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 24-08-2016     عدد القراء :  2319       عدد التعليقات : 0