الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إستراتيجية وطنية ضرورة مفقودة لحماية اﻹرث الحضاري

تعرضت آثارنا للنهب والتخريب ، منذ دخول البعثات اﻷثرية للتنقيب عن اﻵثار المطمورة في باطن أرضنا المعطاءة ، إذ لم تبلور الحكومات التي توالت بعد غدر ثورة تموز المجيدة أمورا ضرورية ترفع من مسؤوليتها الوطنية ، وتزيد من مستوى الوعي للمحافظة على قيم التراث وحماية إرثه الحضاري ، فلم يكن يعني تلك الحكومات إلا ما تعلق بمصالحها القومية والمذهبية ، حتى أن البعض من القائمين على مواقع القرار فيها إنساق الى جوقة المنتفعين من أموال الشعب ، فسرقوا ما خف وزنه ، وثقل سعره ، لتباع في السوق السوداء في الخارج ، لتوضع كأنتيكات أثرية في قصور هواة التحف قبل وبعد اﻹحتلال عام 2003 . فبعد اﻹحتلال غاب الكثير من التحف اﻷثرية من متاحفنا أمام أنظار جنود اﻹحتلال ونقلت الى الخارج ، وما بقي منها أجهزت عليه معاول المخربين.

جاء هذا التدمير المتعمد نتيجة فقدان وغياب ثقافة وعي البعض من المسؤولين المباشرين عنها بمكانة اﻹرث الحضاري ،ﻹهمالهم نشر ثقافة اﻹهتمام باﻵثار وكيفية صيانتها ، فبجانب ما تقوم به بعثات التنقيب من سرقة ما تراه ذا أهمية تاريخية دون رقابة ، كما تعرضه متاحف بريطانيا والمانيا وفرنسا وأمريكا ، بشكل مصان ومحفوظ ، تشاركها في السرقة عصابات سرقة اﻵثار بدافع الكسب المادي ، لمعرفتهم المستقبلية بقيمتها التاريخية وبأهميتها الحضارية والمادية ،ليتمتع مواطنيهم والسواح بروعة ما أنتجته المكونات العرقية العراقية ، في بابل ونينوى وأور.

لقد أهمل المسؤولون أهميتها التاريخية ، فليومنا هذا ، لم ينهضوا بعمليات تحد من التجاوزات على اﻵثار ، إذ ﻻزالت بعض اﻷماكن اﻷثرية والتلال المنتشرة في العراق ، والتي تحوي كنوزا أثرية دون حراسة مما يعرضها للسرقة . كما حصل عند تهريب إلى إسرائيل لفات الكتاب المقدس لليهود (التوراة)، آخرها ما تم من إلقاء القبض على عصابة في مصر كانت ترمي تهريب جزء من ما تبقى منها الى إسرائيل عبر سيناء.

فالسرقة والتدمير لم تطل المتاحف العراقية فحسب بل شملت المتاحف المصرية والسورية والليبية عند تدخل العامل الخارجي في شؤونها الداخلية وفقدان سيطرة اﻷمن ، فلم يتم اﻹكتفاء بالسرقة وأنما حُطمت التماثيل التي لم يستطيعوا نقلها ، بإيعاز من المنظمات السلفية والمتطرفين اﻹسلاميين ، يشهد على ذلك ما قامت به القاعدة في أفغانستان عندما حطمت تماثيل عملاقة لرجال دين محفورة في الجبال قبل آلاف السنين ، وما قامت به داعش في الموصل.

تفتقر حكومة المحاصصة الطائفية واﻷثنية حاليا الى إستراتيجية وطنية من شأنها المحافظة وإعادة بناء المواقع اﻷثرية وحمايتها ، تقف في مقدمتها حصر التنقيب واِﻹشراف لوزارة خاصة باﻵثار و اﻹرث الثقافي لبلادنا ، يقودها ذو إختصاص وكفاءة ، تنهض برصد المواقع اﻷثرية واﻷبنية التراثية ، ذات الشناشيل النادرة الصنع ، في جميع مدن العراق وإخلائها ممن تجاوز عليها . وكذلك المقابر اﻷثرية لمكونات شعبنا العرقية المنتشرة في مدن العراق ، لتبقى صامدة كي تتعرف اﻷجيال على ثقافة المكونات العرقية لشعب وادي الرافدين .( يقال ان شناشيل أبنية شارع الرشيد الجميلة واﻷماكن اﻷخرى تشكو من تعرضها للسقوط دون إلتفاتة أن كانت من المواطنين أو من أمانة بغداد رغم مناشدة حاملي الهم العراقي المتكررة.

ومع غياب تطوير وسائل الحفاظ على الذاكرة التاريخية العراقية ، وضعف نشر ثقافة اﻷعتزاز باﻷرث الحضاري لبلادنا في المدارس ، وعدم تنظيم سفرات للمناطق اﻷثرية لطلابها ، وغياب جهود سفاراتنا في الخارج بتعريف العالم بجمالية آثارنا ، وعدم تأسيس شركات سياحية معنية بهذا اﻷمر ، تعمل على توفير مستلزمات متمدنة في المناطق اﻷثرية و تقوم بترسيخ وتوثيق الذاكرة العراقية والموروث غير المادي لها ، عبر النصب التذكارية وتسمية الشوارع بأسماء رواد الثقافة الوطنية والقيم الحضارية لشعبنا . مثل هكذا أمور تقع ضمن أوليات المهام الوطنية للحكومات.

كم كانت فرحة العراقيين عظيمة ، عندما أفلحت جهود البعض من الحريصين على اﻹرث الحضاري العراقي ، بضم اﻷهوار العراقية في 18 من تموز الماضي تحت حماية اليونسكو ، وإعتبرت موقعا للتراث العالمي ، مما يؤكد اﻷعتقاد بأن هذا أﻷمر يتطلب تشكيل وزارة خاصة باﻷثار ، ﻷن مديرية عامة للآثار مرتبطة بوزارة الثقافة تكون عاجزة بالنهوض بمهامها المتشعبة ، سيما وهناك نزاع طويل اﻷمد على حصة العراق من المياه بين جارتيه في الشرق والشمال تتوقف حياة اﻷهوار عليها ، قد تعرضها للتصحر ، إذا لم تتخذ تفاهمات معهما حول كمية المياه التي تتطلب إستدامة حياته.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 14-10-2016     عدد القراء :  2913       عدد التعليقات : 0