الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
«فاطمة قبل غزوة دمشق بيوم»

كان من المقرر أن تغزو الصغيرة فاطمة ذات التاسعة ربيعا مدينة دمشق يوم الخميس، لكنها عادت إلى والديها تخبرهما أن قسم شرطة الميدان في العاصمة دمشق خال من الجنود عدا جندي واحد، وقتله ليس بكاف لغزو مدينة بحجم مدينة دمشق، ولن يشف قتله وحيدا صدور قومها المؤمنين.

«أبو النمر» الأب «وأم فاطمة» الأم، يقبلانها وأختها الصغيرة، ويحتضناهما ويدعوان لهما بالتوفيق وبالشهادة فى يوم العيد الأصغر. بعد صلاة الجمعة في اليوم التالي وجدوا أشلاء الصغيرة متناثرة على درجات المخفر عدا وجهها الطفولى البرئ، عند البحث عن ضحايا الغزوة، لم يجدوا سوى جندي الأمس يتأوه في أحد الأركان وحيدا، وبجواره رأس فاطمة المسكينة.

الأخت الصغيرة ذات السابعة ربيعا، التي منعوها من دخول المخفر لصغر سنها، عادت تزف إلى أبويها نبأ استشهاد فاطمة، وبشرى غزوة دمشق بإصابة جندي واحد فى المخفر مقابل أشلاء الصغيرة المسكينة.

الأب «النمر» الذي أرسل شبله الصغير إلى أرض المعركة منتظرا الفتح الكبير على أنقاض طفولتها النحيلة، يهلل ويكبر، ويدعو المجاهدين من جيوش الخلافة إلى غزوة خيبر، بعد أن فتحت صغيرته أبوابها الموصدة بجسدها الهزيل!.

الأم المغيبة ترسل عبر الأثير لقاء الوداع بطفلتها وتطلق عليه (فاطمة قبل غزوة دمشق بيوم) فلا فتحت الصغيرة المسكينة مدينة دمشق، ولاتسلق المجاهدون حصن خيبر، ولاربحت تجارة على أشلاء طفلتهما الهزيل، وبقيت دمشق كما هى صامدة!.

الآخر «أبو عمارة» الأب يلفلف ابنه الصغير ذو الخامسة عشر ربيعا بحزام من الديناميت داخل سيارتة المفخخة، ويضم صغيره إلى صدره يحتضنه، يودعه ويطمئن على شد وثاقه بالحزام الناسف، وسلامة السيارة التي ستقله إلى أرض المعركة، ومحطته الأخيرة في الدنيا والأولى إلى جنة عرضها سماوات الله وأرضه.

في رسالة الصغير قبل قيادته السيارة المفخخة الى أطفال المسلمين فى مثل عمره الغض، يدعوهم إلى الإسراع إلى نيل الشهادة حتى يفوزوا بالحور العين ونساء الجنة، الواقفات على أبوابها شوقا إلى أحضان الطفولة!.

الكلمات تتلعثم وتتخبط خجلى على لسان الابن، لكن الأب يصححها ويرتبها له ويرددها المسكين خلفه، دون أن تهتز الكلمات على لسانه أو تتراجع !.

«أبودجانة» شاب سعودي في جبهة النصرة فى سوريا، ابتسامته شاحبة على شفتيه، تستقر عليها خطوط نهايات عمره التي اختارها لنفسه، ركيكة كلماته التي اختاروها له، ترتعش مخارجها وتتضاءل وتتوه كما تاهت منه نهاية عمره. قبل تغجيرنفسه يدعو الشباب المسلم إلى الاقتداء به والإهتداء بهدية وسرعة الفوز برضا الله ومرضاته، في المشهد التالي، صوت انفجار مدوي تهتز الأرض وترتعد فهل ياترى كان يحمل الإنغجار أبو دجانه وابتسامته؟ أم ذهبت الابتسامة وبقى هو؟ «أبو مصعب وأم مصعب» من خلف ردائها الأسود الداكن، يودعان ابنهما، طويل القامة قوى البنيان امام حافلة مدرعة تقله الى محطته الاخيرة، الأب يحتضن إبنه وهو يتلو قرآنا «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم» الابن قبل الرحيل الأخير يحث الأباء والأمهات على تقديم أبنائهم إلى نار الدنيا منجاة لهم من نار الآخرة، ويدعوهم إلى التجارة بفلذات أكبادهم مع الله.

كم كنت أتمنى أن أقرأ وجه الأم خلف النقاب لحظة الوداع، هل دمعت دمعتها أم تحجرت؟ هل نطقت الكلمات على شفتيها أم تبلدت وتأخرت؟ وهل رمقته عينيها قبل الوداع أم أغلقتهما عنه وعميت؟ هؤلاء هم أشبال الخلافة، أطفال في عمر الزهور، مقبلون على الحياة، خطواتهم الأولى اللعب مع الموت، ومدرستهم هى القتل، وشهاداتهم مزيفة، ممهورة بخاتم الخلافة الداعشية المزورة.

هكذا تبدأ داعش والجماعات المتطرفة أولى خطواتها في تربية النشأ، وتعليم أجيالنا القادمة لغة القتل، التي ستقودنا حتما إلى الخراب والدمار، وكما بدأتها جماعة الإخوان في اعتصام رابعة حين حمل أطفال الملاجئ أكفانهم في «مشروع شهيد».

ماهذا الدين الجديد الذى جاءونا به؟ وماهؤلاء الذين نزعوا الرحمة من قلوبهم على خلق الله وعلى فلذات أكبادهم وأولادهم، دون أن تهتز جوارحهم، أو ترتعد قلوبهم؟ هؤلاء مرضى يستحقون إيداعهم مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية، ولنا الله فيما ابتلينا به من مشايخ الإرهاب وفتاوى الضلال، الذين جرفوا وخربوا عقول الآباء بفتاوى الجهاد، وعزلوا براءة الأطفال عن الطفولة، وملأوا قلوبهم بالحقد والغل على الدنيا، ونزعوا من قلوبهم الرحمة بعباد الله، ففجروا الكنائس على المصلين، ودهسوا بالحافلات في الأسواق المترجلين، وقتلوا من كل شعوب الأرض المظلومين، ويقولون هذا من عند الله وتجارة إلى الله. فما ربحت تجارتهم جميعا.

adelnoman52@yahoo.com

  كتب بتأريخ :  الجمعة 30-12-2016     عدد القراء :  3330       عدد التعليقات : 0