الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كنا أول من علَم الموسيقى للعالم، وأصبحنا أول من تم حرمانه منها

عرف العراقيون القدماء الموسيقى منذ أقدم العصور، حيث لعبت دوراً رئيسياً في رقصاتهم السحرية البدائية التي تحولت مع تطور المجتمعات إلى رقصات دينية، فصار الرقص المصحوب بالعزف والغناء لازمة مهمة للكثير من طقوس العبادة التي كانت تُقام في المعابد والساحات المفتوحة خلال المناسبات الدينية ومنها إحتفالات عيد (الأكيتو) رأس السنة البابلية.

كذلك لعبت الموسيقى جانباً مهماً في الحفلات الترفيهية وكعناصر مكملة في الحانات التي كانت تُدار من قبل النساء. وقد عرف العراقيون القدماء الجوق الموسيقي العسكري الذي كان يُصاحب المحاربين ويعزف لهم الموسيقى مع الأناشيد العسكرية.

وقد قام أساتذة الرياضيات في تلك الأزمان من إبتكار طريقة ترميزية للأرقام، ومن خِلال تلك الرموز تمكنوا من إبتكار (النوطة الرقمية) حيث لم يكونوا يومئذٍ يعرفون النوطة المعروفة اليوم ( دو ريه مي فاصو لا سي )!.

وبسبب تلك النوطة القديمة والمعتمِدة على الأرقام تمكن العازفون في عصرنا الحالي وأشهرهم ( ريتشارد كروكير ) من إعادة عزف أشهر القطع الموسيقية القديمة لقيثارة أور. ومن أشهر تلك المقطوعات العراقية القديمة التي اُعيد عزفها بعد ما يزيد على أربعة آلاف سنة من تأليفها أُغنية (الزواج)، (قارئة الطالع)، (ترتيلة للإله أيا .. إله الفنون والسحر)، أغنية للملكة (بو آبي)، (نشيد

النصر)، (نواح على الأسود ـ الشهداء)، (أغنية العزلة)، (غروب على الماء) وغيرها من المعزوفات الموسيقية الرائعة التي حافظت على طراوتها وسحرها الموسيقي ونَقلَت إلينا الحس الموسيقي المُرهف للفنان الرافديني القديم، ولم يكن كل ذلك سيتحقق لولا تدوين تلك الألحان بالنوطة الرقمية الأقدم في تأريخ العالم.

وبواسطة كل موروثنا التراثي لأجدادنا الرافدينين القدماء تمكّنا أن نُصنف ونُقَسِم الآلات الموسيقية الرافدينية القديمة إلى :

١- آلات وترية تضم القيثارات المختلفة الأوتار من ثمانية أوتار وأحد عشر وتراً وخمسة عشر وتراً، علاوة على قيثارة شولكي النادرة في بابل. + قيثارات من خمسة وسبعة أوتار في ديالى التي تمثل إمتداداً لبابل لكنها كانت تقع ضمن حدود ممكلة أشنونا.

٢- الربابة.

٣- السنطور بشكله القديم.

٤- آلات القرع، والتي كانت تتألف من الطبول الكبيرة جداً والتي كانت تحتاج إلى طبالين إثنين. ثم طبول متوسطة وصغيرة.

٥- الدفوف الكبيرة والصغيرة ومنها الدف المعروف محلياً اليوم بإسم (الزنجاري).

٦- الطنبور .. وكانت تُمسكه العازفة بكلتا يديها.

٧- الصنوج وبأنواعها المتعددة.

٨- أدوات النفخ، ومنها الناي ذو القصبة الواحدة، وذو القصبتين المزدوجة والذي نسميه اليوم (المطبج)، والناي المتعدد القصبات. كذلك المزمار القصير والطويل.

٩- أدوات النفخ مثل الأبواق وبعدة أحجام.

وكمثال على تراجع الحضارة في الوقت الحالي في العراق تقول الباحثة الموسيقية العراقية (شهرزاد حسن) في كتابها (دور الآلات الموسيقية) أنها وقبل عدة سنوات تقدمت بطلب إلى وزارة الثقافة العراقية من أجل مساعدتها في القيام بكشف وإحصاء للآلات الموسيقية الموجودة والمعروفة في العراق. ويومها أجابها المسؤول الوزاري متهكماً وساخراً: "لماذا تتعبين نفسك وتُكلفينا المصاريف ؟، آلاتنا الموسيقية معروفة ولا تتعدى أربعة أو خمسة، مثل الطبل والناي والعود والربابة" !.

وبعد عدة محاولات مُخلصة وصبورة تمكنت هذه الباحثة العنيدة من إقناع المسؤولين، وبعد عدة سنوات من البحث والتقصي والتجوال في معظم مدن وقرى العراق كشفت هذه الباحثة الجليلة عن أن هناك أكثر من ستين ( 60 ) آلة موسيقية بعضها قديم وموروث منذ أزمان سومر وبابل وآشور ولا زال مستعملاً في طقوس بعض الطوائف الدينية المتنوعة وكذلك في الإحتفالات الشعبية في بعض مدن وقرى العراق الحديث. كذلك إكتشفت مئات الألحان والأنغام الأصيلة والمجهولة تماماً من قبل أساتذة الموسيقى وفقهائها!.

يقول الكاتب الفذ سليم مطر: إننا في حمى لهاثنا وراء كنوز موسيقى الغرب تناسينا كنوزنا الموروثة منذ فجر التأريخ.

إكتشف عالم الآثار البريطاني (ليونارد وولي) لوحاً سومرياً في مدينة ( اور ) الأثرية السومرية بين الأعوام 1924- 1922 وكان اللوح لأقدم نوتة موسيقية معروفة في تأريخ العالم، ويُعرف ب ( لوح الدوزنة والضبط الموسيقي )، وهذا اللوح قدم الفواصل اللازمة من خِلال فهم الموازين الموسيقية السومرية القديمة، مما يدل على أن الموسيقيين السومريين إستخدموا النظام الدوري في ضبط السُلم الموسيقي في وقت مبكر جداً كان في حدود العام ( 3000 ) قبل الميلاد.

ولكن .. مع شديد الأسف أن يقوم بعض الجهلة والأغبياء في زمننا الحالي، وجلهم من غير العراقيين الأصلاء بمنع الموسيقى والغناء في العراق وبأسم خرافات وشعوذات الدين والمقدس!!. أبكيكَ يا وطني .

**********************************************

مصادر المقال :

١- الكلدان منذ بدء الزمان. عامر فتوحي .

٢- الذات الجريحة. سليم مطر .

٣- دور الآلات الموسقية. شهرزاد حسن .

المجدُ للإنسان .

 January - 6 - 2017

  كتب بتأريخ :  الجمعة 06-01-2017     عدد القراء :  2625       عدد التعليقات : 0