الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
بعد ثلاثة عقود!

يقال ان التاريخ لا يعيد نفسه إلا سخرية.. ولكن في حالتي، هناك كثير من التراجيديا الروحية، وربما لعبت الصدفة لعبتها لكي تعاد دورة علاقتي بالصحافة وبوطنين شكلا جزءا مهما من روحي وهما العراق والجزائر. حيث تركت الأول في مقتبل الشباب، وفي نهاية السبعينيات تحديدا، لاستقر في الثاني (الجزائر) ولأخط اول مقالاتي، وتحديدا عن المسرح، في جريدة الجمهورية وناديها الأدبي، وهي التي تصدر في غرب الجزائر في مدينة وهران.

كنت أجد في يوم المسرح العالمي الذي يصادف في السابع والعشرين من آذار كل عام مناسبة اكتب فيها عن المسرح وهموم المسرحيين العراقيين في الداخل أو في المنفى، وكان قد شجعني على المواصلة مع جريدة الجمهورية صديقاي الاديبان مخلوف عامر والسائح لحبيب .. بقيت في مدينة سعيدة بحدود سبع سنوات وكنت مضطرا بعد ذلك الى مغادرة الجزائر لاستقر في فرنسا، وانتظرت 32 عاما قبل أن اعود إلى وطني الأول العراق وعاصمته بغداد التي ضاعت علي شوارعها وازقتها واحياؤها الشعبية، كما ضاعت علي مدينة وهران.. كل شيء متحرك وكل شيء تغير!

طيلة هذه السنوات وانا أحمل في فؤادي شيئا من الجزائر. كيف لا وانا ادخل الجزائر نهاية 1978 هاربا من نظام دكتاتوري بامتياز، قاد الوطن والأمة من حرب إلى اخرى، لأجد نفسي في وطن جديد أمن لي ولعائلتي العيش الكريم والصداقات المزدانة بمحبة صادقة وباحترام كبير .. اجل انها أرض الشهادة والأخوة الحقيقية.. وقادني الحظ الوافر أن أنتظر 32 عاما كي أعود إلى وهران مجددا بفضل دعوة كريمة من الهيئة العربية للمسرح لحضور مهرجان المسرح العربي التاسع في وهران / مستغانم.

هكذا كان للمسرح دور مهم في فتح نافذة دخولي الى الصحافة الجزائرية في مقتبل العمر وعقد وثيقة محبة لم ينفرط عقدها مع هذا الوطن. مكثت في الجزائر العاصمة نهاية عام 1978 قرابة شهرين وانتقلت بعد ذلك إلى الغرب الجزائري وتحديدا الى مدينة «سعيدة» المشهورة بمائها العذب وجوها الصحراوي للعمل فيها مدرسا. حينها كان اليسار الجزائري ممثلا بشبيبته من الطلبة، خاصة، ملاذا للعمل سوية في المسرح . وتعلمت منهم كيف تستطيع أن تكتب نصا بشكل جماعي، فتحول العمل معهم إلى ورشة عمل حقيقية في الكتابة والرقص والغناء والموسيقى. والدرس الثاني والأهم هو كيف تكون جريئا بطرح رأيك دون لف أو دوران وتشير للفاسد والمخطئ بسبابتك!

كانوا في معظمهم طلبة في الثانوية التي اعلم فيها، يغنون ويمثلون ويرقصون على امل الوصول الى وطن يليق باسمه.. إلا أن التطرف في العشرية السوداء نهاية القرن الماضي ادخل عصاه في عجلات التقدم، ناشراً القتل والجهل والتخلف. لكنها الجزائر، بلد الطاهر وطار صاحب رواية «اللاز» الشهيرة، بلد شهيدي المسرح عبد القادر علولة وعبد العزيز مجوبي، بلد المناضلة الأسطورة جميلة بوحيرد، بلد الآلاف من الخيرين والمبدعين.

إنها بلاد الشهادة من أجل الحرية والكرامة والاستقلال.. وهيهات أن تموت، مثلها مثل العراق الذي لا يقبل إلا الحياة !

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 25-01-2017     عدد القراء :  2877       عدد التعليقات : 0