الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
اجتهاد شخصى غير ملزم.. عن الفتوى أتحدث!!

سألنى سائل عن الفتوى، ولسهولة السؤال أسأت الظن به، وأنا أخشى من الأسئلة أسهلها، خصوصاً إذا كانت الإجابة فى متناول الجميع، هل كان يقصد اختبار معلوماتى؟ هذا عن ظنى السيئ، لكننى سأجيبه حدود علمى، ولنأخذه على حسن نيته، للفتوى تعريفات عدة أميل إلى هذا التعريف الخاص (هو بيان الحكم الشرعى فى المسألة، لكنه غير ملزم كحكم القضاء، فالأول تنفيذه بيد سائله إن شاء أخذ به وإن شاء تركه، وحكم القاضى تنفيذه بيد الحاكم لا يحيد عن تنفيذه)والفتوى اجتهاد شخصى ولا اجتهاد مع نص واضح وصريح، وتلعب الظروف المحيطة بالفتوى دوراً محورياً، وتؤثر فيها ثقافة المفتى وعلمه وطبيعته الشخصية، فيتساهل منهم رقيق الطبع، ويتشدد منهم غليظ القلب، وللظروف الاقتصادية والاجتماعية موقعها من الفتوى، ولاختلاف طبيعة البشر من بلد لآخر تأثيره الملحوظ وظله عليها، وما قالوه فى هذا الأمر عن الإمام الشافعى، أنه قد غير بعضاً مما أفتى به فى مصر عن ما كان فى الشام، وقال بعضهم غيرها لطبيعة المكان والزمان، لكن أنكرها عليه بعضهم، وقالوا: إن التغيير كان تجديد علم، وهى قريبة الشبه بما أفتى به البعض بحرمة بيع الخمور فى بلاد المسلمين وأجازها البعض ببيعها ونقلها فى بلاد غير مسلمة لظروف تفرض نفسها على المغترب، فلا وزر عليه إذا قام بها، والوزر على من تعامل فيها بيعاً أو شراء فى بلاد مسلمة، وفى الاثنين الفعل واحد، وما تجربة ابن تيمية عن المرأة ببعيدة، فلقد كان عزوفه عن الزواج لعلة لا نعرفها، السبب الرئيسى لتحامله على المرأة، حتى وضعها فى صفوف البهائم والعبيد، فأفتى بعدم جواز خروجها من بيتها حتى للعبادة، وحقها فى كسوتين فقط، واحدة صيفاً والأخرى شتاء، ومأكلها ومشربها نظير الاستمتاع بها، وغير هذا من مظاهر الظلم، فهل مطلوب من الرجال جميعاً معاملة نساء بيوتهم من الأم والجدة والزوجة والابنة كالعبيد فى المأكل والمشرب والحياة، وهل لو عاملهم معاملة الذكور من أبنائه يكون قد أنكر معلوماً من الدين يستحق عليه العقوبة، أو أنه قد أصاب الحق بحسن معاملته لنسائه، وتعالوا نعود إلى عصر الخلفاء، وكيف كانت الفتوى تخضع فى كثيرمن الأحيان إلى ثقافة عصرها، وما ورثه الناس من علم الأجداد، ولم يكن لها من الشرع فى شىء، ثم نعرج قليلاً لحكم الفقهاء فى مدة الحمل مثلاً، لنرى كيف كان للتجربة الشخصية دور فى الفتوى، كما حدث للإمام مالك ولم تكن تمت للشرع بصلة، حتى يصبح تنفيذها رغم تداولها ضرباً من الخيال والخبل.

خذ الأولى: كان لرجل جاريتان وضعتا مولودهما فى وقت واحد، فهذه الأولى وضعت أنثى، وهذه الثانية وضعت ذكراً، فاتهمت إحداهما الأخرى أنها قد بدلت أنثاها بذكرها، فتقدم الرجل للخليفة على بن أبى طالب يطلب الفتوى، وأفتاه الخليفة، فأمر أن يوزن لبن الجاريتين فأيهما لبنها أثقل من الأخرى فالذكر من حقها، ولا أعرف ما هو الميزان الذى استخدم فى هذا الشأن الذى يزن الفارق بين لبن الأم للولد وللبنت، وأتصور أن الأمر لم يطبق لمرة واحدة. خذ الثانية: يقال إن امرأة اتخذت عبداً لها، واعتبرته ملك يمينها، وأفتى عمر بحرمة زواجها من أى حر طوال عمرها «وهذا رأى الخليفة، لكنه مخالف لحكم الله فإما العفو وإما عقوبة الجلد للزانية وليس من حقه حرمانها من الزواج»، وهذه الثالثة: جاءوا لعمر برجل وطأ بهيمة فأفتى بضرب الرجل وذبح البهيمة وحرقها ولا أدرى لماذا أحرقت البهيمة؟ وقد تكون العقوبة التعزيرية للرجل مقبولة، الغريب أن للبيهقى عن الرسول فى حادث مشابه أمر بقتل الرجل وقتل البهيمة، ولا أتصور صحتها، فكيف يقتل الرجل فى وطء بهيمة ويجلد فى وطء امرأة؟ وحدث ولا حرج عن فتوى مشايخ طالبان فى شمال باكستان فى تحريم تناول مصل شلل الأطفال لاحتوائه على مشتقات من دهن الخنزير، وسار عليها الناس وارتفعت نسبة الإصابة بالشلل عند أطفالهم.ثم تعالوا إلى رأى الفقهاء الأربعة فى مدة الحمل وهى فترة «الإمكان» وهى فترة بقاء الحمل فى بطن الأم، التى أفتى الحنفية أن الحمل يستمر إلى سنتين، والشافعية والحنابلة يستمر إلى أربع سنين، والمالكية تستمر إلى خمس سنين، وعن ابن عثيمين يقول تزيد على أربع سنين، بل منهم من قال لو ظهر الحمل، ووجدت القرائن الدالة على الحمل فإننا ننتظر وإن طالت المدة، ومما يستدل به الإمام مالك أن جارته امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن فى إثنتى عشرة سنة، ووفقاً لهذه الفتاوى، إذا ولدت امرأة مات عنها زوجها حتى أربع سنوات، يلحق الولد بأبيه المتوفى شرعاً، مخالفين العلم وموافقين بن عجلان وزوجه، فهذا العلم يقول أقصى مدة للحمل لا تزيد على عشرة أشهر وإلا أصيبت الأم بالتسمم، لأن المشيمة التى تغذى الجنين تصاب بعد شهرها التاسع بالشيخوخة، وتقل نسبة الأكسجين فإما الولادة وإما الموت، وهذه فتوى تارك الصلاة وما تحمله من غرائب، قال فيه الإمام مالك والشافعى لا يكفر ويفسق ويستتاب فإن تاب فلا عقوبة عليه وإن لم يتب يقتل بالسيف، وذهب جماعة من السلف بكفره، ومنهم من قال لا يكفر ولا يستتاب لأن الله يغفر الذنوب جميعاً، ليس معنى هذا أن الغرابة تشمل كل الفتاوى، فما كان مقبولاً فى زمن مرفوض وعجيب فى غيره، أدوات العلم والمعرفة تضيق المسافة دائماً على غرائب الأمور، (استفت قلبك ولا ترى غير ما يراه ضميرك، والمعتدلون من أهل الله، وابعد عن كل ما يخالف عقلك وإن أفتوك) هذه إجابتى والله أعلم.

adelnoman52@yahoo.com

  كتب بتأريخ :  الخميس 02-02-2017     عدد القراء :  3657       عدد التعليقات : 0