الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مرحلة التغيير في العراق .. وطبيعة تحالفاتها

منذ تأسيس الدولة العراقية في مستهل العشرينات من القرن الماضي. مر البلد بعدة مراحل سياسية مختلفة، غير ان في اعوامها الاولى تبلور النضوج السياسي لدى النخب المثقفة وادى بدوره الى نشوء جمعيات ومنتديات سياسية تحول بعضها الى احزاب، كان منها ما يجاري الحكم، واخرى تعارض ارتباطه مع الاستعمار البريطاني الجاثم على صدر العراق، وتتالت تلك المعاهدات الاستعمارية المكبلة لحرية الدولة الحديثة رغم اعلان الاستقلال الشكلي، ومنها معاهدة " الثلاثين" مع بريطانيا والتي واجهتها القوى الوطنية بالتظاهر والمعارضة، ثم جاءت بعدها معاهدة " بورت سموث" الاستعمارية في عام 1948 التي جابهتها مقاومة وطنية اشد، راح ضحيتها العديد من الشهداء وفي المقدمة منهم قادة الحزب الشيوعي وغيرهم.

وفي اواسط الخمسينيات وخشية من الانتصارات التي حققها المعسكر الاشتراكي، تشكل حلف المعاهدة المركزية " حلف بغداد " سيء الصيت، كل ذلك حتم على القوى الوطنية ان تتبنى مهمات حركة التحرر الوطني، وحصل على اثرها تقارب بين الاحزاب الوطنية والقومية، ففي عام 1954 شكل ائتلاف انتخابي، استطاع ايصال عشرة نواب الى البرلمان، وقد حل مجلس النواب على اثر ذلك من قبل نوري سعيد .وفي عام 1957 شهد هو الاخر قيام " جبهة الاتحاد الوطني" التي تكونت من الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال، وحزب البعث، كما تشكل تحالف ثنائي بين الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني. كانت جبهة الاتحاد الوطني، عاملاً هاماً في قيام ثورة 14 تموز 1958 المجيدة

مررنا على ذكر شيء من الماضي لنتمعن في الحاضر ونستقرئ المستقبل. ان الذي يملْ النفس غيظًاً، هو بالرغم من حالة الفشل والفساد الكارثية الشاملة في مجمل الاوضاع العراقية، الا ان معظم القوى الوطنية والديمقراطية المدنية تحديداً في حالة تباعد غير مسؤول، وبعضها يغط في حالة انعزال منكفئ . يتم ذلك مع توفر جملة من الموجبات التي ترقى الى حد " فرض عين" على القوى المدنية الديمقراطية وهي حماية الوطن من التشظي وابعاد الشعب العراقي عن الصراعات التناحرية المهلكة، واخراجه من سطوة الكتل السياسية الحاكمة من قوى الاسلام السياسي تحديداً. التي ترتهن الى اجندات اقليمية. وبخاصة بعد الانتصارات على داعش ، التي ستظهر خلالها العديد من الاصطفافات والتحالفات، سيما وان قرب موعد الانتخابات بشقيها المحلية والعامة.

ضالتنا في هذا الحديث، هي البحث عن ما ينبغي ان يحصل { ائتلاف او تحالف القوى المدنية الديمقراطية }، في مثل الوضع الراهن، والتي لم نلمس لها اثر يذكر، نسعى متأملين لعلنا وغيرنا ممن يهمهم امر ائتلاف القوى المدنية، وربما ستسعفنا طيلة الترقب ببشائر قطاف ثمار خيرة. ان المسؤولية التاريخية وفي الظروف الحرجة، تتسع بصورة عكسية حيث تفتح بوابات التلاقي بين قوى مرحلة التغيير الديمقراطية، حيث المشتركات الوطنية الاساسية. فلكل مرحلة شكل تحالفاتها، اتكاءً على ما تحتويه متون برامجها السياسية ذات الابعاد الوطنية الديمقراطية، متوجة بالعدالة اجتماعية، وقواعد المواطنة الصادقة التي ينبغي ان تكون قد عمدتها التجارب والمواقف وصقلت معادنها.

ربما تختلف مرحلة التغيير في مقومات تحالفاتها عن غيرها من المراحل الاخرى من حيث قواها المحركة، والتي يفترض ان تكون قائدة لها، ما عدا مستجدات الواقع السياسي المرير وافرازاته الخطيرة التي دون ادنى شك من شأنها ان تدفع بالمزيد من العمل الجاد لترصين التحالفات السياسية نحو طرح البديل المدني الذي لا يجسد التغيير اي بديل غيره

وكل ما اشير اليه من اساسيات تحالف قوى التغيير ليس سوى كفة لا تعلو على الكفة الاخرى الاهم، الا وهي تبني بل الايمان بالعدالة الاجتماعية ، لكون هذا المبدأ ينطوي على قوة طاردة للفساد، ومن شأنها ان تحجم النزعات الذاتية اذا لم تعدمها تماماً. فمن يرى مكانه في تحالف القوى المدنية، ويتميز على الساحة كونه الشريك في عملية التغيير، ينبغي ان يكون مجرباً في ثبات نهجه المدني الديمقراطي ومصداقية تعهداته غير القابلة لضغوطات الاجندات الخارجية.

  كتب بتأريخ :  الأحد 12-03-2017     عدد القراء :  3048       عدد التعليقات : 0