الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الإحتضار في زمن الإنتظار

التعلق المفرط يُنسي الفرد احياناً بعض جوانب المتعَلَق به والتي لا يريد ان يراها المتعَلِق بالرغم من سلبيتها التي لا تخفى على العين المجردة . وقد يبلغ هذا النسيان او بالأحرى تجاهل السلبيات درجته القصوى وحتى اللامعقولة احياناً اذا ما ارتبط هذا التعلق بالحب، خاصة إذا كان هذا الحب حب الوطن وعشق كل ما فيه إنطلاقاً من الأهزوجة العراقية التي يرددها الكثيرون مع سريان دموع الحب لكل ما في هذا الوطن الذي " حتى ناره جنة ".

وقد يستمر مفعول هذا الحب الجارف لسنين عدة خاصة عند من ابتعد عن الوطن وذاق مرارة طول الغربة التي فرضتها البعثفاشية المقيتة على الكثير من العراقيين. لقد كانت التمنيات والآمال المبنية على تحرير الوطن من عصابات البعث قد تجاوزت المدى المنظور الذي جعل منها تنطلق من التصور القائم على استحالة التغيير نحو الأسوأ باي حال من الأحوال. وجاء التغيير عبر غزو وطننا الذي لم يكن يشكل الوسيلة المرغوب بها للتحرير لدى بعض قوى المعارضة العراقية آنذاك. إلا ان ما حدث والذي عكس مدى ضعف قوى المعارضة هذه امام جبروت وجرائم دكتاتورية البعث، وضع الكثيرين امام الأمر الواقع بكل ما انعكس على هذا الواقع من ردود فعل سلباً او إيجاباً.

لا نريد التطرق في هذا المجال إلى ردود الفعل هذه والتي جرى الكثير من النقاش حولها ولا يمكن توقف هذا النقاش مستقبلاً ايضاً. إن جل ما نرغب بطرحه هنا هو دراسة العلاقة بين ما كنا نصبوا اليه قبل التغيير وما تحقق بعده. معادلة ليس من السهل معالجة حدودها بعد زوال دكتاتورية البعث مباشرة ولا حتى بعد مضي بضع سنوات، وذلك لأن خيوط الأمل ما زالت ترتسم بكثافة امام الشعب الذي قاسى من اعتى دكتاتورية عرفها تاريخ العراق الحديث. ومع مرور السنين بدأ الوهن ينتاب خيوط الأمل هذه حتى بدت بعد اكثر من اربعة عشر عاماً تحاكي خيوط العنكبوت التي تتلاقفها الريح من كل صوب وحدب إلا انها قد تظل تقاوم التفكك لفترة قد تطول احياناً. وهذا هو حال وطننا واهلنا فيه اليوم. ضياع في ضياع يكاد يكون السمة المميزة لمجريات الحياة اليومية على مختلف المستويات في عراق تقوده احزاب الإسلام السياسي والتطرف القومي والإنتماءات العشائرية والمناطقية وشيوع هويات الطائفية المقيتة وكل ما نتج عن ذلك من نظام سياسي يخضع للمحاصصات التي افرزت هذا الضياع القاتل، بحيث لا يمكن للمراقب ان يجد مجالاً واحداً لم ينتابه هذا الوضع البائس في كثير من مفاصله إن لم يكن في جميعها.

الملاحظات المتراكمة من خلال المعايشات الميدانية في وطننا تقود كل من يعي هذه المعايشات ويستخلص بعض معطياتها ولا ينظر اليها نظرة عابرة مؤقتة، إلى وضع الكثير الكثير من علامات الإستفهام عن مدى هذه المسيرة التي انتهجتها الأحزاب الحاكمة ونظامها المحاصصاتي المقيت والذي فشل حتى الآن فشلاً لا يمكن ان يتجاهله اي انسان.

سأحاول التطرق إلى هذه المعايشات من خلال القناعة التي رسختها مظاهر الإنحطاط التي يمر بها وطننا ويعاني منها اهلنا فيه والتي جعلتني اعتقد بأن الوضع القائم الآن سيقود إلى الإحتضار، إن استطاعت هذه الأحزاب المتنفذة اليوم على مواصلة لصوصيتها واستهتارها بحقوق الناس وابتزازها لكل مقومات الوطن وتلاعبها بمقدراته من خلال تنويمة الجياع التي تمارسها هذه القوى الشريرة من خلال دين الفقهاء، وليس دين السماء، حيث نشرت فلسفة الإنتظار السلبي تحت إطروحة " لا تفكلر لها مدبر " تيمناً بمجيئ يوم الخلاص لآلهة فقهاء السلاطين، الخلاص من هذه الحياة البائسة التي لو لم تكن موجودة اصلاً لحققها هؤلاء الفقهاء بكل اطروحاتهم الغيبية التي تُبعد الناس عما يريدون تحقيقه في حياتهم هذه اولاً قبل ان يفكروا بالحياة الأخرى، اي التفكير بالحياة قبل الموت وبالراحة الدنيوية قبل الراحة الأخروية. هذا الإحتضار البطيئ في زمن الإنتظار القاتل المُطَعَم بفقه القادم المجهول سوف لن يساهم بحل ابسط المشاكل التي جاء بها منظرو الإسلام السياسي وكل من ركب جناح مسيرتهم الفاشلة من رواد التعصب القومي وحملة الهويات الطائفية والعشائرية وفرسان المحاصصات اللصوصية التي ابتلى بهم وطننا كخلفاء مخلصين لما سبقهم من ضياع الشعب والوطن اثناء التسلط الدكتاتوري البعثي.

لابد لنا من عودة لمواصلة هذا الحديث الطويل والمتشعب لمآسي وطننا واهلنا.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 19-04-2017     عدد القراء :  3255       عدد التعليقات : 0