الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ولد الإمام.. مات الإمام!

لا يُظن أن المقال موجهٌ ضد الأئمة، فليس هناك بين النَّاس، على اختلاف المذاهب والاتجاهات، مَن يحمل ذرة كرهٍ لهم، بينما كُتبَ ضد هذا الخليفة أو ذاك، والسبب لأنهم لم يمارسوا السُّلطة ولا السياسة، وأعده تلفيقاً عندما يجري الحديث عن حراك سياسي حزبي لبعضهم. لا يُنكر أن الحُسين (قُتل61ه) مارسه، في المواجهة المعروفة، لكن لم تجد مَن يُقلل من شأنه، وإذا كان ابن تيمية (ت728ه) الذي يعده الشِّيعة الإمامية الأكثر خصومةً، نجده يقول في حاكم زمان الحُسين: «لم يقم حدّ الله على مَن قَتل الحسين رضي الله عنه ولا انتصر له، بل قَتل أعوانه لإقامة ملكه، وقد نُقل عنه أنه تمثل في قَتل الحُسين بأبيات تقتضي مِن قائلها الكفر الصَّريح» (مجموع الفتاوى).

نعم، انفرد ابن العربي (ت 543ه) عندما قال: «وما خرج إليه أحدٌ إلا بتأويل»(العواصم من القواصم)، ويقصد تأويل الحديث القائل بعدم الخروج على السُّلطان، لكنه في الكتاب نفسه يقول: «ويا أسفا على مصيبة الحسين ألف مرة، وإن بوله يجري على صدر النَّبي صلى الله عليه وسلم ودمه يُراق على البوغاء ولا يُحقن يا لله ويا للمسلمين». وإذا كان محمد بن عبد الوهاب (ت1792) الأكثر اعتباراً في خصومة الإمامية، فأسماء أولاده: الحسين والحسن وعلي وفاطمة (السَّكاكر، الإمام محمد بن عبد الوهاب). كذلك أن علياً وأولاده وأحفاده اعتُبروا من أهل السلف لدى البغدادي (ت429ه)، وهو الأشد خصومة للإمامية (الفرقُ بين الفِرقِ).

لكن لا أحد ينفي النِّزاع بين المذاهب، وشيوع مصطلح «الفرقة الناجية» الإقصائي بتكفير الآخرين. لم يتأسس هذا النِّزاع على الموقف مِن الأئمة كأشخاص، وإنما على التأسيس العقائدي المبني عليهم. فهذه الجموع التي تخرج في ولادة إمام ووفاة إمام لا تعرف حقيقة الموقف، تخرج مستفزة، لأنها مغوية بأن هذا الاستنفار مرده كراهة الطائفة الأخرى للأئمة. مِن دون العِلم بأن الأمر لا يتعدى اختلاف العقائد بين الجماعات.

ما بحثتُ مشهد ما يجري بولادات ووفيات الأئمة مع رجل دِين، خالٍ مِن حزبية ومصلحة، إلا واعتبره مخالفاً، لكنه لا يجرؤ على المساهمة في إحداث صدمة مِن الغيبوبة الجماعية، خشية مما يلحقه مِن أذى. سبق أن عبر محمد الحسين كاشف الغطاء (ت1954) عن هذا الأذى، وهو يقف ضد مثل تلك الممارسات، قائلاً: «إن في صدري لعلماً جماً أخشى أن أبوح به مِن الشَّياطين الذين يوجهون العوام وفق مقاصدهم» (الخاقاني، شُعراء الغري).

ما يُمارس في ولادة ووفاة إمام سنوياً يعبر عن تلك المقاصد، بتحدٍّ صريحٍ، لكن ضد مَن ولأجل ماذا؟ وليس هناك، في واقع الحال، مَن هو ضد آل البيت. ما نظنه أن دفعاً خارجياً يعمل على تفاقم هذه الظاهرة، فبواسطتها تسهل قيادة الجموع، جاهزة عند الحاجة، بهاجس الدفاع عن آل البيت.

ليس الأمر متعلقاً بما بين الشيعة والسُّنة، وإنما ضد مَن لم يجارِ هذا التقليد من الإمامية أنفسهم، ليس اليوم بل منذ العهد الصَّفوي، الذي تمكن ملوكه من الاستيلاء على الحُكم بتأسيس هذا الانفعال، فكان يُطلق على الزَّيدية الشذاذ. يذكر أحد أبرز فقهاء ذلك العهد محمد باقر المجلسي (ت1699): «واتقِ الشُّذاذ مِن آل محمد، قلت: ويُريد بالشُذاذ الزَّيدية، لضعف مقالتهم...».

ليس في صالح هذه الجموع، ولا مستقبل أبنائهم، تكريس الفوضى وتقويض تقاليد الدولة، ففرض العطل غير الرسمية بهذا الانفعال جعل الدوائر لا تعمل نحو نصف عام، ووضع المؤسسات التعليمية تحت رحمة الجهل، فأي إمام، بولادته ووفاته السنوية، سيحسب ذلك إخلاصاً له؟

أخال أن الحريصين على الفوضى، وتقديم الشيعة مجرد جموع منكسرة، وتمثيل شخوص الأئمة بهذا الاستخفاف، هم أنفسهم الذين أنكروا على ابن موسى بن جعفر (ت183ه) إرث أبيه، وطوحوا بخُرافة أنه حي لم يمت، كي يستأثروا بأمواله. تقول الرّواية: «بعث إليهم أبو الحسن الرِّضا عليه السلام أن احملوا من قبلكم مِن المال، وما اجتمع لأبي عندكم مِن أثاث وجَوارٍ، فإني وارثه وقائم مقامه». فكُتب إليه: «إن أباك صلوات الله عليه لم يمتْ، وهو حيٌّ قائم، ومَن ذَكر أنه مات فهو مُبطل، وأعمل على أنه قد مضى كما تقول، فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وأما الجواري فقد أعتقتهنَّ، وتزوجتُ بهنَّ» (الطُّوسي، كتاب الغيبة)، وعرف هؤلاء بالواقفة (النُّوبختي، فِرق الشِّيعة). ينقل الخبر أعلاه الطُّوسي (ت460ه)، مرجع الإمامية ومؤسس الحوزة الدينية بالنَّجف (448ه).

بين ولادة إمام ووفاته يزداد البُعد عن العقل، ويتفاقم العزوف عن الإعمار. يا أيتها الجموع أما فكرتم: ماذا ستدخرون لأبنائكم وأحفادكم؟! فافهموا المقاصد وأدركوا الغايات، الوطن قبل الطَّائفة.

  كتب بتأريخ :  الخميس 27-04-2017     عدد القراء :  3378       عدد التعليقات : 0