الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مخاطر استمرار داعش بعد الهزيمة

لم يكن ظهور داعش بهذا الشكل مرتبط زمنياً باحتلال الموصل وغيرها والحقيقة تقال أن هذا التنظيم نشأ في رحم التنظيمات الإرهابية المتطرفة وفي مقدمتها منظمة القاعدة ومن فلول النظام السابق، وتطور وضعه كتنظيم قوي أثناء الاعتصامات العفوية الأولى في المناطق الغربية وتعنت نوري المالكي طائفياً والذي لم يساعد للوصول إلى حلول صحيحة، إضافة إلى تهديداته وعنجهيته " منو يكدر...الخ" واستعمال السلاح والتهديد لم يساعد أيضاً على معالجة الأمور بروية وحكمة لمصلحة البلد لسد الطريق أمام الفتنة وليوقف على الأقل هذه التطورات الدراماتيكية وتوسع التنظيم الإرهابي الذي استغل الظروف المستجدة بعد تطورات الخطاب الطائفي من قبل نوري المالكي وبعض الأحزاب والميليشيات الطائفية التي أخذت تنفذ سياسة مبرمجة طائفية قهرية وكأنها الآمر الناهي مثلما كانت أجهزة النظام الدكتاتوري القمعية تلاحق المواطنين والمعارضين حتى فكرياً، فداعش وظهوره بهذا الشكل يتحمله أيضاً هروب قادة القوات العسكرية وفرقهم في الموصل وفرض هيمنته على المحافظة ومحافظات أخرى، الحديث عن تلك الحقبة المؤلمة أصبح معروفاً بحذافيره وتناوله العشرات من السياسيين والمثقفين والكتاب وأكثرية وسائل الإعلام ولهذا لا نجد مبرراً للعودة إليه بشكل تفصيلي وما ذكرناه في المقدمة يجعلنا أن ندخل إلى صلب موضوعنا بالحديث عن ما بعد داعش وبخاصة الكثيرون يتحدثون عن الانتصارات العسكرية التي قام بها الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والبيشمركة والحشد الشعبي والحشد العشائري ...الخ ومنذ أن بدأت معركة الموصل تتوارد علينا الأخبار بتقدم القوات العسكرية وهزائم التنظيم الإرهابي داعش، وتخللت الأخبار الموما إليها ذكر البعض من الحوادث وبخاصة تصرفات البعض من الميليشيات الطائفية المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي وهذا أمر مرفوض لأنه لن يساعد في إعادة الهدوء والتعاون وعدم حدوث انقسامات وتوترات جديدة قد تؤدي إلى مخاطر جدية بالعودة إلى الصِدام المسلح ولكن بطريقة جديدة تعتمد على أساس استمرار الفتنة الطائفية، من هذا المنطلق يجب أن نضع الخطوط الرئيسية والخطط الموضوعية لما بعد التخلص من داعش الذي يعيش حالة من الحصار والتقلص والتفكك لكن ذلك لن تكون النهاية لان الفكر الذي أصبح أيدلوجية دينية متطرفة لن ينتهي إذا ما انتهت الحرب أو إلقاء السلاح، فمخاطره ستبقى لأمد غير قليل وقد يعود تحت مظلات وحجج إذا لم يجر معالجتها من منظور علمي وطني فلا يمكن إضعافه ومن ثم التخلص منه ،وعلى الخلايا النائمة التي تؤمن بطريق العنف إيماناً أعمى ولا من الحواضن التي مازالت تخشى من السياسة الطائفية التي تعتبرها غير عراقية وبتأثيرات من دول الجوار وبالأخص إيران، وللعلم أن الخلايا النائمة تشكلت على أساس استمرار التنظيم حتى بعد الخسارة في الحرب وهي تشكل بؤر تتفاعل مع الأحداث وتنتظر الأوامر بالتحرك والتنفيذ وأمامنا التفجيرات والمفخخات التي تقصف في كل يوم أرواح المواطنين الأبرياء ، فقيادة داعش ليست بالساذجة الغبية التي ستترك الساحة بمجرد خسارتهم عسكرياً وهي مصممة على البقاء في الساحة السياسية أيضاً على الرغم من الخسائر الهائلة عسكرياً، والبقاء واستمرار التواجد يعزز الفكرة حول إيجاد تنظيم سري وفق ضوابط حديدية سوف يساعد على القيام بعمليات إرهابية مسلحة لإثبات وجودهم والتهيؤ إلى جولة جديدة يخطط لها وفق الإمكانيات المتاحة، ولقد صدق من استنتج أن الحرب لن تكون مقبرة للتنظيم الإرهابي بدون استنزاف بشري ومادي كبير من قبل القوات الأمنية العراقية وكذلك المواطنين مع تصاعد أعداد الشهداء الذين يقدرون بالآلاف والخسائر البشرية الغير قليلة بين المدنيين إضافة إلى مئات الالاف من النازحين والهاربين وخسائر لا تقدر بثمن في البنى التحتية .

الكلام والتهريج عن الانتصارات العسكرية لا يكفي فالعلة في السبب الذي فرط بالموصل والمحافظات الأخرى وتبنى سياسة طائفية خلفت ورائها شقاً بين المكونين الرئيسيين لا يمكن ترميمه والتخلص منه إلا بإعادة الثقة من خلال نبذ نهج المحاصصة الطائفية، وبدون معالجة السبب ومحاسبته قانونياً فسوف تكون العلاجات الأخرى ناقصة، فليس من المعقول عدم محاسبة المتورطين في تسليم الموصل وغيرها لداعش بدون إطلاق رصاصة واحدة للدفاع عنها لا بل مكافأتهم بمناصب رسمية عليا، النقطة الثانية يجب التفكير الجدي بتكليف الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والبيشمركة الرسمية بعد التحرير وهزيمة داعش الإرهاب بزمام الأمور وإبعاد إي جهة أمنية مسلحة والتي لدى المواطنين الحساسية والخوف من وجودها ولهذا الأمر تجربة غنية لدى المواطنين في المناطق الأخرى، الاهتمام بأوضاع المكونات القومية والعرقية والدينية ومشاركتها في ترتيب الأوضاع في الموصل بعد التخلص من داعش ، الابتعاد عن روحية الانتقام والإهمال والاعتماد على روحية بناء المواطنة بالنسبة للجميع، الإسراع في إعادة بناء ما خربته الحرب وإعارة الأهمية البالغة في استعادة الخدمات وإيجاد حلول لمعالجة البطالة والفقر وتقديم العون للنازحين والهاربين العائدين لديارهم ومناطقهم من دعم مادي ومعنوي لأعمار دورهم ومحلاتهم، والإفراج عن المخطوفين الأبرياء الذين جرى خطفهم على أساس طائفي ومعرفة مصير الالاف من المختفين قسراً حيث طالب المرصد العراقي لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء 2 / 5 / 2017 ونشرته شفق نيوز في 3 / أيار / 2017 " إن أكثر من ألف مدني اختفوا قسريا خلال معارك تحرير مدينة الموصل ومحافظة الانبار"، داعيا الحكومة العراقية إلى إعلان نتائج التحقيق عن حالات الاختفاء. ولم يكتف المرصد بذلك فقد أشار أن " فرق شبكة الرصد في المرصد العراقي لحقوق الإنسان، وصلت لها بلاغات عدة في محافظتي الأنبار والموصل عن اختفاء أشخاص تتراوح أعمارهم بين الـ15 - 60 خلال العمليات العسكرية التي شهدتها مناطق المحافظتين، لكن ذوي الضحايا لم يقدموا أية بلاغات لعدم علمهم بالجهات التي أخفتهم قسرياً، أو في بعض الأحيان حفاظاً على ذويهم المختفين " ، وذكرت التقارير عن اختطاف ( 902 ) في عام 2016 قضاء الرزازة وفي العام نفسه حيث ذكرت شبكة الرصد في المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن العديد النساء تحدثن عن إن "لديهم أبناء وإخوة وأزواج اختفوا أثناء نزوحهم من مدينة الفلوجة قبل عام تقريباً عندما بدأت العمليات العسكرية لتحرير القضاء التابع لمحافظة الأنبار". إن هذه الحالات وغيرها من الحوادث التي لا تحصى دليل على تصرف قوى مسلحة طائفية مكلفة بالخطف وإخفاء العشرات وهي تهدد الوضع الأمني في المستقبل ولا يمكن أن تكون حلولاً للخلاص من داعش الإرهاب، ولهذا على رئيس الوزراء حيدر العبادي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة أن يتحمل مسؤولية الكشف عن القوى التي تعمل لزيادة الاحتقان الطائفي لا بل تساعد في عودة التنظيمات الإرهابية تحت تسميات وأشكال جديدة، إلا أن أهم قضية يجب الانتباه لها التخلص من نظام المحاصصة وملاحقة الخلايا النائمة لداعش والقضاء عليها كتنظيمات مهيئة لحمل السلاح ومحاربتها فكرياً بتقديم البديل الحضاري القائم على روح المواطنة.

إن مرحلة ما بعد داعش وهزيمته عسكرياً ليس كما يتصور البعض بأنها ستكون يسيرة لتمشية الأمور وإعادة الأوضاع كما في السابق، فمرحلة الهزيمة العسكرية هي البداية لعملية الخلاص وهي مرحلة أولى ستكون لها تداعيات مراحل أخرى لا تقل خطورة وصعوبة عن المرحلة الأولى، ولا يتصور البعض وتغريهُ الانتصارات العسكرية على الرغم من أهميتها الكبيرة وجعلها قاعدة انطلاق للحل الصحيح وقد اشرنا للبعض منها، فالغرور والسلاح ليسا بكافيين إذا لم تكن تلحقها إجراءات عملية لكسب الثقة وتحقيق السلم الاجتماعي والتعامل بشفافية واحترام حقوق المكونات والتخلص من تأثيرات القوى الإقليمية التي تتربص لتستحوذ على البعض من المكاسب وبخاصة هناك أرضية تتمكن هذه القوى من استغلالها، فهناك مصالح لتركيا في مستقبل الموصل كما هناك مصالح لإيران التي تسعى إلى زيادة نفوذها بواسطة الميليشيات والجماعات المسلحة التي تمولها كما أن الأمريكان وعلى لسان وزير الدفاع جيم ماتيس حيث قال "بعد استعادة الموصل، لا يجوز الانسحاب من المدينة، بل يجب نشر أكثر من 9 آلاف جندي فيها" إضافة إلى أطماع أخرى، وللتخلص وإنهاء كل ذلك وسد الطريق أمام الأطماع الخارجية وكبح القوى الإرهابية والميليشيات الطائفية والمافيا المنظمة والفساد المالي والإداري ، العودة إلى التكاتف والعمل على قيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

  كتب بتأريخ :  السبت 06-05-2017     عدد القراء :  2937       عدد التعليقات : 0