الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
اهمية وضرورة وحدة قوى اليسار العراقي في الظروف الراهنة
بقلم : الثقافة الجديدة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

افتتاحية الثقافة الجديدة" : اهمية وضرورة وحدة قوى اليسار العراقي في الظروف الراهنة

نجدد التأكيد على أن بلادنا تواجه أزمة بنيوية الطابع، تطال مختلف اصعدة التشكيلة التي بدأت بالتبلور بعد 9/4/2003. وقد بيّنت التجربة عجز النظام المحاصصاتي/ الطوائفي/ الإثني وقواه، عن تأمين حلول جذرية للمشاكل والتحديات الوطنية والاجتماعية - الاقتصادية التي تواجه البلاد.

وبالمقابل فان تجاوز هذه الازمة ينبغي أن يرتبط ببلورة بديل عابر لهذا النظام. غير ان تحقيق ذلك مرتبط بعوامل عديدة، من بينها بل وأهمها هو تبلور الكتلة التاريخية القادرة على انجاز هذه المهمة، غير ان الواقع يشير الى ان هذه الكتلة ما زالت ضعيفة التأثير لأسباب عديدة.

ومن هنا فان المطلوب في المرحلة الراهنة هو بناء وحدة القوى الاجتماعية والسياسية، ذات المصلحة الحقيقية في اعتماد المشروع الوطني – المدني - الديمقراطي، وفي النضال لتحويله إلى واقع ملموس وليس مجرد شعار. فهو المشروع الأقدر على تحقيق المهام الوطنية، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وتوفير العدالة الاجتماعية. كما أنه يوفر افضل الضمانات للتصرف السليم بالموارد النفطية، وتوظيفها لبناء اقتصاد وطني متنوع وكفوء.

ومن بين القوى المعنية بتحقيق هذا المشروع هي قوى التيار المدني الديمقراطي (والتي تحدثنا عنها في مناسبات سابقة)، والقوى اليسارية على تنوع مشاربها ومرجعياتها الفكرية والسياسية العملية.

وإذا كان من الممكن القول بأنه لا شيء يمنع التقاء القوى والتنظيمات اليسارية وتعاونها وإيجاد صيغ للتنسيق، من دون وضع ذلك في تعارض مع بناء وحدتها، ومع تفعيل دورها السياسي والفكري والميداني، فإنه في الواقع يبدو أن هناك مشكلة تشتت قوى اليسار. وحتى لا نبسّط الامور لا بدّ من الاستدراك بان هذا التشتت ناجم عن أسباب وعوامل كثيرة؛ منها ما هو موضوعي لا يتحمل تبعته اليسار العراقي، ومنها ما هو ذاتي.

فهناك مثلا التحولات التي شهدها المجتمع خلال العقود الاخيرة والانزياحات الطبقية التي حدثت في المجتمع، وما أفرزته من تخلخل في بنيته، بفعل انهيار النشاطات الإنتاجية، وانسحاق الفئات الوسطى والكادحة وتدهور مكانتها، ما جعل مهمة اليسار والقوى الديمقراطية صعبة فى مخاطبة وتحديد جماهيره. لقد نشأت تلك الانزياحات عن عدة عوامل، كان أبرزها تعاظم الريوع النفطية منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وسيادة "الاقتصاد الريعي" وما حمله معه من "ثقافة" ومفاهيم، اضافة للحروب التي خاضها النظام المقبور، وما تركته من آثار وتداعيات.

وكما هو معروف فانه ومنذ وقت ليس بالقليل اندلع نقاش ولا يزال لم يهدأ أواره حول اليسار ووحدته وضرورة تدشين حوارات معمقة، حول دوره في المشهد السياسي العراقي المضطرب والمتناقض. والدعوات للحوار والتوصل الى مشتركات، مهما تنوعت نيات مطليقها، فإنها في الواقع تعكس الحاجة الموضوعية لدور ما لقطب مهم، لعب أدوارا تاريخية مهمة في المشهد العراقي، ولكنه مشتت لحد الان وغير قادر، في اطار هذا التشظي، على طرح نفسه كبديل حقيقي لنظام المحاصصات الطائفية والاثنية، دون ان تعني هذه الملاحظة الانتقاص من دور مأمول لهذا التيار، عندما يعبئ قواه ويوسع قاعدة المشتركات.

إننا على قناعة كاملة بأن الحوار ضروري جداً، ومن المهم ان لا يكون بمثابة "حرب خنادق" بل أن يتبلور ويتصاعد ليصل الى نتائج ملموسة، تتيح خروج اليسار من أوضاعه الراهنة أو قل أزمته.

بعض منطلقات الحوار

ولكي يكون الحوار بين القوى اليسارية جادا ومنتجا، فانه يستلزم التوافق ولو على العديد من المنطلقات لتدشينه ومن بينها:

- أن تعترف كل أطراف اليسار بالتعددية داخل هذا التيار، اي الاقرار بتنوع مرجعيات القوى المكونة له.

- ونظرا لطبيعة "القطيعة" الطويلة بين هذه الأطراف، ينبغي تجنب انتظار صيغة ناضجة تكتمل كل شروطها في لحظة ما، بل لا بدّ من الانطلاق من اشكال دنيا من التنسيق والتقارب حتى تنضج الظروف لإقامة إطار جبهوي، للعمل المشترك على غرار ما حاصل في حالة التيار الديمقراطي.

- التوجه الى مواقع المحتشدات الجماهيرية والسكنية للعمل مع مكوناتها حول قضاياهم المباشرة. فهناك قطاعات واسعة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وما يحمله ذلك من مخزون لقاعدة جماهيرية راهنة ومحتملة لصعود الكتلة التاريخية المتمثلة باليسار والديمقراطية، في حال تغير أوضاعه الذاتية والتغلب على تشتته. ولا شك في أن قوى اليسار هي من بين القوى المعنية والقادرة موضوعيا للدفاع عن مصالح الطبقات الكادحة وجموع الفقراء والمهمشين وسائر المتضررين من السياسات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وتعبئة هذه القوى من أجل الدفاع عن حقوقها وحماية مصالحها من عسف واستغلال ائتلاف الرأسمالية الطفيلية/ البيروقراطية/ الكومبرادورية في بلادنا.

وهذا يتطلب بلورة شعارات ملموسة قادرة على تعبئة القوى الراغبة في التغيير وتفعيل النشاط في أوساط الطبقات والفئات الكادحة والمهمشين، اضافة الى حركات المجتمع المدني ومع القوى النقابية والتجمعات المهنية.

- بلورة إطار فكري وسياسي لليسار، يأخذ بالاعتبار تنوع المرجعيات، ويتفاعل مع الأوضاع الجديدة للمجتمع العراقي والعربي والعالمي، ويستوعب جملة التطورات الحاصلة. فقوى اليسار بحاجة ماسة الى قراءة معمقة، لما جرى في المجتمع العراقي من تغيرات في بنيته الطبقية وأوضاعه الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية، كذلك في المنطقة والعالم كله، حتى تستطيع أن تبلور رؤية استراتيجية مشتركة تجاه ما يحدث، مما يوصل في النهاية الى تبلور اتجاه واسع يضم قوى القوى الديمقراطية والمدنية الاخرى والقوى اليسارية التي تراهن على انبثاق بديل ثالث عابر للطوائف وخنادقها المتقابلة.

- من الضروري أن لا يخضع الحوار بين أطراف التيار اليساري لأهداف تحوله الى وسيلة لعكسه، كما لا يجوز أن يكون هذا الحوار مجرد مهرب من التقييم الصحيح لطبيعة الأدوات النضالية وبناء استراتيجية قادرة على خلق ديناميكية جديدة جاذبة.

الوحدة ضرورة موضوعية وليس مناورة تكتيكية

إن الملاحظات السابقة تتيح القول إن وحدة القوى والتنظيمات اليسارية هي ضرورة موضوعية ولا يجوز ان تكون مناورة تكتيكية من هذا الطرف أو ذاك. فالوضع الذي تمر به بلادنا هو وضع معقد وإذا شئنا الدقة، بالغ التعقيد والخطورة ومفتوح على كل الاحتمالات؛ اذ وصل الى مرحلة يجعل من الصعب الخروج منها بوسائل "عادية".

وهنا لا بدّ من التأكيد على أن نقطة البدء الصحيحة هي الحوار المنهجي الذي يتعين أن يكون حواراً موجهاً لفعل يدخله الجميع بنيّة بناء كتلة يسارية عريضة، وبذهنية التوصل إلى توافقات مشتركة، لا بنيّة أن يفرض أي طرف رؤيته المسبقة على الآخرين. وكلما دار الحوار حول القضايا المشتركة، وهي كثيرة حقا، بهذه الروحية كلما ازدادت فرص التوصل إلى نتائج محددة، وبما يحول اليسار الى قطب للوحدة والعمل والأمل ويخلق الارضية لتبلور كتلة وطنية – ديمقراطية - يسارية عريضة. ولا طريق أمام القوى اليسارية المتنوعة المشارب والمرجعيات غير إعمال العقل والحوار المتفتح بهدف الوحدة وبدون مواقف مسبقة أو مقاربات تحمل أجوبة معلبة وجاهزة!

وبالمقابل فإنه إذا كانت وحدة قوى اليسار ممكنة وضرورية فإنها في الوقت ذاته تحتاج الى جرأة الاقدام على البدء بالخطوة الأولى. فهل سيجرؤ الجميع على البدء بهذه الخطوة المفصلية ام تبقى الخنادق متقابلة؟ سؤال برسم الاجابة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة "الثقافة الجديدة"

العدد 387 – 388

آذار 2017

  كتب بتأريخ :  الأحد 14-05-2017     عدد القراء :  2022       عدد التعليقات : 0