كم كانت فرحتنا كبيرة عندما وافقت جامعة اوكسفورعلى قبول أبنتنا نادية كعضوة في الهيئة التدريسية لقسم الفيزياء الحيوية بعد إنتهاء عقدها في جامعة هارفارد ببوسطن ، والذي لم تجدده ، إستجابة لطلبنا بالعمل في دولة قريبة منا، حيث سيعفينا ذلك من متاعب السفر الطويل والممل والمكلف ماديا لكثرتكراره خلال السنة ، و مع أهمية العمل بمثل هذه الجامعات لما لها من شهرة وسمعة علمية على الصعيد العالمي ، إلا أن الكثير من اﻷجانب يتعرضوا الى اﻹستغلال ، فيلقى على عاتقهم ما هو فوق طاقتهم ، ففي أمريكا لم تكن هناك عطل جامعية ، يأخذ العمل حصة اﻷسد من اليوم ، لكن هنا في أوكسفورد ، تُحترم ساعات العمل واﻷجازات وﻻ يشغل بال الباحث شؤون العمل بعد إنتهاء وقت العمل اليومي ، كما أن العمل في هكذا مواقع ﻻ يضيع الكفاءة العلمية بل يطورها ، ويفتح المجال أمام الباحث مواصلة بحوثه وتنشر في مجلات علمية عالمية ، لكن بجانب ذلك يساورالباحث قلق بعدم ﻹستقرار وهوخارج الوطن طيلة مدة العقد ، الذي غالبا ما يكون بين 3-5 سنوات ، فالتنقل من دولة إلى أخرى ، يجعل الباحث وعائلته تصارع ما ينجم عن ذلك من مصاعب التكيف للتغيير، الذي يحدثه المناخ والمحيط والعلاقات اﻹجتماعية الجديدة ، خاصة إذا كان للباحث أطفال في سن دخول للمدرسة . وهنا يسائل الباحث وخصوصا العراقي نفسه ، لماذا ﻻ يستخدم كفاءته في خدمة وطنه !!؟؟، فهو أحق من غيره بها علاوة على ما يتوفر له من إستقرار ، الجواب عند القائمين على مواقع القرار من متبني النهج الطائفي المقيت .
ليس هذا هو ما أريد التطرق اليه ، وإنما ﻷنقل إنطباعاتي عن ماشاهدته في الدول التي زرتها مستغلا تواجد أبنتي فيها ، فالناس في لوزان تحترم القانون وﻻ تتقيد بالمحسوبية . ﻻ تستغرب عندما تستلم تبليغ بغرامة نتيجة شكوى من صديق سويسري لخرقك القانون في البيت أو الشارع . أما الشعب اﻷمريكيوخصوصا شبابه يحترام الإطفال والشيوخ يتركون مقاعدهم لتجلس أو يحملوا حقيبتك ( هذا ما حصل لي ) ، وقد كتبت عن ذلك تحت عنوان هذه هي أمريكا . أما حاليا فأود التعرض الى سكان اوكسفورد . .
في زيارتنا مؤخرا لها تأكد لي ليس هناك من يشعرك بغربتك ( ربما يعود ذلك للثقافة العالية والتفهم الواضح لتطبيق حقوق اﻹنسا، ) . الكل في دوامة الحركة بين اﻹلتزامات الوظيفية والبيتية واﻷطفال ، فالوقت مقسم على هذا اﻷساس ،بينما في هارفارد كان العمل يفرض سيطرته حتى على الشؤون العائلية ، فأنت ﻻ تفكر سوى بالعمل ، حتى في اﻷعياد بعملون كما ﻻحظت ذلك، أما في بريطانيا فوقت عملك محترم، عندما ينتهي الدوام تصبح طليق ، غير مطالب باﻹجابة على ما يراد منك
كتبت عن زيارتي اﻷولى التي أبكتني ، وأنا أنظر الى كنوزنا الحضارية ، تعرض في متاحف الجامعات والمعاهد اﻷجنبية ، تكاد جامعاتنا ومعاهدنا تخلو من أي أثر يعكس حضارتنا ، بينما في أرضنا كنوزﻻ زالت غير مستكشفة و هي معرضة للسرقة لعدم لصيانتها من عبث العابثين، وما يعرضه المتحف الوطني تعرض للسرقة عند إجتياح العراق من دول التحالف ، .
ما شدني في هذه الزيارة هو مكان مولد تشرشل رئيس وزراء بريطانيا عند أندلاع الحرب العالمية الثانية الذي يقع في ضواحي أوكسفورد ، وهو عبارة عن قلعة واسعة وجميلة تحولت الى متحف، شأنها شأن قصور وعنتيكات اﻷدباء والرأسماليين واﻹقطاعيين البر يطانيين ، التي خصصت للزائرين ، لتدر لخزينة الدولة أرباح هائلة يدفعها من يريد اﻹطلاع على حضارة البريطانيين ، عكس ما حصل في العراق بعد سقوط الصنم ، فما أن سلم المحتل سلطاته لقادة اﻷحزاب اﻹسلامية ، حتى تسابق البعض منهم ، في اﻹستيلاء على قصور المقبوروأعوانة وممتلكاتهم بالرغم من كونها ملك الشعب ، إحترم قادة ثورة تموزهذا الحق ولم تمس من قبلهم
ﻻبد من تسجيل ما خرجت به من إنطباعات عن سكان أوكسفور. قل وجودها في مدن أخرى ، اﻷكسفوردي من سكان منطقتك يحييك رغم عدم معرفته بك ومن ﻻ يعرفك فتكفيه أﻹبتسامة لك بدل التحية ، الجيران طيبون عندما حلت إبنتي في بيتها الجديد ، قام الجيران بإستضافتها ، هذا تقليد يذكرني بما كان جاريا في العراق . مدينة أوكسفورد الجامعية خضراء ولم أشاهد بقعة يابسة ، تلاحظه بناية معاهدها من الخارج وﻻ تدخلها إلا بتصريح ، وقد حصلت على تصريح لزيارة متاحفها وأقسامها بالمجان. سكانها نشيطي الحركة يحملون طاقة لم أجدها في غيرهم ربما يعود ذلك لكثرة الخضرة واﻷشحار المحيطة بهم ، والتي تبث اﻷوكسجين بشكل وافر، حتى أن بيوتها ﻻ تخلوا من حديقة ، وهذا ما أفرح اﻷم التي سارعت بتهذيبها ، وقامت بزرع بعض النباتات واﻷعشاب التي يتوق لها العراقي في غربته كالكراث والكرفس وغير ذلك ، يتنقلون بالدراجات الهوائية بما فيهم بعض إساتذة الجامعة ومن ضمنهم إبنتي ، ساراتهم تستعمل للتسوق وللسفرات العائلية ، حفاضا على البيئة .المواطن يقتدي بحكامه حيث يضعوا في اوليات أجنداتهم الوطن ، بما في ذلك إيران ، بينما أغلب حكامنا ﻻ يعرفوا العراق إلا من خلال نهب ثروات شعبه، وعمل المستحيل ﻵبعاد كل وطني يريد خدمة شعبه . ومن الملفت للنظر أن أغلبهم من قادة اﻷحزاب اﻹسلامية ، عاشوا في بريطانيا وأمريكا وإستوردهم المحتل ، ليحلوا محله ، وﻻ زالت اﻷعلبية العظمى من عوائلهم مقيمة هناك ، يقومون بزياراتها وقتما شاءوا وبجواز دبلوماسي ، للتمتع بطيب اﻷقامة على حساب دافع الضرائب ، ومن ضمنهم بعض عوائل مرجعيات دينية ، قد تكون غربتهم الطويلة عن العراق أسقطت عنهم عراقيتهم ومحت محبة العراق من قلوبهم ،وبقي تمسكهم بالطائفية يطغى على روحهم الوطنية ، مما يدل أنهم لم يستفادوا من نشر المحبة والغفران التي تسود سكان بلدان اللجوء ، جراء تقوقعهم مع بعضهم ، ولم يعيروا أي إهتمام لكسب الخبرة العملية في التعامل ، مع ألمحيط ، رغم كونهم كانوا يهيأوا أنفسهم لقيادة العراق ، وأمثال هؤﻻء المغتربين، لهم حضوة عند الطامعين ببلدانهم من الدول الغربية خاصة وإن الدول الراسمالية تفتش عن قادة أحزاب إسلامية لكلا الطائفتين ، وتحبذ مجيهم للسلطة دون العلمانيين ، ﻷن بينهما لغة مشتركة والتعامل معهم ﻻ يسبب وجع راس ، بينما العمانيون لغيرتهم الوطنية يقفوا بوجه مطامعهم بالبلد فتبعدهم من فكرها . لكون مبدئهم يعارض نهب خيرات وطنهم ، وإستثمارها في تلك الدول ، ولكون اﻷحزاب ااﻹسلامية ﻻ يضيرها أن تنظم أوطانها وشعوبهم لقافلة الدول الفقيرة ، رغم ان أغلبها تحسب على الدول الغنية لما تملكه من حضارة عريقة وخيرات