تقييم أي حدث يجب أن يأخذ بنظر اﻹعتبار، الظروف الذاتية والموضوعية التي كانت سائدة في زمان ومكان الحدث ، وبعكسه يصبح التقييم مشوه ، بعيد عن الحقيقة . ومن هذا المنطلق سميت ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 بثورة الفقراء ، لانها جاءت لنصرتهم, وتماهت مع تطلعاتهم ، القاضية بتحقيق حياة حرة كريمة في عراق يسع لكل مكوناته ، في ظل نظام وطني متحرر من التبعية اﻷجنبية والمحورية ، ومن هيمنة فئة إجتماعية صغيرة أرهنت مشيئتها للأجنبي ، وتصدت للنضال المطلبي للجماهير الشعبية والكادحة بأبشع اﻷساليب القمعية ، بما في ذلك إستعمال القوة المفرطة ، في وثبة كانون1948 وإنتفاضة تشرين 1952وغيرها من المعارك البطولية ، التي خاضتها الطبقات المسحوقة لنيل حقوقها
وسميت بالثورة الوطنية لكونها رسخت الهوية العراقية ، في التمتع بالثروة الوطنية وبإشاعة الديمقراطية والعدالة اﻷجتماعية ، وغيبت المفهوم القومي والطائفي للوطنية ، وابعدت المخاوف من سيطرة رجالها على إحتكار المال والسلاح ، وساوت في الحقوق والواجبات بين المواطنين .وبالرغم من معارضة قوى قومية ودينية ، عينت الثورة ، و بإصرار زعيمها إبن الشعب البار عبد الكريم قاسم ، العالم اﻷكاديمي عبد الجبار عبد الله الصابئي الديانة رئيسا لجامعة بغداد ، وقامت بإصلاحات ومنجزات شملت كافة اﻷصعدة السياسية واﻷقتصادية واﻷجتماعية ، فاتحتا بذلك آفاقا رحبة أمام بناء عراق جديد ، وأنصفت المراءة بإصدارها قانون اﻷحوال الشخصية ، وغيرها من القوانين التي أغاضت القوى التي لا تريد الخير لشعبنا ، من القوى والدول القريبة والبعيدة ، والتي ضربت الثورة مصالحها ، فلا غرابة أن تعانق أفراح تحرير الموصل وكنس داعش من أرضها ايام اﻹحتفال بالذكرى السنوية لهذه الثورةالمجيدة ، بسواعد المتآخين من جيشنا الباسل والبشمركة اﻷبطال مع بقية قواتنا اﻷمنية معيدين التآخي بين مكونات الشعب العراقي وجيشه الباسل صبيحة 14 تموزالخالد وبشكل و بشكل يتماهى مع فرحة الشعب عند إسقاط الصنم
فاﻹنتصارات الكبيرة التي تفرح الشعب ترسم الفرحة في وجهوه كافة مكونه العرقية ، حيث تخرج الجماهير عن بكرة أبيها لتجوب شوارع المدن راقصة مبتهجة بكل إنتصاريتحقق لصالحها ، ولتؤكد للعالم أن مواطني العراق من مختلف منطلقاتهم المذهبية والعقائدية يجمعهم فرح اﻹنتصارات ، وإنها تتطلع الى اليوم الذي تُنسف فيه مقومات نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية أس بلاء الشعب ، والذي أوصل إلى أن تدنس داعش تراب أرضه ، عند تخاذل متبنيه في عملية التصدي لها ، واليوم أذ تعيد قواتنا المسلحة كرامتنا التي ديس عليها جراء ذلك التخاذل، والمضي قدما بتحرير المدن اﻷخرى ليعود المهجرين الى بيوتهم بعد إعمارها .ولكي تبقى الفرحة مستدامة والنجاحات متواصلة وأن ﻻ تذهب دماء شهداءنا في معركة التحرير سدى ،فإن ذلك مرهون بمحاسبة المقصرين ، وإتخاذ اﻹجراءات القانونية بحق كل من كان سبب في تسليم الموصل لداعش المجرم وكل الفاسدين والمفسدين الذين عاثوا بالمدينة فسادا .
،واليوم أذ نحنفل بيوم اﻹنتصار نعيد الى اﻷذهان ما حققته ثورة تموز الخالدة لشعبنا ، ومطاليبه الحالية لن يرتفع سقفها فوق سقف ما حققته الثورة المجيدة سيما وإن بينهما مشتركات وطنية . أولها أن كلا الفرحتين كانت أدواتها وطنية، ولم تعتمد على العامل الخارجي في ساحة المعركة، لذا صبت في صالح فقراء الشعب من الفلاحين والكادحين ، الذين أزدادو قناعة بأن الروح الوطنية التي تجمعهم ، هي القادرة فحسب على التخلص من كل أمر يمس باستقلال العراق السياسي واﻷقتصادي ، وعلى رفع الغبن الذي لحق بالوطن نتيجة تساهل حكام متبني نهج المحاصصة المقيت أمام الفساد والمحسوبية وإنفلات المليشيات السائبة التي كسرت إحتكارالسلاحالمتعارف عليه دوليا ليكون بيد السلطة ، في كلا الحدثين الثورة ، واﻹنتصار على داعش أغاضا القوى المعادية لمصالح الوطن، و كل ما تخشاه الجماهيرالفرحة باﻹنتصار، أن قواعدها في الداخل ، قد ترتدي ثياب النوم حاليا لتخلعه مستقبلا ، عندما تحين فرصتها لتبث سمومها وتنال من وحدة مكونات شعبنا، مستفيدة من إستمرارية مآرب النهج المحاصصاتي في السلطة ، فتسرق الفرحة من وجوهننا كما سرقت بتموز وبعيد إسقاط الصنم ،.
بعد أﻹنتصار على داعش ، صارلعراقنا وزنا معنويا في المنطقة والعالم ، وهذا لن يرضي الطامعين به ، إذا لم يصاحب ذلك تحقيق مطاليب المتظاهرين في ساحات اﻹعتصامات ، بضرورة النهوض بالتغيير واﻹصلاح ، في أجواء ديمقراطية تعيد إلى اﻷذهان اﻷجواء الطيبة التي أحدثتها ثورة تموز عند إنبثاقها ، وخاصة روح التضامن بين الشعب وجيشه الباسل التي نراها حاليا حارة ، مع أملنا أن ﻻ يبرد التصدي لكل من يسعى لتهميش القوى الوطنية ومكونات شعبنا العرقية ، بإسم الطائفية والمذهبية ، سيما وإن أجهزتنا اﻷمنية واﻹدارية للدولة يعشعش فيها من يدق إسفين الفرقة على أساس طائفي ومذهبي ، فعقليتهم مغلقة تجاه أن يروا عراق ديمقراطي