الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
من الثقافة يتبلور الوعي السياسي

   مرة أخرى ينأى المتحاصصون الطائفيون واﻷثنيون التقيد بنمط سلوك الحوار والنقد في هذه الظروف العسيرة التي يمر بها الوطن و الشعب ، فكم تمنيا عليهم ، أن ينهضوا بعبء العملية السياسية بعد إسقاط الدكتاتورية بجحافل قوى التحالف الدولي ، لتنضبط بخط سيرسكتها الصحيحة بما يخدم ما تمناه اﻹثنان معا من وراء ذلك ، وهكذا برهنت اﻷحزاب اﻹسلامية والقومية ولعدة مرات ، نكران إسلوب الحوار في حل خلافاتهم ، بينما تستمرهيمنتهم المطلقة على الحكم تحاصصيا ، وتوجيه الثقافة بالشكل الذي تمليه مواقفهم السياسية ، لذا بقيت سجينة اﻷطر التي ﻻ ترغب بتحررها ، حاجبة عنها أجواء الديمقراطية الرحبة ، وضاغطة على مساحة النقاش وحرية الحوارالفكري ، فحولتها إلى شعارات سوقية تستخدمها لغايات صراع بينها من جهة ، وبين القوى الوطنية والمدنية من جهة ثانية ، ولهذا نلمس التمزق والتناحر بين صفوفهم ، حتى أضحت اﻹختلافات الحاصلة ليس لها صلة إطلاقا بقضايا الوعي والثقافة الوطنية ، فعقليتهم أغلقت كل مظاهر الحياة الجميلة في المجتمع وصارت ﻻ ترى ما هو أجمل في الحياة ، لذا لم تزهرأﻹبداعات الذاتية للثقافة ، ولم تعد قادرة على صناعة الفكر المتحرر، بسبب سيطرة سياسة اﻹعلام الحكومي لجعلها متموضعة في أحضان الفكر السياسي المتحجر . هذا ما يعكسه الوضع الذي يسود المناخ السياسي ، منذ تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية المقيت ، وفتحه أبواب حولت مصالح سياسي الصدفة إلى أن تصر على رفض الفكر والعقل المتنور للمثقف العراقي ، قاطعين طريق النقد والحوار معه ، لحساب الطوائف والمذاهب ، فلفقوا التهم وكالوا اﻹتهامات على من يطالب بالتغيير الحقيقي واﻹصلاح مشفوعاٍ بمنطق التصفية الجسدية ، كما حصل للمفكر لكامل شياع و والصحفي هادي المهدي ، وللنقابي صالح( أبو فرات ) وقبلهم السياسي المثقف سعدون ... ، وليومنا هذا يواصلوا إصباع التهم الجاهزة ، وتكرار منطق سياسي الحكومات الرجعية والدكتاتورية ، لكل من يطالب باﻹنفتاح والديمقراطية باﻹلحاد ، حتى أن العلمانية وصفت بمعاداتها للدين من وجهة نظربعض السياسين الرابضين في مواقع القرار، التي أتاحت لهم فرص التفنن بالفساد والمحسوبية والتعالي بالوهم بأنهم من كان وراء حث الغرب ﻹسقاط الصنم ، وليس مصالحه الذاتية، كانت وراء إحتلاله ، وما صمته ( الغرب) أزاء تشويهم للديمقراطية التي جاء بها لننعم ببحبوحتها كما قال ، وعن دوسهم على مواد الدستور في هذا الشأن ، ناهيك عن هيمنة مطلقة لفكرهم السياسي المتحجرعلى الثقافة ، لكونهم يعتبرونها اﻹبن الشرعي لفكرهم السياسي الهجين لذا فهم لوحدهم مسؤولون عن رعايتها ، وبعقلية متماهية تعيد غلى أذهاننا نهج حكومات ما قبل السقوط ، مما أدى الى حرف العملية السياسية عن سكتها الحقيقية ، مما أغرى حفنة من الدواعش ، بإستغلال تلك الظروف المصطنعة ، فقامت بتدنيس أرض ثلث الوطن ، في أجواء تخاذل المعنين من التصدي لهم ، مما زاد من ضياع إرتباط الهوية بالوطن لديهم ، غذتهاعناصر هجينة، ﻻ تملك إسس ثقافية ،وطعمتها برجالات خدمت الدكتاتورية . على أن ﻻ يستفاد من القوى الوطنية التي قارعتها . لتصبح قاعدة توسع جماهيريتها، مما خلق تناقضات بين قادة الطبقة السياسية الحاكمة نفسها من جهة ، وبين أحزابها اﻹسلامية وبين الشعب وقواه الوطنية التي همشت من جهة ثانيةنتيجة تيجة تسابقها على خلق وسائل نصرة الطائفة ، و تجييشها المجتمع طائفيا ومذهبيا ، وجعل تفاهماتهم البعيدة عن الدستور، نهجا لمسارالعملية السياسية ، حيث كان من مصلحة بعض القادة من مزدوجي الجنسية ( اغلبيتهم العظمى إستوردوا من الخارج ) ، الظهورعلى المسرح السياسي كقادة لهذه الطبقة الهجينة في عموم العراق ، فإستطاعت أن تجد متسع من المساحة لتكوين قاعدة مادية وميليشيات مسلحة ، كسرت ما متعارف عليه من حصر السلاح بيد السلطة فحسب ، فحملته بيدها مهدد به المثقف وتحط من مفهوم التمتع بما هو أجمل في الحياة فمنعت الموسيقى والمسرح وكل ما ينعش الحياة الثقافية ، بحجة أنها تعتمد الشريعة اﻹسلامية في حراكها بين الناس ، وبهذأ أضحت ممارساتها ، ﻻ تختلف من حيث الجوهر عن ما يريده الفكرالسلفي وداعش من الناحية العملية ، مستغلة أجواء تبعثرقوى اليسار الوطنية على الصعيد الداخلي والعالمي الغير متصلة مع بعض على الصعيد اﻷممي، رغم زمن الكوميوترالذي قصر المسافات والزمن فيما بينهم  .

   لقد إتصفت هذه الطبقة السياسية الهجينة ، بإجادة فن المناورة وإنتاج ما هو خارج الفكر وﻻ يتصل بالوعي واﻹنسانية الذي يطلان على المجتمع عبرالثقافة ، فهي لم تسلك مسار ذا إتجاه واحد ، مؤطر بأهداف طبقية أبعدتها عن الطبقة الفقيرة والمهمشة سياسيا وإقتصاديا ، رغم إدعائها بتمثيلهما ، بينما تنسق خيوطها القائمة على المذهبة والطائفية والمصالح الذاتية فيما بينها ، محدثة شرخا واسعا بينها وبين الشعب من جانب الغنى ، وفق سياق يحاكي شكل سيادة اﻷحزاب المشاركة في الحكم ، فعلى المسرح السياسي تتمسك بنزاعات ثانوية ناشئة عن تناقضات غير متموضعة في زمان محدد ، فهي تعتمد على الضدية مع اليسار، و تحاول إحتواءه بشعارات مذهبية براقة على ثلاث محاور، هي اﻹنشقاقات ، وسحب الحق من مالكه الشرعي  .

   إن الطبيعة الهجينية للهذه الفئات المؤمنة دينيا ومذهبيا ، إنعشت ثقافة اﻷحزاب اﻹسلامية سياسيا، وبصورة خاصة اﻷخوان المسلمين وأخواتهم من خلال تسييد التناقضات، وهي تبدو مستقرة من وجهة النظر السياسية على أصرارها في مواصلة العمل على ربط الحكم بمشاريع ﻻ تملك ثقافة بينية سياسية ، بغية المحافظة علىتماسك جيناتها ، التي ستبقى مستقلة :كإستقلال مراجعها المذهبية بعضها عن بعض ، وقد تصل حد الحراب بينهما ، ﻻ يمكن إخماده ، إلا عيرإبعاد خالي الوفاض من الثقافة عن مواقع تحركها بحرية بين أوساط أطياف المجتمع ، فهي من تضع العراقيل أمام محاولة أخراج الوطن من كوبته ، ذلك ﻷن التمسك بالذاتيات يبعدهم عن تأدية الواجب الوطني ، ويجعلهم يحقدون على كل من يحاول تبني التغيير واﻹصلاح من القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ، مما يحتم على قوى اليسار التصدي لذلك ، وأيجاد ما يصب في أنجع السبل نحو توحيد صفوفها لتصبح قوة أجتماعية ، تحركها اﻷهداف الوطنية العامة فحسب  .

  كتب بتأريخ :  الجمعة 28-07-2017     عدد القراء :  2619       عدد التعليقات : 0