الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
دفاعا عن الجلاد!

اقدم المخرج المغترب فاروق صبري على تقديم مسرحية « مانيكانات «, (جاء الاسم لجمع « مانيكان» وهي الدمية التي توضع عليها ملابس العرض) قبل ايام في مسرح الرافدين التجريبي, وكنت اتمنى ان يحافظ المخرج على العنوان الاصلي للمسرحية وهو «اسئلة الجلاد والضحية» للكاتب صباح الانباري, لان العنوان كان يلخص الفكرة الاساسية لما اراد طرحه المؤلف والمخرج على حد سواء.

قطع فاروق صبري آلاف الكيلومترات، تاركا عائلته في مغتربه النيوزلندي، ليصل الى بغداد في صيفها اللاهب, حالما بتقديم هذا العمل المسرحي الذي يثير مجموعة شائكة من الاسئلة عن العلاقة بين الجلاد والضحية بمفهومين متضادين وهما الشر والخير, الحياة والموت, الجمال والقبح, النور والظلام.. وقد وافقت وزارة الثقافة على تبني هذا المشروع ـ العرض الذي أسندت بطولته للفنان المبدع والمثابر طه المشهداني (الجلاد), برفقة الفنانة ميلاد سري التي تألقت بتجسيد الضحية, وهو دور جديد في حياتها الفنية واستطاعت بفترة قياسية ان تلبس لبوس الشخصية كما تمناها المخرج وقد ساعدها جسدها الرياضي والمرن بان تثبت بانها ممثلة تمتلك مواهب تستحق التقدير.

لم ينفع المخرج فاروق صبري ما صرح به, هنا وهناك, بان قصة المسرحية تدور حول الخير(الضحية), والشر (الجلاد)، وانه يحاول طرح اسئلة حول تقييم الحق والباطل، لكي يبذل المتلقي بعضا من جهد للعثور على الاجابة.

لقد اثار هذا العمل الكثير من اللغط خلف الكواليس وعلى الطاولات! فكانت احاديث الكواليس تشي بموقف مشين من قبل البعض التي تؤشر لموقف سلبي مبيت من الفنانين المغتربين، وخاصة اولئك الفنانين الذين اضطروا الى ترك العراق في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات بسبب سياسة النظام السابق القمعية! والبعض الآخر يطرح شكوكا عنصرية مقيتة حول اسباب تبني هذا العمل من قبل وزارة الثقافة!

اما حديث الطاولات النقدية فانه انزعج كثيرا من رؤية المخرج التي لخصها بان الجلاد قد فعل «فعلته» بكل ابناء الشعب! ونحن هنا نتساءل ونتفق مع رؤية المخرج: الم يكن الشعب العراقي رهينة بيد الجلاد يقودها من حرب الى حرب؟! الا يوجد الان من يحاول تقليد ذلك الجلاد المقبور؟ فعلينا ان نحذر من تكرار تلك التجربة المريرة!

اين النقد الاكاديمي في قراءة العمل بشكل فني صحيح، والبحث عن مفاصله الاساسية في الاداء والسينوغرافيا واستغلال الفضاء والحركة وبناء الشخصيات، خاصة وان المخرج حاول ان يقدم مفهوما جديدا في المسرح وهو «المونودراما التعاقبية» التي لم يتوقف عندها الكثير!

المخرج لم يحدد هوية الجلاد. فمن الممكن ان نجده في اي بلد من بلداننا التي ابتلت بالجلادين. والحرية لا تعني الاستياء من الوضع الحالي وشتمه فقط! بل علينا قراءة الماضي المظلم، كي لا يعيد نفسه بـ»مانيكان « جديد!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 02-08-2017     عدد القراء :  2619       عدد التعليقات : 0